قراءة في أبرز الأحداث الاقتصادية عام ٢٠٢٢


حمدان: الحاجة ماسة لرص صفوق المعترضين بوجه سلطة تسببت بالانهيار.

يغلق العام ٢٠٢٢ فمه على بطون الجائعين ويزيد من مأساة الناس وبخاصة منهم الفقراء وذلك في ظل في حماية ورعاية سلطة سياسية مالية احتكارية تتلذذ بأوجاع الناس وبكائهم حتى صح نعتها، كلها، بالماسوشية.

فيما يلي مقابلة اجرتها اذاعة "صوت الشعب" لنشرتيها الانجليزية والفرنسية الاسبوعية ومجلة "النداء" مع الباحث الاقتصادي الدكتور كمال حمدان يطل في خلالها على أبرز الاحداث الاقتصادية التي طبعت العام الماضي ورؤيته لتلك الأحداث وتداعياتها وسبل معالجتها.
يمهد حمدان حديثه بالاشارة لإستمرار انكار الطبقة السياسية واركانها الاساسية وتركها البلد يخضع لمعادلة السقوط الحر، وحصر المعالجات بتعاميم يصدرها حاكم مصرف لبنان الذي يتولى وينظّم باسم هذه الطبقة عملية شراء الوقت.
ويضيف: إن المؤشرات "الماكرواقتصادية" كلها الى تراجع، واهمها ما حسم مؤخرًا من ان الناتج المحلي القائم استمر بالانخفاض عام ٢٠٢٢ وإذ انه تجاوز، بحسب البنك الدولي، نسبة الخمسة بالمئة، مما يجعلنا في نهاية ٢٠٢٢ مع ناتج محلي لا يتجاوز ٤٥ أو ٥٠ بالمائة من ناتج سنة ٢٠١٨.
يجزم حمدان بأن الادعاءات بان هناك اصلاحات يجري تنفيذها تحت ضغط عوامل مختلفة واهمها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قد انتهت جميعها الى فشل كبير؛ فإما ان القوانين المعنية بهذه الاصلاحات قد أُسدل الستار عنها راهنًا كما هو حال مشروع الرقابة على التحويلات المالية (كابيتال كونتروال) أو جرى تلغيمها من الداخل كما قانون السرية المصرفية وقانون مكافحة الاحتكار، هذا مع مع تأجيل مشاريع قوانين الى سنوات، - بالرغم من أن الحاجة الماسّة دائمة لحسمها لأنها عصب اساسي في تمكين لبنان من استعادة عافيته الاقتصادية - والمعني فيها هو أساسا مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف التي تشير آخر المعلومات الى وضعه ضمن ضمن جدول زمني يكاد يصل الى خمس سنوات فيما الحاجة الملحة تقتضي البت به بسرعة تتناسب مع خطورة الوضع في البلاد، ثم ان مشاريع القوانين هذه، ما وقِّع وما لم يوقّع أو أُجل أو لم يؤجل، كلها تصطدم بمشكلتين كبيرتين الاولى:
اولا: تحتاج الى مراسيم تنظيمية حيث يكمن الشيطان بتفاصيلها، فبدونها لا امكانية فعلية على وضع تلك القوانين موضع التتفيذ.
ثانيا: تحتاج ايضًا الى مؤسسات عامة التي تنطبق على وضعها الراهن مقولة "حدث ولا حرج"؛ فهي في حالة تشظي وشلّل وانهيار لا سابق له.
وفي هذا السياق يلفت حمدان الى أن المصارف ممعنة، بالتفاهم الضمني مع مصرف لبنان وبالتواطؤ مع كلّ اركان النظام، في تحميل خسائر الانهيار الاقتصادي والمالي على اكتاف عموم اللبنانيين، وهي تقاوم بشكل شرس اي محاولة لتوزيع هذه الخسائر بالتسلسل بدءًا من البنك المركزي والمصارف والدولة وكما حصل في تجارب بلدان اخرى عانت من انهيارات مماثلة، ووصولا الى أبعد من ذلك، ما يمكن ان يطال كبار ومتوسطي المودعين الذين هرّبوا ودائعهم الى الخارج منذ الهندسات المالية عام 2016. ويشير الى أن بروز محاولة لإعتماد هذا التسلسل في توزيع الخسائر كانت قد برزت في مشروع رئيس الحكومة السابق حسان دياب، في هذا الاتجاه ولكنها سرعان ما اجهضت في مهدها من قبل مجلس النواب وبخاصة من قبل رئاسة المجلس... ويضيف: إن مشروع هيكلة المصارف مؤجل، فان الاتجاه نحو المضيّ في تذويب ودائع الناس من خلال بدعة "اللولار" التي تعتبر بمثابة جريمة العصر تتمّ بالتغاضي والتكافل والتضامن ما بين اطراف السلطة السياسية والسلطة المالية وكبار الاحتكارات مع مسؤولية كبيرة لمصرف لبنان.
وحول توقعاته للسنة الحالية يعتقد حمدان باستمرار تدهور سعر العملة كنتيجة لاستمرار زيادة سعر الدولار، وهذا يعني استمرار زيادة معدلات التضخم التي بلغت سنة ٢٠٢٢ اكثر من ١٤٠ بالمائة، ومع ارتفاع سعر الدولار تجاه الليرة سوف يرتفع سعر دولار صيرفة الذي زاد في خلال اسبوعين من من ٣٢ الفا ل.ل الى ٣٨ ألفا، مع العلم أنه ترتبط بهذا السعر اسعار ورسوم العديد من السلع والخدمات العامة، ومن ضمنها رسوم الهاتف والكهرباء الخ ....، وبالتالي حتمًا هناك آثار تراكمية على اوضاع الناس ستظهر تباعًا كنتيجة لارتباط الرسوم على الخدمات والسلع الاساسية بسعر صيرفة.
كما توقع الدكتور حمدان استمرار تفاقم البطالة،؛ لأن كل محددات النمو تبدو معطّلة ومحايدة أو شبه مجمدة، وستستمر عمليات المقاصة الجارية لإحلال اليد العاملة المهنية الرخيصة وغير المدربة، - سواء من اللبنانيين أو خصوصا غير اللبنانيين وتحديدا السوريين - وتثبيت تدريجي لهذا النمط من العمالة المرتبطة مكان الخبرات باليد اللبنانية المتوسطة والعالية التأهيل العاملة المهنية التي يتجه معظمها نحو الهجرة للخارج، وهذه معضلة كبيرة جدا لارتباطها بمصالح الناس واستقرارهم ونسيجهم الاجتماعي، ولذلك فإن هذه القضية ستكون هذه السنة واحدة من أمّ المشاكل.
وعن الادارة العامة يقول حمدان سوف يستمر تلاشيها وتقهقرها مع استمرار خضوع وإخضاع الدولة لسيطرة المنظومة السياسية والطائفية الحاكمة، هذه الطبقة السياسية واستمرار ولاءاتها الزبائنية وتحاصصها للمصالح والمؤسسات العامة، وبموازاة عدم اعترافها بمسؤوليتها عن الازمة سنشهد المزيد من عدم الانتظام والتردي في عمل هذه الادارة العامة، التي سوف تنتهي الى شلل جزئي أو كلي في عمل كثير من المؤسسات العامة الاساسية كالقضاء والجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي ووزارات الصحة والمال وغيرها، أو ما يرتبط بها من انظمة وظائف عامة وغيرها.
وحول الواقع الاجتماعي وتداعياته وتردداته المحتملة على جميع الصعد فإن التشظيات الاجتماعية ستكون هائلة؛ إذ نحن نشهد تفككًا كارثيًا في نظم الحماية الاجتماعية، لا سيما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيره من نظم التأمينات العامة وشبه العامة. كما ونشهد ايضا ضمورًا استثنائيًا في الطبقة الوسطى التي تنهار اجزاء كبيرة منها نحو الاسفل وجزء لا يستهان به يذهب للهجرة، فيما تتعاظم أزمة العمل المأجور وتزداد الفئات التي تعيش على تخوم ظاهرة الحرمان أو تحت خطوط الفقر العليا والدنيا، وسط ارتفاع قياسي في خط الفقر ناهيك عن ازدياد اعداد الفقراء. بمعناهم الثنائي الفقر الاعلى والفقر الادنى، ويتابع: ان ما نشهده هو اعادة تشكيل البنية الاجتماعية باتجاه هجين وضعيف ومهيأ بشكل دائم لإنتاج الازمات وربما العنف وعدم الاستقرار وتشكيل دافع اساسي لإستمرار الهجرة التي يمكن ان تأخذ اشكالًا جماعية اذا استمرت كل هذه التطورات في الاتجاهات التي تحدثنا عنها.
وينهي الباحث الاقتصادي الدكتور كمال حمدان حديثه لنشرتي "صوت الشعب" باللغتين الفرنسية والانجليزية، ومجلة النداء، بأن هناك حاجة ماسة الى اجراء تغيير سياسي جذري في بنية النظام؛ فلا يمكن لمن تسبب بما نحن فيه الآن من أزمات ان يتولى هو نفسه هندسة الحلول والمعالجات. ومن غير الممكن عبر التوافقات الزبائنية والتحاصصية واستخدام الشحن الطائفي ايجاد حلول لحجم ونوع المشاكل التي تعصف بالبلاد، واستطرادًا، هناك حاجة ضرورية لعمل سياسي يجمع ويرص صفوف كل الفئات المتضررة والمعترضة، حول مشروع حقيقي للتغيير وبناء الدولة العلمانية، دولة العدالة الاجتماعية، على انقاض الدولة الطائفية التي لم تنتج على امتداد مئة سنة الا الازمات والفقر والقلق المستدام وتعميق الخلل المتعاظم في توزيع الدخل وتهجير الناس وكل هذه الموبقات مرتبطة دائما بالسمات السياسية الطائفية للنظام السياسي وللدولة الطائفية.