تحليل التناقض الرئيسي في تجربة اليسار العراقي..

يحدد ماو التناقض الرئيسي بحسب كل مرحلة: ضد الخارج الامبريالي ثورة وطنية، ضد المرحلة ما قبل رأسمالية ثورة ديموقراطية، وضد السيطرة الرأسمالية ثورة اشتراكية، ويمكن من خلال «التناقض الرئيسي» تحديد من هو تقدمي ومن هو رجعي.

قال ماو في كتاب في التناقض: «عندما تشن الإمبريالية حرباً عدوانية على بلد... فإن الطبقات المختلفة في هذا البلد، باستثناء حفنة من الخونة، يمكن أن تتحد مؤقتاً كي تخوض غمار حرب وطنية ضد الامبريالية، وحينئذ يصبح التناقض بين الإمبريالية وذلك البلد التناقض الرئيسي، فيما تصبح مؤقتاً جميع التناقضات بين مختلف الطبقات داخل ذلك البلد في مركز ثانوي وتابع. وهذا فعله ماو في تحالفاته الداخلية في الحرب ضد اليابانيين.
تشهد بلاد كالعراق ولبنان وربما لاحقاً سوريا بعد انتهاء الحرب فيها مراحل من الاستقرار الأمني، الذي يفتح المجال للعمل السياسي وحكماً من ساهم في إرخاء أجواء الأمان بالنار والبارود، لا يمكن أن يكون بعيداً عن المرحلة الذي يستثمر فيها إنجازه العسكري بالسياسي المباشر. ولكن اليسار الذي كان بعيداً نسبيّاً عن النار بعد انهيار التجربة السوفياتية، يبحث عن وجود له في الساحة السياسية بعيداً عن سياسات العزلة التي تجعلنا خارج التاريخ.
تحالف سائرون ورؤية الحزب الشيوعي العراقي:
شهد شهر كانون الثاني من عام 2018 إعلان تحالف "سائرون" بين قوى سياسية مختلفة منها الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري وبعض القوى المدنية، الذي حصل لاحقا على 54 نائباً، منهم اثنان للحزب الشيوعي في محافظة بغداد وذي قار من بينهم النائبة هيفاء الأمين (أعلى نسبة أصوات). عمليّاً هذا التحالف لم يأتِ مسقطاً، إنّما نتيجة عمل مشترك التقت عليه هذه القوى في البرنامج والشارع. التحالف أتى بشكل أساسي نتيجة العلاقة بين الحزب الشيوعي والقوى المدنية، التي أطلقت التحركات في ميدان التحرير في بغداد، من جهة، وانضم لها التيار الصدري والتقت على برنامج يطالب بدولة المدنية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إضافة لحصر سلاح كل التنظيمات بيد الدولة وهذه مشكلة أساسية ومعقدة لوجود 35 تنظيم مسلح (ميليشيات) خارج إطار المؤسسات الأمنية.
عليه بنى الحزب الشيوعي العراقي هذا التحالف الذي يقول سكرتير الحزب الرفيق رائد فهمي بأنه تحالف مرحلي وليس استراتيجي. ونصّ الاتفاق على احتفاظ الطرفين باستقلاليتهم الفكرية واتخاذ قرارهم، وهو بطلب من التيار الصدري ولا يجعل أي من أطراف التحالف محكم إلّا بما ثبت عليه بالورقة المشتركة. هذا يحصن الحزب من أي التماس قد يقع، وخاصة أن مقتدى الصدر يمسك العصا من الوسط بين السعودية وإيران، ويصرح بشكل أساسي برغبته إبعاد العراق عن الصراعات، وأن العراق ليس موطئ قدم لأي اعتداء على دول الجوار.

 

الطرفان "الشيعيان" الحشد والصدر من القوى "التقدمية".. ولكن ما الدور في مرحلة السلم؟
لا شك أن الخريطة السياسية للعراق فرضت هذا التحالف. وهذا بشكل أساسي يعود لغياب التناقض الرئيسي أي العدوان الخارجي من أي جهة كانت، إذ تبرز وبشكل أساسي التداخلات بين إيران والولايات المتحدة وتركيا والسعودية لتشكّل من العراق مساحة تقاسم نفوذ هادئة، مما يحول العراق لبلد تابع اقتصادياً بالرغم من ثرواته الكبيرة. فعلى سبيل المثال، يبيع العراق النفط الخام لإيران ويشتري منها المنتجات النفطية بثمن أعلى، ويشتري من تركيا المنتجات الغذائية بمجملها، وفيه قاعدة أميركية مشتركة في عين الأسد مشرفة على عمل داعش وأخواتها، ويستأجر خدمة الكهرباء من السعودية.
إذاً إنه بلد منهك بمليارات من الديون لا قوة له على فعل أي شيء بفعل سياسات الدول الطامعة، عبر أدواتها المباشرين، إيران بحشدها الشعبي وأميركا بداعش. الاستنتاج الذي توصل له الشيوعيون وثبّت باستفتاء حزبي عام أن التناقض الرئيسي اليوم هو مع حزب الدعوة الحاكم وحلفائه فلا ضرر بتحالف مرحلي ضمن برنامج سياسي محدد مع الصدريين الإسلاميين المتنورين، الذين تؤيّدهم شريحة من الطبقة الفقيرة، كما أنهم تصدوا للعدوان الخارجي في حينه. فكما ذكر ماو التناقض الرئيسي دوماً مع الإمبريالية عند العدوان الخارجي أما في مرحلة السلم الوضع يختلف، ومواجهة العدو الخارجي هو الذي يحدد الفئات التقدمية والرجعية. الحشد الشعبي وسرايا السلام (قوات الصدر) المجمدة حاليّاً شكلتا حركة تقدمية لحماية العراق من داعش وأميركا حين كانت في العراق من قبل الطرفين. ولكن في وقت السلم اليوم، الحشد يدمر الدولة ببقائه قوة رديفة تخدم مصالح ايران، وإبقاء العراق تابعاً على عكس الصدر الذي جمد ميلشياته وانطلق للفضاء الوطني وخاض التحركات الشعبية مع الحزب الشيوعي والانتخابات النيابية لاحقاً ضمن ورقة سياسية وطنية.

التناقض الرئيسي في العراق اليوم مع أطراف الحكم
لأن الثانوي والرئيسي يتبدلان بتبدل الظروف، والصراعات العراقية لها بُعد يمتد من دول الإقليم التي لا تريد العراق دولة قوية لتحافظ على نفوذها الاقتصادي باسم الطائفية، وصولاً لأميركا والغرب الذي لا تريد دولة عراقية تدافع عن قضايا العرب وخاصة فلسطين وحكماً لا تريدها دولة مؤسسات.
فحكما التحالف مع الصدر سيؤسس لمشروع دولة قوية وغير ممكن مع "حزب الله العراق" والحشد الشعبي العقائديين الذين يُمعنون في إضعاف الوطنية العراقية، ويبنون التحالف مع إيران من بُعد العقيدة وليس الوطنية ولو كان الصراع مع الأميركي هو الأساس، لكنه يدمر العراق الدولة فيخدم الغرب بطريقة غير مباشرة. اضافة أنّه لا مساحات مشتركة وهي ساحة النضال المطلبي كما فعل التيار الصدري المتنور في العمل السياسي الداخلي، الذي يصب في مصلحة الصراع العراقيين والذي يضر بالغرب حكماً، وهذا ما حصل في التحركات الشعبية عام 2015. هذا التحالف سيضع العراق في خانة الصراع العربي الصحيح مع الإمبريالية وبالأخص حيال القضية الفلسطينية والسورية أقله من جانب الشيوعيين العراقيين.
أما في لبنان هل يستطيع اليسار أن يقارب فيه التحالفات كما فعل العراقيون؟
هناك أوجه شبه عديدة بين لبنان والعراق منها نوع نظام الحكم الطائفي والتجارة بمصالح الناس باسم الطوائف ودور المؤسسة الدينية، إضافة لوجود نفوذ سعودي إيراني أميركي في أركان الحكم، والصراع مع الصهيونية.
تتبدل المعايير في التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني في دور حزب الله، التقدمي في مواجهة العدو العدو، فيما الأحزاب اليمينية الأخرى تمثل الخط الرجعي في هذا التناقض، وباقي القوى الشبيهة لا يمكن بناء أي تحالف معها، هذا بالإضافة لدورها في خدمة النظام الاقتصادي الريعي ورؤوس الأموال. في حين أن الصراع مع العدو الصهيوني المفتوح يجعل من التناقض الأساسي الخارجي مسألة تعيده بشكل دوري للنقاش، مما يجعل الوضع الداخلي بعيداً عن اهتمام حزب الله الذي يخلق له بيئة تؤمن له الحماية الداخلية، ولكن الوضع الاقتصادي متجه للانهيار حكماً وسيدمر كل شيء، مما يخلق ضرورة أمام حزب الله للتدخل في الوضع الداخلي. ولكن هل حزب الله سيخوض فعلاً الصراع الداخلي الذي يبني دولة مقاومة اقتصاديّاً واجتماعيّاً ليكون التحالف معه ضرورة وطنية من قبل الشيوعيين لدوره في ذلك، ولتأييده من قبل شريحة واسعة من الطبقة العاملة، أو سيحافظ على حياده الذي حكما سيجعله كتناقض أساسي في صراع بناء وطن العدالة الاجتماعية والاقتصاد المنتج غير التابع الذي يخدم مشروعه؟
يمكن لحزب الله أن يكون جذريّاً اكثر من التيار الصدري العراقي، ويساري في القضية الوطنية وليس شيوعياً، ونحن الذي نبني التحالفات على أساس الصراع الطبقي والتناقض الرئيسي والثانوي علينا أن نقترب ليس حد الإحتراق والإبتعاد ليس لحد الإفتراق. وأن نقارب التحولات في خطاب حزب الله ودفعه للضرورة الوطنية، من خانة العقيدة الى خانة الوطنية ليس امام الأعداء الخارجيين فقط انما ايضا الأعداء الداخليين التابعين بسياستهم لنفس العدو الخارجي.

  • العدد رقم: 365
`


بشار علي