تطبيع مع العدو وتطبيل للانتداب

تحلّ ذكرى انطلاقة "جمّول" هذا العام بالتزامن مع انكشاف الأقنعة على امتداد المنطقة، خاصةً مع هرولة دول الخليج العربي وتتقدمها الإمارات إلى إعلان اتفاقيات سلام–استسلام برعاية أميركية مع العدو الصهيوني، بعدما كانت تلك العملية تتمّ لسنوات تحت جنح الظلام. وفود ذاهبة ووفود عائدة، وتحضيرات لإسقاط ورقة التين نهائياً عن أنظمة كرتونية، حكّامها نواطير على آبار نفطية، ليس إلّا خدمة انتخابية لتعويم ترامب كقائد قادر على عقد اتفاقات ومصالحات، لتحسين صورته المتداعية في الداخل الأميركي، على أمل انتزاع فوز جديد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. خيانة لفلسطين ولشعوبنا العربية، يريدونها أن تكون مساهمة إضافية في مشروع التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، لكن خسئوا.

 

أمّا في لبنان، فالوضع ليس بأفضل. تقاطر زعماء القوى السياسية الحاكمة لحجز مواقع لهم على طاولة الانتداب الجديد العائد مع ماكرون. قوى السيادة والحياد كما قوى الممانعة، نزعوا عنهم أثواب الحياد وخفّضوا صوت مذياع حياد لبنان، وخفتت ممانعتهم للغرب ولمندوبي أميركا الفرنسيون. تنافسوا في تقديم الإيجابية للمندوب السامي الذي لا يجد نفسه قادراً على الإقناع في بلاده، فيأتي إلى بلادنا ليقدموا له طقوس الطاعة. بوارج في المرفأ وعسكر وأجهزة على الأرض وطائرات في السماء، وضحكات تعلو في قصر الصنوبر، مطبلةً للانتداب الفرنسي الجديد على وقع المفاوضات الأميركية الإيرانية الطويلة.

 

لم يتنازل أي منهم لشعبه الثائر منذ 17 تشرين، لم يقدّم أي منهم مشروعاً اقتصادياً يتخطى عموميات دروس اقتصاد الثانوية العامة. لم يخبرنا أحدٌ منهم بعد كيف سيقوم بإخراج اللبنانيين من مستنقع الأوساخ الذي أغرقوهم فيه. أزمة نظام عميقة وشاملة ووجودية مقابل قيادة سياسية عاجزة وفاشلة وفاسدة وتابعة. الحلول لم تعد تقنية أو جزئية أو مطلبية أو إصلاحية. حان وقت وأد النظام العفن نحو رحاب التقدّم والتحرّر والعلمانيّة وإعادة توزيع الثروة وتحميل الخسائر لمن راكم الأرباح على يد قوى التغيير الجذريّ التي طرحت حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية من خارج المنظومة الحاكمة لتحقيق هذه الأهداف، وإلّا، فعلى لبنان السلام.