الذكرى الثانية والسبعين لنكبة فلسطين المستدامة

يحيّ الفلسطينيون في 15 أيار من كل عام، ذكرى النكبة التي ألّمت بهم عام 1948. يوم تم اقتلاع شعب من أرضه، وطرده من بيته وقراه ومدنه، لصالح إقامة كيان صهيوني مصطنع، تم استجلاب مستوطنيه من بلدان عدة، يجمعهم رابط واحد على اساس الدين اليهودي. يوم النكبة لشعب فلسطين يلي اليوم الذي يعلن فيه كيوم الاستقلال لهذا الكيان المصطنع ودولة تحت مسمى "إسرائيل".


هي النكبة لفلسطين وشعبها، صاحب الحق التاريخي والشرعي في أرضه ووطنه، حيث تم تهجيره بالقوة، على أيدي العصابات التي استقدمتها الحركة الصهيونية الاستعمارية، فقامت بهدم معظم معالم المجتمع الفلسطيني، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحضارياً. وتم تشريد أكثر من 750 ألف مواطن، وتحوّلوا إلى لاجئين في البلدان المجاورة. هي نكبة وحشية، حيث شملت العشرات من المجازر والفظائع، وأعمال السلب والنهب ضدّ الفلسطينيين. هدّمت فيها هذه العصابات مئات القرى والمدن الفلسطينية، وحوّلتها إلى مدن يهودية، وبأسماء عبرية، ليس لها علاقة لا في التاريخ ولا في جغرافيا المنطقة، بل بنيت على قصص خرافية من الميثولوجيا والأساطير القديمة. أثبتت ذلك، قرارات المنظمة العالمية، للتراث وثقافات الشعوب المعروفة باسم الأونيسكو. حيث أصدرت أكثر من قرار لصالح الشعب الفلسطيني، بعد البحث والتدقيق في تاريخ المنطقة، وأصل الحضارات والشعوب التي مرّت وتعاقبت عليها، وأثبتت بذلك، أن المدن كالقدس والخليل والحرم الإبراهيمي جميعها تراث فلسطيني، ولا يمتّ إلى اليهودية بصلة. وما يدّعيه العدو الإسرائيلي والدولة المحتلة، محض تزوير وافتراء.
إن مأساة الشعب الفلسطيني الإنسانية، والمظلومية التاريخية التي وقعت عليه، هي أفظع وأكبر مظلومية، لم يعرفها في التاريخ شعب من الشعوب، كما قال رئيس فنزويلا الراحل تشافيز. ربما فقط ما عرفه وذاقه الهنود الحمر، شعوب أميركا الأصلية، على أيدي المستعمرين، البريطانيين والأميركيين فيما بعد. وكذلك الشعب الفلسطيني، كانت نكبته بالأصل على أيدي الاستعمار البريطاني ومن ثم الأميركي كذلك، أما التنفيذ، كان على يد الحركة الصهيونية الاستعمارية، التي قدّمت الخدمات الجلّى للاستعمار، وقدّمت نفسها كقاعدة متقدّمة له في المنطقة، لإحكام السيطرة على بلدان وشعوب المنطقة، لنهب خيراتها وثرواتها الطبيعية والوطنية، وأيضاً كي تقدّم نفسها، كرأس حربة ضدّ حركات التحرّر الوطني والقومي لهذه الشعوب، التي تناضل للتخلص من المستعمر وهيمنته، ولتحرير الأرض والإنسان.
كانت فلسطين حتى عام 1914 ضمن حدود الدولة العثمانية، التي دخلت الحرب العالمية الأولى، إلى جانب الألمان، فخسرت كافة أراضيها في البلاد العربية، لصالح بريطانيا وفرنسا، بموجب معاهدة "سيفر" الموقعة عام 1920 ومعاهدة لوزان. وكانت كلّْ من بريطانيا وفرنسا قد وقّعتا معاهدة سرية لتقاسم الأراضي العثمانية، قام بفضحها ونشرها الاتحاد السوفياتي السابق، وتُعرف باسم سايكس ــ بيكو على اسم وزيريْ الخارجية لكلا البلدين. وكانت فلسطين من ضمن الأراضي التابعة للتاج البريطاني، أي ما عرف آنذاك بالانتداب البريطاني، حتى عام 1948. أما بقية التفاصيل التاريخية التي تم بموجبها قيام دولة الاحتلال المسماة إسرائيل، التي اعترفت بها بريطانيا بعد ساعات على انسحابها من فلسطين، وبعد عشرة دقائق على إعلان بن غوريون قيام (دولة إسرائيل) تم اعتراف أميركا بها، الذي جاء على لسان ترومان رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك.
لسنا في هذه المقالة، بصدد عرض سرد تاريخي للقضية الفلسطينية، لأنها بحكم موقعها كقضية العرب المركزية، وبالتالي هي القضية المركزية لطبيعة الصراع الدائر بين فصائل حركات التحرّر والتقدّم الوطنية العربية ضدّ الامبريالية، وعلى رأسها أميركا والصهيونية أحد أهم أذرعها في المنطقة، إلى جانب الرجعية العربية وأنظمتها المرتهنة والتابعة لها، ولذلك لا يخفى على كلّ وطني تقدمي يساري ثوري، موقع القضية الفلسطينية في الصراع الدائر على المستوى العالمي. وفي ظلّ هذا الصراع، نشهد كيف الأنظمة العربية الرجعية، تندفع وبقوة للتطبيع مع العدو الصهيوني، وتلهث وراء أميركا وصفقتها المعروفة باسم صفقة القرن، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، هذا المشهد التطبيعي، هو مؤلم، كئيب وأشدّ خطورة من وباء الكورونا، ففي حين هذا الأخير، تتراجع نسبياً شدة خطورته ويبدأ انحساره، أما وباء التطبيع، يسير تصاعدياً، وبوتائر سريعة، ليصبح التطبيع ثقافة، عبّرت عنها المسلسلات الرمضانية في الإعلام المرئي، للسعودية ودول الخليج، والدول التي تقيم علاقات دبلوماسية كمصر والأردن.
كذلك لافت للنظر، موقف القيادات الفلسطينية الرسمية والتي على رأس ما تبقّى من سلطة فلسطينية، هي أقرب إلى مجلس بلدي، وبرئاسة منظمة هي أبعد ما يكون عن التحرير ومفهومه، والتي تشكلت على أساسه. إن الشعب الفلسطيني اليوم وقبل كلّ شيء هو الآن أحوج إلى إعادة هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية، وتثوير برنامجها وميثاقها وأدوات نضالها، هي مَهمة كلّ الفصائل الفلسطينية لإعادة قراءة تجاربها في الثورة الفلسطينية، وإنتاج برنامج وطني ثوري، تلتف حوله جميعها. وتوحيد الأدوات النضالية، وصولاً إلى أرفع أشكال النضال المسلّح، لتحرير فلسطين كلّ فلسطين.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 377
`


خليل سليم