لماذا تحوّل هؤلاء ضدّ من بقي يواجه ما يعتقده هجوماً امبريالياً رأسمالياً - صهيونياً لصالح اسرائيل ولصالح نشر الفوضى لإعادة تنظيمها وترتيبها كما تتوافق ومصالح منظومة الشركات الكبرى والدول المالية العميقة ووفق سبل تصريف الإنتاج الكاسد؟
في قراءة لكتابات وأفكار وسلوكيات هؤلاء المرتدين نجد أن القاسم المشترك بينهم هو دخول المال الى جيوبهم أوّلاً وثانياً هجرتهم لمناطق سكنهم من حيّ الفقراء والطبقة الوسطى الى حيّ الميسورين بالحرام وثالثاً تغييرهم للأصدقاء القدامى وللأصحاب ولأمكنة السهر ورابعاً تخطيهم السيء لأزمتهم الوجودية عند سن الأربعين عاماً، وخامساً تعرّضهم للخيبة وللصدمة الكبرى عند انهيار المنظومة الاشتراكية وانقلاب الشعوب على الأنظمة الماركسية أو بالأحرى الذين واجهوا الخيبة والصدمة بحركة سلبية تدل عن جوهرهم الانتهازي عبر الهرب والاستسلام للعدو النظري- الفكري- العقائدي التاريخي لليسار، وكلّ ذلك يشير الى أن تحرّرهم من العوز والحرمان والفقر والعقدة الدونية جعلهم يبرزون شخصيتهم الحقيقية الأساسية الرافضة والحاقدة لبيئتها الأساسية والحالمة أن تكون في الطرف الآخر من طبقات المجتمع أي إن حركتهم النضالية لم تكن منطلقة من احترامهم وحبّهم لطبقتهم الأولى الفقيرة بل غيرةً وحسداً وسعياً لئيماً ليكونوا في المقلب الآخر من المجتمع لما يعتقدونه تحقيقاً واقعياً لغرورهم المستتر ولنرجسيتهم المتوترة، تلك النرجسية التي تعتقد أنها خلقت في لحظة خاطئة من رحم أمٍ مسكينة فقيرة وفي رعاية أبٍ مغلوب على أمره لا يستحق الأبوة وفي شارع حقير لا يليق بأناهم المبدعة وبأن ذكاءهم يليق بتخرّجهم من الجامعة الأميركية للبرجوازيين وأن الصدفة والحماقة فقط، رمتهم في جامعات الاتحاد السوفياتي المتواضع معيشياً وعادة ما تكون شخصيتهم الحقيقية متأففة دوماً لا تشبع من النقد والجدل ومن حبّ التفاصيل ومن تفكيك المبادىء من جوهرها لتسخيفها وللسخرية منها كمتفلسفين مضطلعين على ثقافات غرببة فيها من الدهشة والانبهار ما يكفي لإلحاق الهزيمة باليساريين وعادة ما يكونون عبثيين بتوجّهاتهم، ينقلبون على أفكارهم في كلّ فترة وفي كلّ حين حسب مصلحتهم المادية المستجدة مع إطلاق النكات السياسية الساخرة ضدّ كلّ صاحب عزيمة وضدّ كلّ مثابر على التضحية من أجل المجتمع ومن أجل البلاد وأسوأ ما فيهم من خصال أنهم بحاجة دورياً لتفريغ توترهم العارم من خلال النقاشات الحادة والهازئة برأي الآخرين . إنهم ممن كانت تقول لهم نساؤهم" إنظروا الى غيركم أين أصبح بشطارته وأنتم ما زلتم في فقركم لا تعرفون الربح ".
هذا يعني أنهم لم يكونوا بالأصل يساريين حقيقيين ولو أنهم على درجة عالية من الثقافة و ذوي تجربة نضالية وربما عسكرية أيضاً، بل ربما أكثرهم كغالبية اللبنانيين من ذوي الشخصيات المضطربة المتأزمة وربما المريضة التي تستدعي العلاج والتي هي على صراع دائم في داخلها بين ماذا تحب أن تكون وبين ما هي عليه بالحقيقة، بين إمكانياتها المادية المحدودة وبين ما يتطلب الواقع من ضرورات، بين ما يحبّونه وبين ما يكرهونه، بين الثابت لديهم من اعتقادات وبين المتحوّل وفقاً للظروف وأسوأ هؤلاء اليساريين المرتدين هم الذين التحقوا بتيارات تدّعي الإصلاح السياسي وما هي إلا عصابات برجوازية -عائلية-طائفية تدميرية تنتهي عند موت قائدها .
لا مانع أن يترك المرتد اليسار إنما على الأقل أن ينضموا الى من هم أكثر تطوراً من اليساريين، لا ان يستبدل الواحد منهم الفيلسوف كارل ماركس بتاجر محتال يؤمّن تأشيرة سفر أو وظيفة أو برجل أعمال مشبوه أولهم له مشروع شعاره "لعيونك ولا يهمك"... وثانيهم أفلس البلاد ب "صُدّق صدّق" وثالثهم أهمل الاقتصاد بحجة الأمن ليكتفي برؤية الوطن من فوهة البندقية وأفلسوا البلد. من أين يأتون بهذه العدوانية وبهذه الكراهية ضدّ ماضيهم المشرّف بعلمانيته بين قطعان طوائف وبين عائلات سياسية طائفية متخلّفة وتدميرية. أحد التنظيمات اليسارية توقف عن النضال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بعد أن انتفع بعض أعضائها من مال وخدمات عديدة. وكأنّ النضال انتهى أو كأن المَهمة المطلوبة منهم انتهت ضدّ الحزب اليساري الأب. حتى المنح التي كانت تقدّمها مؤسسات الرئيس الحريري للطلبة توقفت وكأن المهمة انتهت وحتى الاغراءات التي كانت تقدّمها دول متطورة لدول العالم الثالث توقفت وكأن المهمّة انتهت.
اليساريون المنافقون المرتدون كانوا خلايا يسارية تخريبية نائمة أو أنهم تحوّلوا لخلايا تخريبية مستيقظة من أجل جمع دولارات وتأمين وظيفة. خلايا انتهت مهمتها مع سقوط التجربة الاشتراكية. لا نحكم برجم المرتد اليساري إنما ليكفِنا هضامته وشرّه. اليساري المرتد أكثر إزعاجاً وخطورة من يميني متطرف أو من طائفي مضلَّل.