خطاب كره الذات والانهزامية في خدمة مصالح البورجوازية المحلية الكومبرادورية

يجري على لسان العديد من مواطنينا، بمختلف مواضعهم الطبقية، وصف كل عمل غير متقن بـ «خدمة العرب » (هذا عمل العرب). فمثلا تسمعهم يقولون عندما يرون طريقا معبّدا مليئا بالحفر الصغيرة أو بالحدبات: «خدمة عرب! » أو تسمعم يقولون عن الكسالى أو عن موظف يتماطل في إنجاز عمله: « إيه، العربي فنيان! ما يحبش يخدم! » (العربي كسول ولا يحب العمل). أمّا نحن فنتسائل حائرين: «واش دخّل العربي في الوسط؟ » من هو هذا العربي وهؤلاء العرب؟
إنّ المستخدم في الجزائر لكلمة « العربي » في سياق عبارة "العربي فنيان" يقول بعبارة أخرى "الجزائري فنيان" وعندما يقول "شوف خدمة العرب! » فهو يقصد " شوف خدمة الجزائريّين".


إنّ مصطلح « العرب » Les Arabes تسمية كانت تحمل عند المستعْمِر الفرنسي معنا سلبيّا مرتبطا بـ"الرداءة وبالشر وبالتخلف وبالخمول وبالدموية"، تماما مثلما صنعت وسائل الإعلام الكبرى الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، صورة "المسلم الارهابي" ومقولة "الاسلام دين ارهاب". تجدر الاشارة إلى أن السلطات الاستعمارية الفرنسية لم تكن تفرّق في احتقارها بين الجزائري المتحدث بالعربية بمختلف لهجاتها والجزائري المتحدث بالأمازيغية بمختلف لهجاتها. فأجدادنا كلهم كانوا « عرب وسخين » "des sales arabes " بالنسبة للكولون. (المستوطن الفرنسي)
في الحقيقة، إنّ « خدمة العرب » هذه هي الترجمة الحرفية للعبارة الفرنسية « عمل عرب! » un travail arabe التي كان يطلقها المستعمِر عن كل عمل غير متقن. كان الـكولون يقولها بتقزّز واشمئزاز ويربط إذًا العمل الرديء بعرق ما (العرب في هذا السياق) وهذا الخطاب العنصري يلازم العقلية الاستعمارية في كل زمان ومكان، إذ صنع الإنجليز والفرنسيون أثناء حملاتهم التوسعية الاستعمارية في قارتنا الإفريقية (في القرن التاسع عشر) وفي أمريكا الشمالية (بدءا من القرن السادس عشر) صورا نمطية سلبية وعنصرية عن السود والهنود . طبعا كان توظيف المستعمر لعبارة "un travail d’arabe" عمديا وهدفه غرس عقدة النقص وكره الذات والانهزامية في نفس الجزائري وكانت محاولة من المستعمرين لقتل الروح الكفاحية للشعب الجزائري.
حسنًا، ماذا يعني كل ما قلناه؟ يعني أنّ الجزائريين المستعملين لعبارة « شوف خدمة العرب! » و »العربي/الجزائري فنيان! ما يحبش يخدم » في الواقع يسبّون ويحتقرون أنفسهم وينقلون خطاب المستعمِر القديم. فالمتلفظ بعبارة "خدمة العرب!" ينطقها وكأنه، للحظة، لا ينتمي إلى الشعب الجزائري أو وكأنّه "كولون" (مستوطن) أوروبي على أرضنا. المسألة إذن تضرب جذورها في بقايا الخطاب الكولونيالي في عربيتنا الدارجة.
لنمر الآن إلى تحليل عبارة « العربي فنيان ». هي أيضا ترجمة حرفية للعبارة الفرنسية l’arabe est fainéant "العربي كسول! "و مدلولها بالتعدي هو "المسلم كسول" وهي صورة نمطية عن الجزائري روّج لها الفكر الاستعماري طوال مدّة احتلاله لوطننا وعمل على نشرها وسط المعمّرين زمرة من « العلماء » و »المختصّين » الفرنسيين. إليكم في هذا الصدد بعض ما قاله الاستعماريون الفرنسيّون عنّا، نحن الجزائريين، في القرن 19:
« لا يمكننا إنكار أنّ العرب والبربر، مقارنة بالأوروبيين، ينتمون حتما إلى أجناس دنيئة وخاصّة مختلّة عقليّا » (دكتور ريكو Ricoux، في 1880)
" لا نعلم قدر الفساد والرذائل الموجودة في هذا الجنس العربي أخلاقيا وبدنيّا » (تراي Treille ، في 1871)
« إنّهم كسالى وسفهاء، على الأقل فيما يخص العرب منهم: إنّهم لا يتصوّرن السعادة إلّا في حياة الكسل والرداءة لذلك تجدهم يقاومون العادات الأوروبية. » (ديمونتيس Demontès، في 1923)
إنّ المقاومة الشعبية المسلّحة والروحية (التمسّك بالإسلام وبالعادات والتقاليد) التي قادها أجدادنا كانت تعرقل المشاريع الإستعمارية الفرنسية في وطننا. لقد أوّلت السلطات الإستعمارية الفرنسية المقاومة الوطنية الشعبية على أنّها « عدم امتنان » ingratitude الجزائريين لـ "مهمّة فرنسا" la mission de la France التي « جاءت » إلى الجزائر لـ »تحضير » pour civiliserالجزائريين و "إخراجهم من ظلمات الجهل والتخلف".
اصطنع وفبرك النظام الاستعماري سلسلة من النظريات العنصرية والصور النمطية لتبرير « تفوّقه » في الجزائر وبرهنة « عدم مساواة الأجناس »، راميا من خلال كل ذلك تثبيط عزيمة أجدادنا للمقاومة. إنّ الاستعمار، من خلال ترويجه لعبارات مثل « العربي فنيان » و »العرب والبربر ينتمون حتما إلى أجناس منحطّة عقليّا » كان يقول لأجدادنا: « ولكن لماذا تقاوموننا؟!!! لماذا تحاربوننا؟!!! لا داعي للمقاومة فنحن ننتمي إلى جنس راق أرقى منكم أمّا أنتم فكسالى وفاسدون وتكرهون التقدّم. أنتم جنس دنيء يا جزائريون! هكذا خُلِقْتُم !!!"
ما شاء الله! ما شاء الله على هذا "العِلم الكبير"! إنّ عنصرية "عِلم" النظام الاستعماري لا حدود لها!
بعد استعراضنا لأمثلة عن « تفوّق الفكر الاستعماري » سوف نمر الآن إلى حجّتنا المضادّة.
لنر أوّلا « تفنيين العربي » (كسل العربي) المزعوم على ضوء الوثائق التاريخية وعلى لسان المستعمِر نفسه:
يكتب الكولونيل فوري في مذكّراته ما يلي: « انطلقت من مليانة وشرشال سبعة طوابير بهدف التخريب واختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم وعلى الأخص اختطاف النساء والأطفال، لأن الوالي العام (وهو بيجو ) كان يريد بإرسالهم إلى فرنسا، أن يلقي الفزع في قلوب السكان ». ثم يعلّق فوري عن النتائج التي تحصّل عليها الطابور التابع له فيكتب: « اختطفنا في هذه الحملة ثلاثة آلاف من رؤوس الغنم وأشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى وقطعنا وأحرقنا أكثر من عشرة آلاف من أشجار الزيتون والتين وغيرها."
يتحدث المفكّر الجزائري المرحوم مصطفى الأشرف في كتابه « الجزائر: الأمّة والمجتمع« عن الجوانب النفسية للإحتلال الفرنسي في وطننا فيكتب ما يلي: « في رسالة بعثها بيير دو كاستيلان، ابن المارشال المُسمّى بنفس الاسم، بعثها بتاريخ 28 مارس 1844، كتب يقول بعد أن وصف (منطقة) الظهرة بأنه بلد غنيّ حصب، فيه كثير من أشجار الفواكه، وبعد أ، تحدّث عن سكانها الذين « يعيشون في نظام يشبه النظام الجمهوري »، تابع كلامه قائلا: « مكثنا عدة أيام في مخيّمنا العسكري، ونحن خلال تلك المدّة نتلف أشجار التين والمحاصيل الزراعية ولم نغادر المنطقة إلّا بعد أن خرّبناها تماما…وبذلك أعطينا درسا قاسيا لهؤلاء السكان ». ثم انتهى إلى القول بأن: « العرب لا يخضعون إلّا للقوة الغاشمة"
ينقل لنا مصطفى الأشرف [4] في فقرة أخرى ما كتبه الكومندان لِيُو ، ضابط في جيش الاحتلال الفرنسي عن حملة شارك فيها في سهل الشلف، في سنة 1842، فنقرأ ما يلي: « منذ انطلاق الحملة إلى يومنا هذا، أي من 4 مايو ‘لى 20 منه، خرّبت كثير من القرى الآمنة وكميّة هائلة من المحاصيل الزراعية الغنية وإنّي متأسّف لهذا العمل العسكري المحتّم وهذه الوسيلة القاسية التي كرهتها كرها شديد. وحينما مررت لم أر في تلك المنطقة الرائعة سوى حقول زرعها العرب بمنتهى العناية. ثم يكتب ليو في عام 1843 خلال تواجده في منطقة شرشال، ما يلي: « لقد هُدِمَت كثير من الدواوير وأزيلت من الوجود قرى بكاملها بعد اشعال النيران فيها. وقُطِعَت عدة آلاف من أشجار التين والزيتون وغيرها".
ما أعجب منطق السلطات الاستعمارية! تحرق وتتلف مصدر رزق الفلاح الجزائري (حقول الحبوب، أشجار الفاكهة والزيتون)، تدمّر منزله، تصادر أرضه، تشرّده، تتركه من دون عمل، ثم تقول عنه أنّه « كسول »، و "لا يحب العمل" إلى غير ذلك من الخزعبلات …
لقد رأينا للتو، من خلال المقاطع التي استعرضناها، أنّ « العربي الفنيان« ، أي الجزائري، كان ناشطا في الفلاحة والزراعة ويعتني بالأرض ويجني ثمرة عمله ويغرس أشجار الفاكهة والزيتون ويسكن في قرى أو في مدن (لا في الكهوف كما يزعم السفهاء !) وكل هذه الأعمال لا يقوم بها الإنسان الـفنيان (الكسول)، أليس كذلك؟
لو كان « العربي فنيان » لما ناضل وجاهد الأمير عبد القادر والخليفة بن سالم (في منطقة القبائل) والخليفة محمّد بلحاج (في منطقة الجريد والأوراس) وسلمان الجلّابي (في منطقة توقّرت) وناصر بن شهرة (في منطقة الأغواط والصحراء الشرقية) وفاطمة نسومر (في منطقة القبائل) وأولاد سيدي الشيخ (في منطقة البيّض) والشيخ المقراني وبوبغلة و الشيخ بوعمامة (في الجنوب الغربي) وغيرهم ضد عدوان الاستعمار الفرنسي من أجل طرده من أرض الوطن. إنّ الـفنيان لا يقاوم! الفنيان مصاب بمرض الخمول.
لو كان « الجزائري فنيان » لما قاد المجاهدون، أي أغلبية الشعب الجزائري، مدّة 8 سنوات طويلة، حرب تحرير وطنية شعبية انتهت بتغلّب المقاومة على الجيش الفرنسي الامبريالي. الفنيان يعجز عن الكفاح وحمل السلاح من أجل التحرر من قيود العبودية!
يشهد لنا التاريخ بأنّ الحرب التحريرية الوطنية الجزائرية هي من أكبر الحروب التحريرية الوطنية ضد الاستعمار والامبريالية في القرن العشرين (إلى جانب يوغسلافيا والفيتنام وكوبا وغينيا بيساو، على سبيل المثال لا الحصر)
لو كان "الجزائري فنيان" لما شيّدت بعد الإستقلال أيادي العمال والمهندسين الجزائريين مدارس ومتوسطات وثانويات وجامعات (جامعة العلوم والتكنولوجيا بالعاصمة ووهران، جامعة منتوري بقسنطينة، جامعة الهندسة بالبليدة، المعهد الوطني للبترول وجامعة المحروقات والكيمياء (بومرداس)، جامعات بجاية، خنشلة، سكيكدة، تيارت، باتنة، بسكرة، مستغانم، تيزي وزّو، بشّار، أدرار، إلخ، ومستشفيات ومصانع ومعامل ومؤسسات وطنية (صونطراك، صونلغاز، صونيباك، صونيتاكس، سْنِيك، صونيليك، صوناكوم، صوجيديا، إينا سكر، كوتيتكس، صومباك، إلخ...) تخدم المصلحة العامة وتلبي حاجيات أغلبية المواطنيين.
لو كان "الجزائري فنيان" لما أنجب وطننا كتّابا وعلماء ومفكّرين كبارا من أمثال مصطفى الأشرف، الشيخ بن باديس، عبد الحميد بن هدّوقة، مولود معمري، محمّد ديب، أبو القاسم سعد الله ، مولود قاسم نايت بلقاسم، عبد الله شريط، محند الشريف ساحلي وغيرهم وهم كُثُر.
إنّ عبارة مثل "خدمة العرب!" وعبارة "العربي ما يحبش يخدم" خطيرة للغاية لأنها تحمل عقلية كره الذات وتبثّ سمّ الخطاب الانهزامي في نفوس المواطنين، خاصة الشباب والمراهقين منهم، وهي تخدم بالدرجة الأولى مصالح البورجوازية الكومبرادورية المحلية لأن هذه البورجوازية ليست وطنية وإنما ترتبط مصالحها الذاتية بمصالح الشركات الأجنبية (أي بالرأسمال الأجنبي) وبمصالح الشركات المتعددة الجنسيات (أي بالاحتكارات الأجنبية). فهذه البورجوازية الكومبرادورية لا تنتج شيئا يُذكر محليا ولا تؤمن أصلا بالانتاج الوطني وتكفر بالسيادة الوطنية وبمشروع التنمية الوطنية المرتكز على الذات وتضحك على القيم النبيلة كالكرامة وحب الوطن فهي بالتالي بورجوازية عميلة تخدم المصالح الاقتصادية للقوى الاستعمارية الجديدة التي تريد الاستيلاء على جميع ثروات بلدنا وموارده الطبيعية.
من مصلحة هذه البرجوازية العميلة المحلية، كقوة اجتماعية مهيمنة على الحياة الاقتصادية والسياسية في بلدنا، أن تسود النفسية الانهزامية الاستسلامية في أوساط الشباب الطلاب، الأطباء، المعلمين، الأساتذة والباحثين حتى يغادروا الوطن ويهاجر جزء كبير منهم (كرهًا) إلى الشمال ليستقروا فيه وليملؤا (كرهًا) مخابر وجامعات ومستشفيات أجنبية ويوظّفون علمهم ومعارفهم التي تعود بالفائدة على دول أجنبية. طبعا، لا ننسى أنّ هذه الهجرة، التي تحرّكها محليا ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة (بسبب استمرار سياسات التفقير النيوليبرالية التي تنتهجها السلطات الرسمية)، تشمل كذلك شبانا بطالين في البلد سئموا من البطالة أو كوادر في مؤسسات عمومية وخاصة.
قلنا إنّ هذه البرجوازية الكومبرادورية تكفر بمشروع التنمية الوطنية المرتكز على الذات لأن هذه البرجوازية تنهمك من جهة في استهلاك سلع أجنبية، وفي مقدمتها مواد غذائية ومشروبات لعلامات تابعة لشركات متعددة الجنسيات مختصة في البسكويت، حبوب الذرى، الشوكولاطة، الجبن، اليوغرت، إلخ...وتحتقر من جهة أخرى كل ما تنتجه أيادي عمال وعاملات جزائريين من مواد غذائية ومشروبات تخرج من مصانع شركات جزائرية. لا يجب أن نتعجب من انهماك عناصر البورجوازية الكومبرادورية المحلية في استهلاك سلع أجنبية إذ هي (أي البورجوازية الكومبرادورية) هي من تستورد هذه السلع وتسوّقها محليّا في محاولة لخنق ما تبقى من إنتاج وطني. هذه البورجوازية الكومبرادورية (وبارونات الاستيراد جزء منها ) هي من تغرق السوق المحلية بمختلف السلع الأجنبية (من سكاكين وشوكات وملعقات وكؤوس وثلاجات وفناجين وأباريق وحتى عود الكبريت والأثاث والورق) في سياق الفراغ الرهيب الذي تسبب فيه حلّ الشركات العمومية الوطنية التي كانت مختصة في صناعة هذه المنتجات (كشركة السيلباب بالنسبة للورق وكومامو في صناعة الأثاث والسنيك في صناعة الأواني والفخار) . ووسط هذا الفراغ المقصود یكتسح التيار البورجوازي الكومبرادوري الساحة ویمدح العولمة النيوليبرالية ومنتجات الشركات المتعددة الجنسيات ویبث دعايته التحریفیة الخبيثة في نفس من يجهل الوجود السابق للعديد من المؤسسات الوطنية الناجعة فيقول أصحاب ومؤيدو هذا التيار العميل "ما كانش إنتاج وطني" "الجزايري ما شي تاع خدمة"، "أتريدون ألّا نستورد فيموت الناس جوعا ونعود إلى عصر سوق الفلاح وافتقار المواد الأولية؟! ". هذه الدعاية الكومبرادورية تستهدف بالدرجة الأولى تدمير الروح الوطنية أو احتمال نشأتها في قلوب الشبان والمراهقين المنتمين إلى الفئات الشعبية، هذا من ناحية، وغرس ثقافة استهلاك سلع أوروبا الغربية خاصة وسلع الشركات المتعددة الجنسيات في عقول هؤلاء الشبان والمراهقين من ناحية أخرى. ثم عندما يردّ شخص وطني على فكر التيار الكومبرادوري وينتقده ويشدّد على ضرورة الدفاع عن الإنتاجات الوطنية وحمايتها وبعث مشروع التنمية الوطنية لكي نفتك حقًا استقلالنا الاقتصادي، ترى البورجوازيين الكومبرادوريين وأنصارهم يدخلون في هستيريا وتسمعهم يقولون: "واش من حماية الانتاج الوطني وبعث مشروع التنمية الوطنية؟! ما زالك عايش في زمان؟! ما زالك تؤمن بالغول؟! ذلك كان في الماضي أمّا هذا العصر فهو عصر العولمة والكونية ويجب أن نتبع فلسفته!" "الجزايري يحبها راقدة وتمونجي"، "ياك الجزايري ما يعرف يدير والو!" "المنتوج الجزائري رديء جدّا ولا يمكنه أن يتميّز بالجودة" إلى غير ذلك من المقولات التي لا تعتمد على أي منهج علمي في التحليل فتغدو مجرد خزعبلات كومبرادورية.
تخضع البورجوازية العميلة المحلية أشد الخضوع للمصالح الاقتصادية لكبار الرأسماليين الأجانب، لدرجة أن البورجوازيين الكومبرادوريين وأنصارهم يقدّسون الثقافات الأجنبية (خاصة الثقافة الاستهلاكية الأمريكية والأوروبية الغربية) باسم الكونية ويحتقرون الثقافة الوطنية. وبعد الاستيراد المفرط للسلع ها نحن الجزائريون نرى اليوم البورجوازيين الكومبرادوريين يستوردون عمال البناء لتشييد فيلا أو عمارة أو مبنى...
صحيح أن ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدة مكّنت وطننا من استرجاع استقلاله ولكنه استقلال لم يكتمل بعد إذ بقي أن نتحرّر من الاستعمار الاقتصادي والإيديولوجي ومن الفكر الاستعماري القديم في خطابنا اليومي ومن الفكر الانهزامي المحلي الموجود في لغتنا الدارجة. ينبغي إذن أن نحرّر عقولنا من الانهزامية ومن الذيلية الفكرية. التحرر هو ضرورة ملحّة. يقول في هذا السياق الرئيس الجزائري السابق والمناضل الثوري هواري بومدين، رحمه الله:
"هذه السيادة وهذا الاستقلال السياسي سوف يبقى ناقصا وضعيفا إذا لم تكن له قاعدة متينة وهذه القاعدة هي اقتصاد وطني مستقل. هناك نوعان من السياسة في العالم: سياسة الاعتماد على النفس ومعناها المحافظة على السيادة والكرامة والابتعاد عن كل ضغط أجنبي، وسياسة الاعتماد على الخارج هذه السياسة لا نستطيع أن نشيد بها بلادنا ونقيم بها المصانع والمدارس، إنّ سياسة الاعتماد على الخارج معناها التنازل على قسم من السيادة الوطنية." (1 ماي 1967)
*محمد وليد قرين، كاتب، مترجم وأستاذ بجامعة الجزائر.

المراجع:
- مصطفى الأشرف، الجزائر: الأمّة والمجتمع، ترجمة: الدكتور حنفي بن عيسى، دار القصبة للنشر، 2007، الجزائر.
- منصور بوشناف، كومبرادور، بوابة الوسط، 15 يونيو 2014، ليبيا http://web.archive.org/web/20171024042821/http://alwasat.ly/ar/news/kottab/22821/
- Kamel Kateb, Européens, « Indigènes » et juifs en Algérie, (1830-1962), Editions el Maarifa, 2010, Algérie
- Mostefa Lacheraf, Algérie : nation et société, SNED, Alger, 1978.
- Frantz Fanon, Décolonisation et indépendance, El Moudjahid, n°22, 16 avril 1958. In «Pour la révolution Africaine », Hibr Editions , Algérie, 2014.
- إدوارد سعيد، تغطية الإسلام، ترجمة: محمد كرزون، دار نينوى، دمشق، 2011.
- Hannah Arendt, L’impérialisme, traduit par Martine Leiris, Editions Points, Paris, 2010