الأبعاد الحقيقية وراء لقاء البرهان – نتنياهو

قد يكون اللقاء الذي تمّ في أوغندا، بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، قد فاجأ البعض بتوقيته، أو في عقده، وبشكلٍ سري. إلّا أنّ المراقبين يجمعون على أنّه جرى في سياق الأحداث والتطوّرات والإرهاصات الأوّلية لـ"صفقة القرن" الأميركية، وفي إطارالتموضع والتطبيع، بين بلدان عربية عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص، والكيان الصهيوني. لا سيّما وأنّه اللقاء الأوّل بين مسؤول سوداني، منذ استقلال السودان عام 1956، ورئيس وزراء الكيان الغاصب.

والجدير بالذكرأنّ مكتب نتنياهو، هوالذي أعلن عن اللقاء بالقول: اتفقا على بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين البلدين. وهو إعلان واضح وصريح، في حين أكّد البرهان بعد نشر الخبر، قائلا إنّ "اللقاء هو من باب المسؤولية، عن تحقيق المصالح العليا للشعب السوداني"؟!. والمعروف وفق الدستور السوداني، أنّ العلاقات الخارجية، هي من صلاحيات ومهام مجلس الوزراء. وفي ذلك "تجاوز خطير للسلطة"، كما جاء في بيان تجمع المهنيين، أحد فصائل قوى الثورة السودانية، وكذلك فعلت قوى "الحرية والتغيير" وهي تمثل التحالف الحاكم، معتبرة اللقاء "تجاوزاً كبيراً للسلطة التنفيذية".

وبالتّالي، إنّ تطبيع العلاقات بين السودان والعدو الصهيوني لن يكون في مصلحة الشعب السوداني. لكن ممّا لا شكّ أنّ البرهان استمع لمشورة محور الدول الداعمة لصفقة القرن الأميركية، والتي تربطه علاقات جيدة بها، وخاصة السعودية ومصر، لا سيّما بعد تسريب خبرعن لسان أحد الضبّاط العسكريين السودانيين بأنّ "الإمارات العربية المتحّدة، هي التي رتّبت هذا اللقاء وبعلم كلّ من مصر والسعودية ودعمهما".

إنّ تدخل العدو الصهيوني، في شؤون السودان ليس بجديد. ودور هذا العدو، كان جليّاً، في دفع عملية انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم. وقد تمثّل بالدعم العسكري واللوجستي، من خبراء ومدربين للانفصاليين، وغزو جنوب السودان، من قبل الشركات الصهيونية، لنهب ثروات المنطقة الغنية بالنفط والفوسفات، وبالشراكة مع الامبريالية الأميركية. ولم يكتفِ المشروع الأميركي الصهيوني في السودان بذلك، بل يعمل وحتى الآن، على تقسيم وتفتيت وفصل أجزاء أخرى من السودان، على أساس عرقي وديني وإثني، ليسهّل بذلك عملية الانقضاض على الثروات الوطنية للسودان. وهذا كله يجري لمصلحة العدو الصهيوني والامبريالية الأميركية المتوحشة، وليس لمصالح الشعب السوداني، كما ادّعى البرهان.

الحركة الصهيونية ومنذ نشأتها، رفعت شعارها المعروف "من الفرات إلى النيل، أرضك يا إسرائيل". لذلك إنّ الاستيلاء واستعمار وامتلاك الأرض، من أولويات هذه الحركة الاستعمارية الاستيطانية، وكذلك جرّ مياه من النيل، إلى داخل فلسطين المحتلة. وتحقيق هذا الحلم الصهيوني، لا يتم إلّا بإقامة أنظمة محيطة بالكيان الصهيوني، تسهّل هذه المهمة، وتضمن للطغمة الحاكمة، بالمقابل تأبيد سطوتهم على السلطة، لأنّ الانظمة العربية بمعظمها تابعة اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً إلى الغرب الاستعماري. وشكّلت المؤسّسات العسكرية الضمانة لحماية هذه الأنظمة من جهة، كما شكّلت قياداتها من الضباط الكبار الاحتياط الجاهز، لتسلم السلطة، إذا ما تعرض نظام تابع، لأزمة سياسية دستورية أو اقتصادية واجتماعية من جهة أخرى.

لذلك يصبح التطبيع مع العدو الصهيوني، لازمة وضرورة للأنظمة السياسية القائمة، من أجل ديمومتها، وتصبح العلاقة عضوية وجودية بين الكيان الصهيونيال وهذه الأنظمة، وليست كما تقتضي مصالح الشعوب العليا، كما قال البرهان. ولاستجداء الإدارة الاميركية، ورفع اسم السودان من القائمة الأميركية السوداء للإرهاب، بحجة أنّ الاسلحة التي يتم تهريبها إلى الفصائل الفلسطينية، تمرّ عبر السودان، وقد سبق وأن قصفت القوات الأميركية مصنعاً في الخرطوم بحجة أنّه ينتج أسلحة كيميائية، ليتّضح في ما بعد أنّه مصنعٌ لإنتاج الأدوية.

نتنياهو بحاجة لدعاية انتخابية تساعده، بعد فشله لدورات ثلاث، والبرهان بحاجة لترسيخ سطوته العسكرية، مقابل قوى"الحرية والتغيير". إنّ الابعاد الحقيقية، وفي المحصلة العامة، جاء في إطار التموضع والتطبيع وتطبيق صفقة القرن، وتنفيذاً للإملاءات الأميركية، والمخطّط الأميركي - الصهيوني في إفريقيا السمراء.

  • العدد رقم: 374
`


خليل سليم