لماذا تريد الإنتساب؟

عندما كنت أملأ استمارة انتسابي للحزب الشيوعي اللبناني، كان السؤال الأخير عن سبب انتسابي. وهو سؤالٌ وجيه: لماذا تريد الانتساب للحزب الشيوعي اللبناني؟ مين جابرك؟

 

من سيئات الانتساب:

 

١- لن يقدّم لك الحزب أي خدمات؛ بل على العكس، أنت من عليك أن تقدم له.

٢- إذا أردت السفر، قد يعيقك انتسابك. فعلى الأغلب، عندما تتحقق الدولة من خلفيتك، لن تتحمّس لاستقبال شيوعي.

٣- هناك أكثرية تنظر إلى الفكر الشيوعي كأنه بعبع، يتّخذ حياله طقوسٌ أشبه بتلك المستعملة لطرد الأرواح الشريرة في أفلام الرعب.

٤- هناك شريحة أكبر تعتبر أن الفكر الماركسي-اللينيني ديناصورٌ ولّى زمنه، وأن "إكرام الميت دفنه."

 

من حسنات الانتساب:

١- صرت منتسباً. مبروك!

 

سؤالٌ وجيه.. لماذا تريد الانتساب للحزب الشيوعي اللبناني؟

 

لأني أريد أن أنتظم مع الرفاق. أريد أن أقابل الرفاق. أريد أن أنتمي.

 

منذ أن انتسبت في أيار ٢٠٢٤، جلست وتكلمت مع سبعة رفاق، أحدهم صديق لي جلبته معي للانتساب، فلنعتبرهم ستة. عدد الجلسات التي حضرتها هي خمس، والمجموعات على الواتساب التي أُدخلت فيها ماتت فعلياً. لم يتحدث أحد فيها منذ شهرين، بل وحتى قبل ذلك لم تكن هناك حركة تذكر.

 

كلّفت بمهمة واحدة، لكن بسبب عملي ودراستي لم أستطع أن أخصص لها وقتاً كافياً. وإضافة إلى ذلك، لم أجد في داخلي الدافع الذي يحمسني لها، ففشلت فيها فشلاً ذريعاً. وعلى الأغلب، الرفيق الذي كلّفني بها ينظر إليّ الآن نظرة سلبية.

 

لماذا تريد الانتساب للحزب الشيوعي اللبناني إذن؟

 

لأني وجدت في الإيديولوجيا الماركسية-اللينينية عقيدتي. وقد يعترض البعض على استخدام كلمة "عقيدة" هنا، ولكن، بصراحة، لا أجد كلمة أخرى توازيها في الوصف.

 

في معجم المعاني، وجدت تفسيران يوضحان ما أعنيه:

 

· الحُكْمُ الذي لا يُقْبَلُ الشكُّ فيه لدى معتقِدِه.

· ما عقد عليه القلب واطمأن إليه.

 

هذا بالضبط ما أعنيه.

 

ولكن، كيف يمكن لكلمة "عقيدة" أن تنطبق على فكرٍ مبني على المادية، على التشكك، على معاداة ما هو "مطلق" وما يتجرأ على التربع في موقع الحقيقة الدائمة؟

للإجابة على هذا السؤال يمكن الاعتماد على الفلسفة الماركسية نفسها: فالواقع المادي لا بد أن يتفاعل مع الفكر، ما يدفع الفكر بدوره إلى التفاعل مع الواقع المادي.

 

دخول صيدلية وسماع امرأة عجوز تقول إن سعر دوائها يوازي راتب ابنها... واقع مادي. أن يصبح راتبي الشهري مبلغاً رمزياً بينما المسؤول عن ذلك ينقل ملياراتٍ تكفي لإنعاش البلد بأسره إلى خزائن الدول الغربية، ليشتري فيها قصوراً وشققاً فخمة... واقع مادي. أن أرى بشراً يتقاتلون على أبخس السلع في السوبرماركت بينما من تسبب بمشكلتهم يأكل في أفخم المطاعم... واقع مادي. أن أسمع كل يوم عن محاربة الفساد من فم الفاسد نفسه... واقع مادي. أن لا أعرف في هذا العالم السفلي طائفةَ ذلك اليائس الذي يقاتلني، أنا اليائس مثله، على سلعة أو خدمة أو عمل، بينما عندما أنظر إلى فوق أرى طائفةً كل صاحب بنك ومسؤول ومتموّل، وياللعجب! ذلك العالم الذي هو نموذج للتعايش الطائفي، هذا كله واقع مادي.

 

وأيضاً، واقع مادي أن أترعرع في بلدٍ تلعب العقيدة فيه دور محرّك اجتماعي وسياسي. ولكن أيضاً واقع مادي أن أرى التناقض بين القول والفعل؛ بين التحدّث في إطار المبادئ الدينية وأسسها المبنية على أنسنة الإنسان، وبين اتباع أفكارٍ تمكنن الإنسان ولا تراه أكثر من قطعةٍ قابلة للاستبدال في آلةٍ لا تعرف معنى الإنسانية. واقع مادي أن أرى الرموز الدينية تتحول إلى مجرد شكل، تُفرَّغ من محتواها وأفكارها لتصبح زينة أو غطاءً رقيقاً بدلاً من أن تبقى مبدأ.

 

واقع مادي أن أرى وأقرأ عن دول العالم المُستعمَرة التي تقاتل من أجل التحرر الوطني، وأرى من دعمها ومن عاداها. واقع مادي أن أقرأ عن ثورات وحركات توقفت عند الوصول إلى مصالح طبقية معينة، بدل أن تكمل مسيرتها إلى النهاية، والأثمان الباهظة التي دفعتها بسبب قصر نظرها.

 

أن تقرأ ما كتبه منظّري الماركسية-اللينينة وتقارنه مع الواقع، لتجد أن هذه "العقيدة"، بتلك التفسيرات، هي التي أثبتت صحتها عبر الواقع المادي الذي غذّاها، فخلعت عنه هالة الغموض ومعه اليأس، واستبدلتهما بنورٍ يهدي الطريق... هذا أيضاً واقع مادي بذاته.

 

فحسب التفسير، عقد عليها القلب واطمأن إليها، وأصبح لا يقبل الشكّ بمبدئها بعد أن جُرِّب.

 

وعندها أصبح الحزب كالمنارة، كواجب. فلم أعد أرى أنقى من ثورة المقموع وأقربها للواقع إلّا في المبادئ التي يمثلها. وبعد كل هذا، لم أستطع أن أكتب في الاستمارة سوى: "لأن فكري شيوعي".