نحو مرحلة جديدة باتت ضرورية وملّحة

منذ 17 تشرين الأول، يوم اندلاع الانتفاضة الشعبية المجيدة، وحتى اليوم، والشعب اللبناني يرى، انه لا حلَّ أمام هذا الانهيار الاقتصادي المالي، الذي يزداد عمقاً واتّساعاً، مع كلّ فجر يوم جديد، إلا بتغيير شامل للنظام الطائفي والرأسمالي الريعي، الذي أفقر ولا يزال يؤدّي إلى إفقار اللبنانيين، وإلى الجوع والبطالة والتعتيم وحوادث السلب والقتل، وظاهرة الانتحار المتكرّرة، لانعدام فرص العمل، والصرف الكيفي التعسفي، لآلاف العمال والموظفين، وإغلاق المؤسسات والشركات والمصانع لأبوابها، وصولاُ إلى إغلاق المؤسسات التربوية والصحية،

وصرف الأساتذة وتشريد الطلاب، وفقدان الأمن الصحي والغذائي والشخصي. وأصبحنا على أبواب انفجار اجتماعي كبير. فيما قوى السلطة الحاكمة تقف عاجزة عن اجتراع أي حلول سياسية أو اقتصادية جدية، للواقع الأليم الجديد، بل تحاول لملمة صفوفها وتجميع قواها، عبر مصالحات وتفاهمات جديدة، ترعاها سفيرة الولايات المتحدة الاميركية وسفير السعودية، لإعادة إنتاج السلطة وبقيادة المنظومة السياسية، التي حكمت منذ 30 سنة وقادت البلاد إلى هذا الانهيار الاقتصادي المالي الكبير.

لقاء بعبدا، الذي لم يرَ في الأزمة الاقتصادية المالية والاجتماعية، إلا بضع "موتسيكلات" أٌرسلت من منطقة إلى أخرى، بين الشياح وعين الرمانة، تبين فيما بعد هزالة المشهد المفبرك والمسرحية الفاشلة، هدفها التلويح والتهويل بأن السلم الأهلي، وليس الجوع الذي يهدّد كل اللبنانيين، كانت رسالة واضحة تقول:"إمّا أن نبقى بالسلطة وإمّا حرب اهلية"، بمعنى يكاد المريب أن يقول خذوني. لم تعد أدوات التهويل، وإعادة تكرار مفردات الحرب الأهلية السيئة الذكر، التي لا وجود لها إلا في عقول أمراء الطوائف، مثل الشياح – عين الرمانة، المتحف – البربير. يحاولون اليوم الترويج لمعزوفة جديدة، للجيل الجديد المنتفض، ألا وهو محور الطيونة - سامي الصلح. ولكنها ماتت في مهدها. أسقطها شباب وشابات وجماهير المنتفضين. الذين راكموا وعياً طبقياً، ومعرفة في قضايا الاقتصاد والمال، وفي مختلف المجالات الحياتية والمعيشية. والرد كان ولا يزال: إنهاء حالة الانقسام الطائفية، والصراع على الحصص في التعيينات والوظائف، والمناطقية وتطييف المعالجات لملفات البنى التحتية من ماء وكهرباء ونفايات ضمن منطق ليس الحفاظ على حقوق الطائفة بل تفوح منها رائحة الصفقات والحصص والفساد المالي وبالعلن ودون ما حياء. وبخاصة في التوظيف حيث يقال الآن "مقتضيات الوفاق الوطني" بدل القول صراحة، وفقاُ للتحاصص الطائفي، أو ستة وستة مكرّر.
إنّ الأمور تتطلّب تغييراً سياسياً جذرياً وفورياً يبدأ من خلال مرحلة انتقالية، تتشكّل فيها حكومة وطنية انتقالية مستقلة فعلاً وليس قولاً وادّعاء، ومن خارج المنظومة السياسية الحاكمة وكفى تحايلاً واستغباءً لعقول اللبنانيين، ولعباً بمصير الوطن. حكومة تتبنّى برنامجاً مرحلياً، للانقاذ الاقتصادي والتغيير السياسي، قائم على إصلاحات عميقة، تؤسّس لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية، ولبناء اقتصاد التقدم والتطوّر والعدالة الاجتماعية، الذي يلبّي طموحات الشباب والمتعلّمين، والنساء والطبقات العاملة والوسطى. بدلاً من اقتصاد تسيطر عليه الاحتكارات والمصارف والرساميل الكبرى، المستظلّة بنظام مذهبي تحاصصي متخلّف، نظراً لتبعيته، ورجعي كما في قانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال، لأنه لا يحقق المساواة بين الرجل والمرأة، إن في الحقوق أو الواجبات، وهذا لا يليق بلبنان الذي نطمح لبنائه ورؤيته ونحن في القرن الواحد والعشرين.
من أولويات هذه الحكومة الانتقالية، إجراء انتخابات مبكرة، وطبعاً بعد إقرار قانون للانتخابات النيابية يعتمد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي، وإن تعذّر ذلك في البرلمان، فلتعطى الحكومة صلاحيات استثنائية، تصدر مراسيم لها قوة ومفاعيل القانون. تطبيقا للدستور وخاصة المادة 22 منه، لأن أي قانون يصدر عن المجلس النيابي مخالف للدستور كما القانون الحالي للانتخابات وهو كذلك، هو باطل وما يبنى على باطل هو باطل. هذه الحكومة الانتقالية، من أولوياتها أيضاً محاربة الفساد ونظام المحاصصة الطائفية، وبجرأة وطنية تعمل على الغاء الصناديق الطائفية، التي عبرها يستفيد أمراء الطوائف وكبار معاونيهم والرأسماليين في كلّ طائفة، لتولد طغمة مالية ورأسمالية تمعن في سلب ونهب الأموال العامة.

وفي المرحلة الإنتقالية على السياسات أن تعمل على وقف شبح الانهيار النقدي، وبإحداث تغيير لمنظومة السياسات التي اتبعت في الاقتصاد اللبناني منذ عام 1992 ولا عودة لتلك المرحلة فقد انتهت، وخاصة نموذج استسهال الاستدانة، وتراكم الرأسمال الريعي الناتج عنها. والعمل على استعادة الأموال المنهوبة، وعودة الأموال المنقولة للاستثمار في قطاعات منتجة، وفي الحركة الاقتصادية للبلد ، مع استحداث نظام ضريبي جديد.
واخيراً تسعى الحكومة الانتقالية، الى تحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية، من التبعية بحيث تصبح لدينا دولة مقاومة، قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني المعادي للبنان، والمعادي لقيام الدولة المدنية العصرية فيه، ودفاعاً عن الأرض والثروات، وتأكيداً لحق الشعب اللبناني الذي أكّده عبر تاريخه في المقاومة.تعزيز قدرات الجيش وتأمين مستلزماته العسكرية كافة، والكف عن الانتظار لهبات مشروطة ومرفقة بأجندات سياسية من الخارج، والتهديد بقطعها وهي أحياناً مساعدات خردة وأصبحت خارج الخدمة في جيوش بلادها كما تفعل أميركا وفرنسا، وتأمين مقوّمات الصمود والمواجهة في القرى الحدودية.

وأخيراً، على الحكومة الانتقالية الكفّ عن ترداد مقولة النأي بالنفس الممجوجة، وهي مرادف لسياسة اللاموقف. ينبغي على الحكومة عدم النأي بالنفس، واستخدام طاقاتها السياسية والدبلوماسية في توفير الحلول للقضايا العربية، وكلّ أشكال التكامل الاقتصادي، مع الدول العربية بما يحقق التنمية والعدالة الإجتماعية، ويضمن مصالح شعوبنا العربية بالأمن والاستقرار بخاصّة في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها.