في وداع نايفة درويش

مناضلة من الرعيل الأكثر التصاقاً بالقضايا الوطنية، بالأرض والناس، شيوعية خطّت بوعيها، بيديها فعل الإرادة. من مكانها الاجتماعي .. بينما التسلّط يغلب على وجع الفلاحين والعمّال، بينما البوصلة فلسطين، والدروب ذات الأسلاك الشائكة صعبة وطويلة .. في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

لا تعيق الحدود المصطنعة فدائيي الأرض. والرفيقة نايفة من هاتي الجِبّلةِ، لا تنبت في غير مكانٍ وزمان، تفتح كتب النضال أزمنة الضوء والمجد والفداء. تلتهب المشاعر والأحاسيس، يستوفز القهر الأيادي والمعاول. الجهات الأربع تصقلها طبيعة العزائم، القدرة على تحقيق حلم "وطن حرّ وشعب سعيد"..
أم عدنان، المرأة الإيجابية، لا تختصرها الكلمات، لها لحظتها الهائلة الوجودية، العاملية الأممية المتجذّرة الأرض والأهل والواجب. قيل عنها الكثير، صاحبة الكاريزما العالية، والحجج المفنّدة كموسوعةٍ مكتملة الاندفاعة الولّادة الخلّاقة. هناك، من بيتها في قرية عيناثا، في بيروت، جامعة الرفيقات والرفاق، سلسلة تطول، تشدّ عزيمة الأبناء .. أبناؤها الرفاق الأطباء، بهدوءٍ كخلية النحل من مكانٍ إلى آخر .. نصرةً وبلسمةَ الجراح. والحديث يطول، والمواقف رجال.
اللقاء بأم عدنان غاية في المتعة، الحفاوة الفطرية العفوية، خزين كوّاراتها .. تفتح عليها بطريقتها الخاصة المعتادة، كأنّا بها وقد قبضت على قرنيْ الفتنة، لكنها ترمي بنفسها أمام الأخطار، ليس لها أن تتراجع قيد أنملة في الرأي الصواب والمسافة، تبدو ثابتة اليقين .. هاك، عاشت آخر أيامها كما بدايتها، وعيها عنوان الاتّزان، وإن غلبَ الجسدَ المرض، فإنّ أم عدنان لم تترك ساحتها أو تُسلّم، وهو إيمانها الإنساني.
أم عدنان، عميقة الإلتزام، ضربت في الوطن .. كاسرةً، حاطمةَ التصنّم، مناضلة لاسقاط النظام الطائفي المقيت المانع لإنسانٍ سليم العقل والفعل، لذا، الجسم في العقل السليم. لم تهادن على حقٍّ ولو كان قشةً يابسة. في مختلف المراحل كانت، ذات شكيمةٍ واستعدادٍ لأيِّ عملٍ ودورِ ومَهمّة. أرادت، فعلت، أثبتت جدارتها الفريدة. فرادة قلًّ لها نظير.
اليوم، في الأسبوع الفائت، فارقتنا صاحبة الإرث الوطني. يقام لها في قريتها عيناثا ذكرى اسبوعها، احتفال تستحقه بجدارة الوفاء والإشادة بمواقفها المُشِرِفة على مدار سني وقفاتها وعطائها .. هي هكذا الرفيقة أم عدنان. لا تتأخر أبداً عن واجبها والتزامها. كم من المرّات هزمت الموت، كبُرَتْ بجدارة نهلها، وتشرّبها لمعاني الإقدام وتحدّي أوامر المكتب الثاني، والسلطة المتمثّلة بعسكرها. أم عدنان الرفيقة الإنسانة الطموحة المبدعة، ذات الصولات والجولات، تستحق منّا جميعا تحية إجلال وإكبار ، تحية حزبها، الحزب الشيوعي، لم تُبدّل، تظلّ كنجمة الصبح وقّادة، يعزّ علينا أن نفقدها في الزمن الصعب. والمسافة إلى عيناثا، صبيحة الأحد المقبل احتفاءً ببطولاتها الرائدة، الباقية فينا كجبلٍ على رأسه نار.
نعزّيكم .. ونحن من أهل العزاء. لروحها المجد والسلام ..