الأزمة الأميركية أعمق من بهلوانيات الرئيس البرتقالي


اعتاد العالم على مشاهد الانقلابات التي يدعمها من وراء الستار رؤساء أميركيون في دول أخرى حول العالم، لكن ما أتى جديداً هذه المرّة هو قيام الرئيس الأميركي ترامب بالتحريض على انقلاب على نتائج الانتخابات في أميركا نفسها.


81 مليون مواطن أميركي قالوا "لا" واضحة لترامب في الانتخابات الرئاسيّة، في تحالف اجتماعي واسع شمل الليبراليين واليسار والسود واللاتينيين والنساء والأقليات العرقية والجندرية، بالإضافة إلى تيار من داخل الدولة العميقة بات يرى في ترامب خطراً على صورة الولايات المتّحدة نفسها كزعيمة للإمبريالية. لم تكن 81 مليون "نعم" لمنافسه الديمقراطي "جو بايدن". كان اقتراعاً كثيفاً ضد العنصرية والفوقية والعنجهيّة والفظاظة المتمثّلين جميعاً بشخص ترامب.
مناصرو ترامب اجتاحوا جلسة الكونغرس المنعقدة للتصديق على نتائج الانتخابات، وكان يمكن للمشهد أن يكون مختلفاً لو تمكنوا من الوصول إلى النواب المجتمعين، الذين جرى إخلاؤهم من الجلسة على الفور. قد تكون آخر بهلوانيات ترامب قبل انتقاله في 20 كانون الثاني إلى مزبلة التاريخ.
لكن رغم ذهاب ترامب، فالترامبية باقية. صار ترامب زعيماً لا يمكن تجاوزه لتيار ناهض هو التيار العنصري، وهو الذي يصعد عادةً كتعبير عن اشتداد الأزمات السياسية والاقتصادية. حالة الانهيار الشامل في مواجهة الكورونا، والأزمة الاقتصادية الرأسمالية الأشمل التي لم يجر تجاوزها منذ انهيار الأسواق المالية عام 2008، والتقدّم الاقتصادي والتكنولوجي الصيني، كلّها تنذر بعلامات تقهقر الامبراطورية، ومع التقهقر تنشأ تيّارات عدوانية متطرّفة، كما صعدت النازيّة والفاشية في أوروبا إثر الحرب العالمية الأولى.
إنّها إرهاصات لتحوّلات سياسيّة لها جذور اقتصادية عميقة، ستترك آثار كبيرة على الصراع السياسي داخل أميركا، وما سيرافقها من انعكاسات موازية على المستوى الدولي.