الجامعة اللبنانية: جامعة الأزمات

شكّلت الجامعة اللبنانية منذ تأسيسها في العام 1955، أساس التعليم العالي في لبنان. كان طبيعياً، مع مرور الوقت، ومع توسّعها وتفريعها، أن تتعرض لمختلف أنواع الضغوط السياسية والطائفية، إلى أن تحوّلت، وبحسب أهل الجامعة أنفسهم، إلى ساحة للتوظيف السياسي والطائفي والمذهبي، أي أن صورتها باتت جزءاً من صورة البلد غير الجميلة.

 

يُجمع أهل الجامعة على وجود تدخل سياسي في الشؤون الداخلية لهذا الصرح التعليمي، ويتخذ أشكالاً متعدّدة، لكنهم يختلفون في ما بينهم حول حجم هذا التدخل، علماً أن التدخل يمتد من تعيين رئيس الجامعة والعمداء، مروراً بمدراء الفروع والكليات، وإمتحانات الدخول، بهدف السيطرة على كليات الجامعة.

فما هي المشاكل والصعوبات التي تواجه أساتذة وطلاب الجامعة اللبنانية؟

يجد الشباب اللبناني نفسه محاصراً، لا ينفكّ عن التفكير في مشكلةٍ حتى يقع في مشكلة أخرى، ففي ظلّ هذا الإنهيار قد يُحرم الآلاف من الشباب من التعليم الجامعي مع لفظ الجامعة اللبنانية أنفاسها الأخيرة.

فالهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية لا زالت على قرارها بعدم بدء العام الدراسي الجديد، إضافة إلى توقّف كامل الأعمال الإدارية إبتداءً من الأول من تشرين الأول. في مقابلة مع الدكتورة وفاء نون أفادت للنداء بأن أبسط المستلزمات المطلوبة للتعليم غير متوافرة، "وفي حال افترضنا أنها متوافرة هل الطلاب سيستطيعون النزول من قراهم للعيش قرب جامعاتهم؟ والجواب طبعاً لا"، وتشير نون إلى أن أكثر من ٧٠% من الطلاب غير قادرين على الوصول إلى قاعات التدريس، وبأن السكن الطلابي غير متوافر لجميع الطلاب.

وأشارت نون الى أن الوصول إلى الجامعة بات يشكل عبئاً على الطلاب والأساتذة، لأن معاشات الأساتذة على حالها وأهالي الطلاب غير قادرين على تحمّل هذه الكلفة. وبالمناسبة فقد طرحت إشكالية التعليم عن بعد في ظلّ أزمة الكهرباء التي باتت معضلة تواجه المواطنين كلّ يوم، في ما المولدات البديلة شبه متوقفة. وهناك إتجاه إلى خيار الـ "offline" في ظلّ عدم عقد أي جلسات بين الأساتذة للإستماع إلى آرائهم، إذ "أن القرارت مسقطة علينا كأساتذة".

وطالبت نون بـ "ضرورة تعديل المناهج بما يتلاءم مع حاجاتنا اليوم لتقديم شيء منتج في هذا البلد"، مشدّدةً على أن الأساتذة المتعاقدين هم الأكثر تضرّراً في الوضع الراهن، ولهم الأحقية في الذهاب إلى الخارج في حال أتيحت لهم الفرصة، في ظلّ غياب تكافؤ الفرص في الجامعة اللبنانية نتيجة التدخلات السياسية والمحاصصة. فهي كحال كلّ المؤسسات العامة.

بالإضافة، كلّ الحلول التي اقترحت لتحسين وضع الأساتذة، طرح حلّ عبارة عن مهزلة من قِبل رئاسة الجامعة اللبنانية، والذي يحدث اليوم بحقّ الأساتذة في الجامعة اللبنانية مهين. فالزودة المضافة للموظفين محصورة في حرم الجامعة فقط، فالأساتذة غير معنيين بهذه الزودة، فاقترحت رئاسة الجامعة إعطاءهم زودة من أموال مخصّصة للـ pcr، إلّا أن الأساتذة رفضوا ذلك الإقتراح. ودعت نون لمحاسبة كلّ الأشخاص المعنيين بموضوع آمال ل pcr التي تساوي أضعاف موازنة الجامعة اللبنانية. وختمت بأننا اليوم في أزمة كبيرة جداً، فالحاجة إلى الإستقلالية المالية والإدارية والأكاديمية ضرورية لكي نستطيع الإستمرار وتسيير أمورنا بأنفسنا، فالإستقلالية تشكّل حجر الأساس لإنقاذ الجامعة اللبنانية.

نؤكد على الاستمرار بالنضال ضدّ سياسات هذا النظام، من أجل جامعةٍ وطنية مستقلّة لن تستعاد إلّا بالنضال الحقيقي، و"انتظامنا من مختلف الجامعات تحت لواء اتّحادٍ طلابيّ جامع يكون منصّةً نقابيّة تنتزع حقّنا اليوم في تعليمٍ لائق على الصعد كافّة"،فإن جامعتنا التي استُشهد لأجلها من سبقنا إلى الحركة الطلابية التحرّرية ما زالت منذ مطلع القرن الجاري أسيرة أنظمة وإجراءات عنصرية إقصائية. لذا يقع على عاتقنا بديهياً واجب وطني في تحريرها من قواعد اللعبة القذرة للسلطة الفئوية ونظامها الطائفي. فلا سكوت عن اختزال معنى الطالب ولا انسياق مع السياسات التفكيكية ولا انصياع لأنصاف ديمقراطيات كاذبة.