لتثوير الحركة الطلابية

إن الحركة الطلابية بوصفها حركة تتأثر وتؤثر في واقع الصراع الطبقي، بمعنى أنها إما أن تصطفّ وراء قوى التغيير الاجتماعي فتكون بذلك في صفّ القوى المحطّمة للمجتمع القائم والمحرّكة للتاريخ أو أن تصطّف وراء القوى المكبّلة له والمؤبّدة لواقع الاستغلال والاضطهاد.

   كلّ ذلك يبقى رهين موازين القوى السياسية ومدى تأثير القوى الثورية في حركة الصراع، ويعود ذلك لكونها ليست بطبقة مستقلة بذاتها، بل متكوّنة من عناصر ينحدرون من أسر ذات انتماء طبقي مختلف، فمنها أبناء كبار الملاكين والبرجوازية العميلة، ومنها أيضاً أبناء العمّال والفلاحين الفقراء وصغار الفلاحين وسائر الكادحين.

بحكم طابع اللاتجانس الطبقي الذي يطغى عليها، يشقّها خطان متناقضان: الخطّ الثوري والخطّ الرجعي والانتهازي: الأول يسعى لتنظيم وتأطير وقيادة نضال الطلبة وربطه بالنضال الطبقي والوطني، والثاني يسعى إلى تدجينها وتركيعها وحصر نضالها في المطلبية الضيقة.

لا يمكن تحديد المهمّة العامة للحركة الطلابية دون معرفة موقعها من عملية الصراع، أي مدى معرفة المهام الملقاة على عاتق الحركة الثورية داخلها، فمهمتها الأساسية والرئيسية، والتي يمكن تفكيكها إلى مهام أخرى على جميع المستويات النقابي والسياسي والثقافي، تتلخّص في ربط النضال الطلابي بجميع جبهاته بالنضال الطبقي والوطني، بمعنى أن تكون الحركة الطلابية فصيلاً من فصائل الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي التي ستنسف علاقات الإنتاج القائمة وتفكّ الارتباط بالإمبريالية العالمية.

بعد إنتفاضة 17 أكتوبر مثلاً، والتي رفعت شعارات عبّرت على واقع مأساة الجماهير الشعبية جرّاء سياسات النظام اللاوطنية واللاشعبية، انتهت إلى أفق سياسي ترجم بالمطالبة بإسقاط النظام، في المقابل بحث النظام عن سبل للدفاع عن نفسه ومواجهة الفئات الشعبية.

في الجهة المقابلة، لم تكن القوى الثورية غير جاهزة في ذاك الوقت وحتى هذه الساعة لتأطير وتنظيم حركة الجماهير وحمايتها من النظام وخططه ومناوراته من جهة، وفي بناء النواة الأولى لمنظمة الثوريين القادرة على إنجاز ذلك من جهة أخرى، وهو ما انعكس سلباً على الحركة الطلابية رغم حالة المدّ التي عاشتها في تلك الفترة وانخراطها الفعال في الانتفاضة.

بالإضافة، فإن الطلبة مجموعة مقهورة، فعدم الأمان للمستقبل مضافًا إليه عزلتهم في الجامعة، وعلى الرغم من أن النظام في الجامعات أقل صرامة من المدارسة، إلا أنهم بعيدين كل البعد عن القرارات التي تتعلق بتحديد المناهج ومواعيد المحاضرات وأسعار الكتب وغيرها، والنتيجة هي الاغتراب العام. وهذا ينطبق بشكل تام في جامعاتنا البنانية ، فالطلاب هنا لديهم حالة إعتراض كبيرة تجاه المناهج التي لا ترتبط إطلاقًا بحياتهم، ويعانون أيضًا من هذا بجانب طبعًا غلاء أسعار الكتب. وهم يواجهون أيضًا خصخصة التعليم والتي تتمثل في الانتساب الموجه والمعاهد الخاصة، بالإضافة إلى التناقضات التي يواجهوها بين ما تزعمه الدولة من ديمقراطية وما يرونه في الواقع من انتخابات طلابية مزورة، وحرمان أعداد هائلة من الطلبة من ترشيح أنفسهم بسبب "سلوكهم"، الذي يكون دائمًا سلوكًا سياسيًا لا يرضي السلطة. كل هذا القهر الواقع على الطلبة بخلق حالة قصوى من الاغتراب الذي يأخذ أشكالاً سلبية أحيانًا، وأحيانًا أخرى ينفجر في شكل حركات مفاجئة تواجه السلطة في الجامعة والمجتمع ككل. 

وتصعد الحركة الطلابية بشكل سريع بسبب عدم وجود جذور للطلبة في عملية الإنتاج، فهم ليسوا مرتبطين بالمكان طوال اليوم، ولديهم فراغ فكري، هذا بالإضافة إلى قدرتهم أكثر من سواهم على التفاعل مع الأفكار المختلفة. كل هذا يتيح لهم فرصة أسهل على التقابل والحركة أكثر من العمال، فتستطيع الأقلية الثائرة من الطلبة التحرك دون مواجهة رفض من الأغلبية، مثل ما يواجه العمال نتيجة مسؤولياتهم وخوفهم من فقدان الوظيفة. ولكن انعدام الجذور هذا هو نفسه ما يجعل الحركة تهبط سريعًا عندما تصل إلى ذروتها. لأن ليس للطلبة قوة العمال عندما يضربون ـ قدرتهم على ضرب مصدر ربح أصحاب الأعمال. ولا يمكن للطلبة أيضًا بناء تنظيمات قوية لعدم قدرتهم على فرض ضغوط على السلطة فالحركات الطلابية مثلما تصعد سريعًا تهبط أيضًا سريعًا. 

وهي بسرعة نموها يمكنها أن تضع السلطة موضع الدفاع، ويمكنها أن تدفعها لتقديم تنازلات لمحاولة إعادة السيطرة الأيديولوجية على جماهير الطلاب، ولكنها ليس لهذه الحركات القدرة على إنجاز تغيير حقيقي مدمر للنظام الرأسمالي. فالطلبة لا يمثلون تهديدًا حقيقيًا للنظام الرأسمالي إلا عندما يتلاحمون مع الطبقة العاملة مثلما حدث في فرنسا 1968. 

ولكن صعود الحركة الطلابية في حد ذاتها له أثرين هامين: أولاً يجعل جماهير الطلاب تتساءل في أشياء كانت تعتبر في ما قبل مسلمات، وهذا يزعزع المكانة الأيديولوجية للرأسمالية عند هذا القطاع وقطاعات أخرى من المجتمع، وبذلك يدفع أجزاء من الطلاب والمثقفين إلى أخذ مواقع معادية للسلطة للرأسمالية. أي أن هذه القطاعات من الطلبة والعمل يأخذون جانب الطبقة العاملة في الصراع الطبقي، ويمثلون أعداد تكسبها الأحزاب الاشتراكية.
ثانيًا، وهو الأثر الأكثر أهمية بالقطع هو اكتساب الثقة الذي يحدث للعمال، فعندما ينظرون الى نجاح الطلاب في الحصول على مكاسب تزيد ثقتهم بقوتهم، والتي تكون أحيانًا أكثر أهمية من الوعي، هذا لا يعني أن العمال غير مدركين أن النظام عفن وأنهم مستغلون، لكنهم يكونوا فاقدين الإيمان بقوتهم وقدرتهم الجماعية على تغيير النظام الرأسمالي. أي أن التحرك الطلابي كثيرًا ما يتسبب في صعود حركات عمالية تستطيع توجيه تهديد حقيقي للرأسمالية. 

وأخيرًا، يجب أن نقول أنه في ظل هذه الأزمة التي يشهدها البلد اليوم، والتي تزداد عمقًا كل يوم. فيمكن أن نتوقع حدوث صعود  في الهبات الجماهيرية والطلابية والعمالية في المستقبل القريب. فإننا وحتى الآن نرى العديد من الاحتجاجات. كل هذه الإضرابات والاحتجاجات وغيرها لا تعبر إلا عن وقوف قطاعات كثيرة من المجتمع من عمال وطلبة وغيرهم في مواجهة محاولات الرأسمالية، نتيجة لزيادة حدة الأزمة، بعض المكاسب التي انتزعوها في الماضي. 

إن هناك إمكانيات حقيقية لصعود حركات طلابية في المستقبل القريب، ولكننا يجب أن نتذكر دائمًا أن هذه الحركة ستكون ضعيفة الأثر إن لم تلتحم بالطبقة العاملة، فالعمال هم الوحيدون القادرون على تهديد المجتمع الرأسمالي وتغييره