تكامل الأدوار بين الصين والعالم العربي

في مقابلته التي أجراها مؤخراً مع صحيفة الشرق الأوسط، أشار وزير الخارجية الصيني إلى المثل العربي القائل (الصديق الحميم قريب و حتى لو كان بعيداً) للدلالة على أنه ورغم بعد المسافة التي تفصل بين بلدنا والبلدان العربية ولكن القواسم المشتركة فيما بيننا تدفع باتجاه تعزيز العلاقة التي تربطنا وتحولها إلى شكل استراتيجي بعيد المدى.

يأتي هذا في سياق التغير الحاصل على المستوى الدولي واعتماد الكثير من الدول العربية سياسة التوجه شرقاً، سعياً إلى نظام دولي قائم على تعدد الأقطاب. وقد بدا واضحاً خلال الأشهر الماضية صيغ التفاهم والتقارب التي ظهرت بين الدول العربية والصين والتي كانت بدايتها بالقمة الصينية العربية في الرياض مروراً بالرعاية الصينية للاتفاق السعودي- الإيراني، بالإضافة إلى الموقف المتقارب من الأزمة الروسية الأوكرانية وأخيراً وليس آخراً سعي بعض الدول العربية المؤثرة للانضمام إلى تحالف دول البريكس.
اليوم ومع حفاظ الاقتصاد الصيني على مستواه الثاني والتوقعات بانتقاله للمستوى الأول كأكبر اقتصاد في العالم، فإنه أيضاً يبحث عما يمكنه من استمرار خط نموه الصاعد وما لا شك فيه فإن أسواق الطاقة والتي تتركز أغلبها في الدول الخليجية العربية هي المصدر لذلك النمو، ومن هنا برز مفهوم تكامل الأدوار بين الجانبين.
لقد وضعت العديد من الدول العربية المصدرة للنفط سياسة تنويع لاقتصاداتها بحيث تحميها من تقلبات أسعار الطاقة، وتأتي هنا أيضاً الصين ذات القدرة الصناعية الضخمة لتدخل في أسواق هذه الدول مقدمة لها التقنيات اللازمة، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر الخطوات التي خطتها شركة أرامكو السعودية مؤخراً بدخولها مع بعض الشركات الصينية لتصنيع المحركات الهجينة.
ومما يجدر الإشارة إليه إلا أننا في الصين عندما نفتح مجالاً للتعاون الاقتصادي مع البلدان الأخرى فإننا لا نفرض عليها شروط أو لا نسعى لتسويق نموذجنا التنموي والحجة المنطقية التي نستند إليها في ذلك كان الرئيس تشي جينغ بينغ قد أوضحها عندما أشار إلى أنه لا يوجد في الدنيا نموذج ملموس للتنمية يلائم كافة دول العالم، ولا يوجد طريق للتنمية لا يتغير. إن تنوع الظروف التاريخية قررت تنوع اختيار مختلف الدول لطريق تنميتها. في تاريخ البشرية، لم توجد أمة أو دولة حققت القوة والنهوض بالاعتماد على قوى خارجية أو متابعة أخرى خطوة خطوة. إذا عملت كذلك، لا تنته بالفشل فحسب، بل تصبح تابعة للآخرين.
لقد تابع العالم وباهتمام بالغ دور الوساطة الصينية لحل الخلاف السعودي- الإيراني ومؤخراً تم الكشف عن الدور الأخر الذي بذلته الدبلوماسية الصينية في عودة سوريا إلى محيطها العربي. وفي ذات الوقت فإن السياسة الخارجية الصينية ما فَتِئْتُ تقدم المبادرات الواحدة تلو الأخرى من أجل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وعدم تهميشها على الإطلاق.
إن السياسية الخارجية الصينية وعلى مدار العقود الستة الماضية وحتى الان ما تزال ملتزمة بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وهي المبادئ التي طرحها لأول مرة رئيس مجلس الدولة الراحل شو ان لي خلال مقابلته وفد هندي عام 1954 وهي 1- الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها 2- عدم الاعتداء المتبادل 3- عدم التدخل بالشؤون الداخلية بصورة متبادلة. 4- المساواة والمنفعة المتبادلة. 5- التعايش السلمي.
في إطار مستقبل مشترك للبشرية فإن اللغة تعد أحد القواسم المشتركة لتحقيق هذا المستقبل المشترك وفي هذا المجال يأتي دور جامعاتنا، وخاصة تلك التي تحتوي على قسم اللغة العربية، فإنها تُخرج نُخباً كفؤة، وتعمل كجسر بين الأمتين الصينية والعربية. لقد بلغت عدد الكليات التي تدرس اللغة العربية 50 كلية وهي في اضطراد متزايد. وأود الإشارة هنا إلى أننا في جامعة الدراسات الدولية في بكين نُشرف على معهد كونفوشيوس في المغرب والذي يخرج سنوياً مائتين طالب وطالبة تقريباً، يكون أمام أغلبهم فرصة لزيارة الصين واستكمال دراساتهم العليا. ونحن بهذا نزيد من مقدار التقارب والتفاهم لثقافاتنا ونبني معاً مستقبلاً مشرقاً وأكثر عدلاً من الواقع الحالي.

*نائب عميد كلية الدراسات الشرق أوسطية- جامعة الدراسات الدولية في بكين
*مداخلة ألقيت في المؤتمر العربي - الصيني الأول الذي نظمته جامعة زيجيانغ للعلوم الصناعية والتجارية (浙江工商大学)

 

  • العدد رقم: 416
`


د. وي تشي رونغ ( رغدة نور)