"لقاحات كورونا": العدالة البشرية الغائبة... | ربع سكان الأرض قد لا يتمكنون من الحصول على اللقاح!

استطاع وباء فيروس كورونا إحداث تغييرات جذرية في مختلف مجالات في العالم، حيث اصطدمت البشرية جمعاء باستحقاق وجودي خطير لم تعهده الأجيال المتعاقبة خلال القرنين الأخيرين. دخلت المجتمعات البشرية والدول في سباق ابتكار وتطوير اللقاح الطبي المناسب لتخليص العالم من فيروس كورونا ونجحت الدول الكبرى والمتميزة بقدراتها الطبية والتكنولوجية من إحداث خطوة مهمة بهذا المجال عبر مبادرات مختلفة شكلت عاملاً أساسياً في الإسراع بعملية تطوير اللقاحات، ومن أبرزها كانت المبادرة الأمريكية الداخلية بين مختلف الإدارات الصحية والشركات الطبية ومبادرة "أكتيف" الأمريكية التي ضمت العشرات من شركات الأدوية البيولوجية لتطوير اللقاحات، كما برزت مبادرة "كوفاكس" الدولية التي شكلتها منظمة الصحة العالمية.


وشكلت مبادرة "كوفاكس" العالمية مشروعاً استثمارياً التزمت بتمويله العديد من الدول المرتفعة والمتوسطة الدخل من أجل تطوير وابتكار وشراء اللقاحات المرشحة لمواجهة فيروس كورونا الأمر الذي سيوفر بحسب مسؤولي هذه المبادرة قدراً من العدالة في استلام جزءاً من اللقاحات عند توفرها. وأبرز اللقاحات التي تمّ الإعلان عنها هي "فايزر" و"موديرنا" الأمريكي و"سبوتنيك في" الروسي، و"بيونتيك" الألماني بالإضافة إلى لقاح "أسترازينكا" البريطاني و"سينوفارم" الصيني.
لكن مع ظهور اللقاحات المختلفة اصطدم العالم بأزمات جديدة، الأولى تتعلق بكيفية اختيار اللقاح الأمثل والأنسب بتكوينه للإنسان، أما الأزمة الثانية فتتمثل بعملية توزيع اللقاحات بين الدول والشعوب والتي أظهرت ثغرة كبيرة في عدالة التوزيع العالمي. وبهذا الصدد، كشفت البيانات المتاحة عن التعاقدات المرتبطة بمبادرة "كوفاكس" أن هناك نحو 9.6 مليارات جرعة من اللقاحات محجوزة منها 7.2 مليارات جرعة بيعت وبقي نحو 2.4 مليار جرعة أخرى يتم التفاوض على بيعها وهي وضعت لصفقات مستقبلية.
كما يتضح من خلال البيانات أن أكثر التعاقدات تمتلكها الدول ذات الدخل المرتفع(الدول الغنية) أي نحو 3.9 مليارات جرعة مؤكدة، في مقابل مليار جرعة حصلت عليها الدول ذات الشريحة الأعلى من الدخل المتوسط، وتأمين أكثر من 1.6 مليار جرعة للدول في الشريحة الأدنى من الدخل المتوسط. بينما لا توجد أي دلائل على عقد صفقات مباشرة من جانب الدول منخفضة الدخل والفقيرة، مما يشير إلى اعتمادها الكامل في تغطية حاجة سكانها على مبادرة "كوفاكس". كما لجأت بعض الدول إلى اعتماد استراتيجيات أخرى للوصول إلى مقدمة قائمة الانتظار لالتزامات السوق المسبقة، حيث نجحت الدول ذات القدرة التصنيعية، مثل الهند والبرازيل، في التفاوض بشأن التزامات السوق المتقدمة الكبيرة مع المرشحين الرائدين للقاحات كجزء من اتفاقيات التصنيع. كما عملت بعض الدول الأخرى على تقديم بنيتها التحتية في سبيل الحصول على كميات من اللقاح المستقبلي. أما أبرز الدول التي تقع في دائرة الخطر هي الدول ذات الدخل المنخفض والتي يبلغ عددها بحسب البيانات الرسمية نحو 70 دولة وستكون قادرة فقط على تطعيم مواطن واحد من كل عشرة مواطنين.


عدالة توزيع اللقاحات بين الفقراء والأغنياء
أعلن الاتحاد العالمي للقاحات والمناعة أنه تمكن من جمع أكثر من ملياري دولار أمريكي لشراء مليار جرعة لقاح ضد فيروس كورونا المستجد لـ92 دولة ذات دخل منخفض أو متوسط لديها الحق باستلام الدعم في إطار مبادرة "كوفاكس"، مشيرا أن هذا العدد من اللقاحات يهدف فقط لايقاف مد الوباء والدول الفقيرة بحاجة إلى 5 مليارات جرعة إضافية على الأقل حتى نهاية 2021 من أجل ضمان التوزيع العادل لأولئك الذين بحاجة إليها.
وفي وقت بدأت الدول الغنية والكبرى بعمليات التلقيح الواسعة لشعوبها آملة بالتخلص من هذا الوباء خلال الأشهر المقبلة، تحاول الدول الفقيرة استيعاب الإصابات والمرضى في مستشفياتها غير الجاهزة وبالتالي باتت بعيدة جدا عن هدف التخلص من الوباء مقارنة بالدول المتقدمة.
ويرى خبراء أن فرص تقاسم جرعات اللقاحات بشكل عادل بين الدول الفقيرة بدأت بالتلاشي خاصة مع محدودية الكميات، فإن الدول المتقدمة التي ساهمت في التوصل إلى هذه اللقاحات بتمويلها للأبحاث، من أموال دافعي الضرائب، باتت تتعرض لضغوطات كبيرة لحماية سكانها من خلال شراء اللقاحات ما يشكّل تهديداً لحياة شعوب دول العالم الثالث.
وفي السياق نفسه، اعتبر الخبراء أن عدم المساواة في الحصول على اللقاحات هو نتيجة متوقعة لنظام صحيّ عالميّ يعمل حساباً للمال أكثر من الاهتمام بسلامة البشر، حيث ينظر النظام إلى اللقاحات على أنها منتجات تجارية طورتها حفنة من شركات الأدوية العملاقة وسجلت حقوق الاختراع الخاصة بها باسمها.
وأدّت الفجوة بين إنتاج اللقاحات وبين الحصول عليها، إلى انطلاق دعوات لاتخاذ إجراءات طارئة تسمح للدول الفقيرة بأن تقوم بتصنيع واستيراد أنواع من اللقاح، ليس لها حقوق ملكية فكرية.
كما تسود مخاوف من أن تحصل طبقة الأغنياء في الدول الفقيرة على اللقاح عبر طرقها الخاصة ومن السوق السوداء، مقابل مبالغ كبيرة، ورغم أن سعي الأغنياء في دول متقدمة للحصول على اللقاح أولا لم يجد نفعا، فإنه لايستبعد في العديد من الدول العربية، حيث يسود تشكك لدى قطاع كبير من أن تسود المحسوبية والتمييزعملية التلقيح ضد كورونا.
وبحسب التقارير الطبية الصادرة من الولايات المتحدة والصين أن ما يقارب من ربع سكان الأرض قد لا يتمكنون من الحصول على لقاح ضد فيروس كورونا ويعود ذلك لأسباب عدة أبرزها القدرة الإنتاجية المحدودة، والصعوبات اللوجستية، ونقص الأموال لشراء اللقاحات في البلدان الفقيرة.
انطلاق عمليات التلقيح في العالم
أطلقت دول العالم حملات التلقيح لشعوبها وشملت بحسب المصادر الإعلامية نحو 60 دولة تضم 61 في المائة من مجموع سكان العالم، مع مفارقة استثتائية وهي أن 11 دولة تستحوذ على 90 في المائة من الجرعات التي تم توزيعها. هذا الأمر أثار امتعاضاً كبيراً من منظمة الصحة العالمية التي حذّرت من أن العالم سيواجه إخفاقاً أخلاقياً كارثياً إذا استأثرت الدول الغنية باللقاحات على حساب الدول الأكثر فقراً.
وباشرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا حملات التلقيح ضد فيروس كورونا بشكل موسع استطاعت خلال أسبوع من توزيع أكثر من 40 مليون جرعة بالرغم من استمرار تصاعد الإصابات فيها. كما أطلقت روسيا حملة تلقيح واسعة في البلاد في بداية السنة الجديدة حيث بلغ عدد المواطنين الذين تلقوا اللقاح أكثر من مليوني مواطن خلال الأسبوع الأول.
أمّا الولايات المتحدة فقد بدأت حملة التطعيم في البلاد في 4 يناير / كانون الثاني الماضي، حيث تمّ توزيع حوالي 15.4 مليون جرعة لقاح على 4.56 مليون شخصا في مختلف الولايات، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض. واستطاع الكيان الصهيوني من التقدم على الكثير من الدول، حيث حصل نحو 1.5 مليون شخص على لقاح كورونا، وهو ما يعادل 15 % من عدد السكان البالغ عددهم 9 مليون نسمة.
وباشرت البرازيل، إحدى الدول التي تسجل أعلى حصيلة وفيات جراء الوباء بلغت 210 آلاف وفاة، بحملة التلقيح قبل يومين من الموعد المحدد، وذلك بسبب ضغط حكام الولايات. وقررت الهند المباشرة بحملة التلقيح التي تهدف توزيعه على 300 مليون شخص مع استعدادات مستمرة لتلقيح نحو مليون شخص يوميا.
أما دول آسيا والمحيط الهادئ فهناك احتمال بالحصول على اللقاحات خلال أوائل عام 2021، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية التي اعتبرت أن أن الوصول المبكر للقاحات ضد كورونا ليس مضمونا بعد.
عمليات التلقيح في العالم العربي...ثلاث فئات
ساهمت عملية التلقيح ضد فيروس كورونا بتقسيم العالم العربي إلى فئات مختلفة نظراً لإمكانيات الدول المختلفة حيث شملت الفئة الأولى الدول التي بدأت بعمليات التلقيح ومنها السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ودول استطاعت تأمين الدفعة الأولى من جرعات اللقاح ومنها قطر ومصر والسودان وفلسطين المحتلة، وأخرى أعلنت أنها ستحصل على الشحنة الأولى من اللقاح في الأشهر القليلة المقبلة كلبنان والجزائر والأردن، بالإضافة إلى دول عربية تعاني من مصاعب في تأمين الحد الأدنى من اللقاحات بسبب عدم وجود الأموال.
ملاحظة: انّ تعداد الاشخاص الذين تلّقوا لقاح الكورونا الواردة في هذا المقال هو لغاية يوم الاحد في 24 كانون الثاني 2021، والمعلوم أن يوماً بعد يوم تتضاعف أعداد الاشخاص آخذي اللقاحات وتتوسع لائحة البلدان أيضاً.