الثامن من آذار يومهنّ... شهيدات ومناضلات وأمهات اخترن نهج المقاومة والتحرير

 

الثامن من آذار "يوم المرأة العالمي" كما هو معروف، ولكن من أفضل وأحق منهنّ بهذا اللقب الذي ما وجد إلّا لأمثالهن.
هن أنرن الطريق لنمشي نحن، ونزعن الأشواك لتنبت الورود. هنّ قمنّ بمنحنا العيش في كنف أرض لا يُدّنسها الاحتلال، هنّ مناضلات نقابيات، وبطلات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، هنّ بطلات شيوعيات وأمهات مناضلات اقتنعن بضرورة تحرير الأرض والإنسان معاً...

أن نذكرهنّ اليوم، لا يعني أنهن غائبات، فتيات ونساء من هذا الوطن، وقفن في وجه ظلم السلطة واستبداد أصحاب العمل... ومنهن رفيقات نهضن من ليل الاحتلال، ليضئن بأجسادهن المتفجّرة ظلمة الأرض. إنهن فتيات اخترن النضال والمقاومة عريساً. هن أمهات مقاومات ومناضلات، أجمل الأمهات اللواتي ربينّ أبناءهن على المبادئ الوطنية.

نساءٌ تجرّأن فصنعن أسطورة الأرض والوطن، نتذكّرهن اليوم لنقول لهن أنهن يولدن كلّ يوم، وأن قصص بطولاتهن ونضالاتهن لم تغب يوماً عن أذهاننا وضمائرنا، وإن غابت عن ساحات الإعلام التي غصّت بساحتيْ تقسيم الوطن.

نستذكرهن، لنقول لهن أن التاريخ يحفر في الذاكرة، وبطولاتكن أنارت لنا طريق الحرية، التي حملت شعلته الأولى عاملة الريجي (التبغ) شهيدة الحركة النقابية والعمالية الرفيقة وردة بطرس، التي واجهت أزلام السلطة بحزم وإصرار وتشجيع زملائها وزميلاتها على مواصلة الإضراب حتى استشهادها بإطلاق القوى الأمنية النار على المتظاهرين من عمّال وموظّفي شركة الريجي (التبغ) خلال تنفيذ موجة من الإضرابات العمالية عام 1946 مع قطاعات أخرى تحت شعارات زيادة الأجور والتعويضات العائلية، وحماية الحريات النقابية... بعدها استمر إضراب "الريجي" مدة شهر واستطاع العمال تحقيق الكثير من مطالبهم.

وعلى نفس الدرب، سقطت عاملة معمل "غندور" الرفيقة فاطمة خواجة شهيدة بتاريخ 11 تشرين الثاني من العام 1972، أثناء هجوم عناصر القوى الأمنية على عمال معامل غندور للبسكويت لمواصلتهم إضراباً منذ 3 تشرين الثاني من العام 1972، طلباً لزيادة أجورهم وتحسين ظروف عملهم وحماية الحريات النقابية.

 

مناضلات "جمول"...
وفي مقاومة العدو الصهيوني، امتشقت الرفيقات السلاح دفاعاً عن الأرض والشعب. من منّا لا يتذكّر فتاة الجنوب، أولى شهيدات الحزب الشيوعي اللبناني، ابنة بلدة الزرارية "يسار مروة"، مواليد 1961، شاركت في العديد من عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وسقطت شهيدة أثناء قيامها بزرع عبوة ناسفة على طريق بلدة القليلة ـ صور بتاريخ 2 آب 1983، فأصبحت رمزاً لفتيات الوطن ومثالاً لرفيقات الحزب.

وبعيداً من الصراعات الطائفية والاستسلام، أكدت ابنة بلدة القرعون، عروس البقاع، "لولا عبود" (19 عاماً) وطنية المقاومة، حين استشهدت بتاريخ 21 نيسان1985 عند مدخل بلدة القرعون أثناء عملية هجوم على تجمع للقوات الصهيونية، والتي استهدفت دورية للعدو مؤلفة من شاحنتين وسيارة جيب، حيث أقدمت لولا على تفجير نفسها عند مدخل بلدة القرعون الغربي.
"لولا" لن ننسى وصيتك لنا: "إذا لم ندافع عن الأرض، فلن نأتي بأناس من الخارج ليدافعوا عنها".

وانتفاضاً على واقع الاستغلال والاحتلال، نفذت مجموعة الشهيدة لولا عبود في 19 أيار 1985 عملية بطولية قرب حاصبيا على مفرق بلدة أبو قمحة، حيث استشهدت ابنة النبطية "وفاء نور الدين" مواليد 1962. ودّعت طفلها الصغير لتلبي نداء الوطن.

وعلى الخط المقاوم ذاته استشهدت الرفيقة "ميرفت عطوي"، مواليد 1974 من بلدة شقرا ـ قضاء بنت جبيل. ابنة عائلة شيوعية مناضلة. انتسبت إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1989. انخرطت في النضال بسن مبكرة في صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، وشاركت في العديد من النضالات الطالبية والجماهيرية، وإلى جانبها سقطت الرفيقة "لينا مزرعاني" ابنة بلدة حولا، من العاملين في جهاز الاتصال المركزي. الرفيقتان استشهدتا على إثر غارة الطيران الإسرائيلي التي استهدفت مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في منطقة الرميلة في 26/12/1989.

وفي مقتبل الشباب كانت "يسرى فياض إسماعيل" عروس زوطر، وفي ظلّ اجتماع الساسة في المطابخ لاقتسام الوطن، كانت تعرف الوجهة الصحيحة للمقاومة. يسرى مواليد زوطر الشرقية ـ قضاء النبطية عام 1968. انتسبت إلى الحزب الشيوعي اللبناني، والتحقت في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام 1987. شاركت في العديد من المهام والعمليات العسكرية في الجبهة والحزب. واستشهدت أثناء مواجهة بطولية ضدّ العدو بتاريخ 12 شباط 1990. سقطت ورفيقان لها في منطقة القنطرة ـ القصير (وادي الحجير)، ثم احتجز العدو جثامينهم 15 عاماً إلى أن تمّ استعادة رفاتهم وشيّعوا في أوائل شباط 2004.

وتختم قافلة شهيدات الحزب الشيوعي و"جمول"، فتاة آتية من جبل لبنان ـ مواليد عبيه ـ قضاء عاليه 20/1/1956. شاركت في العديد من العمليات وخاصة تلك التي نفذت بمناسبة الذكرى الثامنة لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. وكان الموعد بتاريخ 20/10/1990 في تلة السدانة (شبعا)، حيث استشهدت "إنعام سليم حمزة" لتسطّر مع رفيقاتها ورفاقها كتاب المقاومة والخلود.. أيضاً استعيد رفاتها وشيعت في شباط الـ 2004.

ولا يسعنا إلّا أن نذكر العديدات من الأسيرات والمقاومات الشيوعيات أمثال الرفيقة "ناهدة حميد" من بلدة الخيام، أولى أسيرات الحزب الشيوعي في معتقل الخيام ورفيقتها نسب مصطفى (حولا) أصغر أسيرات دخلن المعتقل، وعليا حسين شقيقة الشهيد الرفيق زياد حسين من بلدة حولا وسناء أحمد..، و"أم وهيب قطيش" التي بقيت تناضل في زنزانتها ولم يكسر الاعتقال عنفوانها يوماً، بل كانت أماً للأسيرات وحاميتهن. وآخرهنّ "سهى فواز بشارة" من دير ميماس التي نفذت محاولة اغتيال العميل انطوان لحد في 7 تشرين الثاني 1988 وقضت سنوات طويلة في الأسر، إلى أن تمّ الإفراج عنها في تموز 1998...
والقائمة تطول ففي صفوف "جمول" مناضلات جنديات مجهولات، وهن كثر.

شهيدات ومناضلات، أسيرات ومقاومات... تحيةً لهنّ وإلى أمهات الأسرى وأمهات الشّهداء، وخاصةً "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً"... ولكنه لم يعد لأن جسده المتفجّر ما زال أسيراً لدى العدو. فتحيةً إلى "أم خالد" والدة شهيد حولا الرفيق "فرج الله فوعاني" الذي استشهد بعملية "كفرفالوس" بـ 16/1/1987 والتي اقتيدت إلى التحقيقات مرات عدة، كما تعرّض العديد من أبنائها إلى الاعتقال. ووالدة الشهيد الرفيق "جمال ساطي"، ابن بلدة كامد اللوز ـ استشهد بـ 6/8/1985. وتحية إلى "أم وليد"، والدة شهيد كفر حمام الرفيق "يحي الخالد" الذي استشهد بتاريخ 17/12/1987، والتي أًسر أيضاً ولديها الرفيقان وليد وعمر، وما زالت تنتظر عودة جثمان ابنها الشهيد من مقابر الأرقام لدى العدو الصهيوني ليدفن في تراب الوطن الذي روي بدمائه...
وكلّ التحايا... تحية إجلال واكبار إلى أرواح الأمهات اللواتي رحلن قبل عودة رفات أبنائهن الشهداء (الياس حرب وميشال صليبا وحسام حجازي استشهدوا في عملية "تدمير إذاعة لحد" بتاريخ 17/10/1985)، و(اياد قصير وحسن محمد ضاهر استشهدا في عملية "ماروس" بتاريخ 24/8/1987). والرفيق حسن علي موسى استشهد في حاصبيا في 18/9/1985.

 

ولا يسعنّا إلّا أن نوجّه التحية لبطلات جبهة المقاومة الوطنية في الحزب القومي السوري الاجتماعي، ابتسام حرب، وابنة الجنوب سناء محيدلي، أول استشهادية في القومي، اقتحمت صباح 9 نيسان 1985 بسيارة مفخخة بأكثر من 200 كلغ من المتفجرات تجمعاً لآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر باتر – جزين. واستعيد جثمانها بعد مرور 23 عاماً لتحتضنه أرض الجنوب في تموز 2008.

أنتن أيتها الرفيقات المناضلات والشهيدات، اللواتي استحققن هذا اللقب، فهو ما وجِدَ إلّا لأمثالكنّ.
أنتن اللواتي نثرتن الزيت المغلي فوق رؤوس العدو، أنتنّ اللواتي زففنّ شهدائهنّ، أو اللواتي انتظرنّ فلذات أكبادهنّ المحتجزين في زنازين الاحتلال، وحدكن قضيتنّ ربيع عمركن في ظلمات المعتقلات، أو استشهدتن دفاعاً عن الحرية والوطن، أو ناضلتن وقاومتن الاحتلال، وكنتنّ الجنديات المجهولات والمبدعات اللواتي تقفن وراء الستارة...
فهنيئاً لهذا اللقب الذي تزيّن بتضحياتكن ونضالاتكن وأساطيركن.