الصفحة 3 من 3

العالم اليوم على مفترق طرق. ما كان يبدو ضرباً من الجنون منذ عقدين، صار خطاباً منتشراً على كل لسان اليوم. الرأسمالية في أزمة بنيوية، في دول المركز كما في دول الأطراف. النظام العالمي "الجديد" الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990، صار عالماً قديماً ينتظر اليوم مراسم طيّ صفحته. الرأسمالية التي اعتُبِرت "نهاية التاريخ" تعيش اليوم خريفَها، واليد الخفية التي اعتبرها "آدم سميث" ناظمةً لتوازنات الاقتصاد والمجتمع في ظل الصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، اتّضح أكثر للناس حول العالم بأنّها يدُ الاستغلال الطبقي الظاهرة، التي تراكم الثروة لدى فئةٍ محدّدة من المجتمع على حساب باقي الطبقات الاجتماعية.


الشعوب العربية ليست على ما يرام. الحروب والاحتلال والاستغلال الطبقي والفقر والبطالة والتهجير والقتل والإرهاب والعقوبات والمذهبة والأصولية والقمع والاستبداد تلاحقها من كل صوب. منطقة تختزن ثروات نفطية هائلة، وموارد بشرية وأراضٍ ومساحات ومضائق وممرات وموقع جغرافي تكفي أن تصنع منها قطباً دوليّاً صاعداً لديه ما يكفي من الموارد والإنتاج لتأمين الأمن الاجتماعي والسياسي، وفرص العمل والتعليم والصحة والسكن والاستقرار لكل أبنائها. لكن، هيهات.

أثارت نظريّة "طريق التطوّر اللارأسمالي" التي طرحها الحزب الشيوعي السوفياتي خلال منتصف القرن الماضي حول مسار الانتقال نحو الاشتراكية في دول العالم الثالث ، نقاشاً نظريّاً حادّاً داخل الحركة الشيوعية، حيث تبنّاها بشكلٍ رسمي لقاء الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمي والأحزاب الأقرب إلى الاتحاد السوفياتي وصارت إحدى ركائز السياسة الخارجية لدول المنظومة الاشتراكية، فيما رفضها طيفٌ واسعٌ من الأحزاب والمفكّرين الماركسيين وظلّت موضع نقاش داخل الحركة الشيوعية.

لا توجد مظلومية في تاريخ الشعوب الحديث تعادل في حجمها وعمقها واستهدافاتها السياسية مظلومية الشعب الفلسطيني. لقد شهدت العقود الماضية جريمةً تاريخية تمثّلت بسرقة الأرض وتهجير وقتل وحصار الشعب، وسط خطة محكمة للحركة الصهيونية، ومع دعم بريطاني ثم أميركي لا محدود طوال هذه الفترة كقاعدة متقدمة ذات دور ووظيفة لصالح القوى الامبريالية ومشروعها في المنطقة. وانعكست تلك الجريمة التاريخية على الدول المحيطة بفلسطين، حيث يعيش في كل منها الآن مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون أيضاً من التمييز والعنصرية والحرمان والتضييق والاستخدام الداخلي والاستغلال الطبقي، خاصة في لبنان والأردن.

استعرَتْ في الأشهر الأخيرة الهجمة الأميركية على جمهورية الصين الشعبية، وفق ما سُمّي بالحرب التجارية وهي في الواقع حربٌ تكنولوجيّة ذات أبعادٍ سياسية لأنّ لبّ الصراع على المستقبل يكمنُ اليوم في ريادة التفوق التكنولوجي في مجالات الاتصالات والذكاء الاصطناعي والعلوم التطبيقية. وقد لاحظ الأميركيون أنّ الصينيين، وخلافاً لتوقّعاتهم، قد بدأوا بالفعل بالتفوق في مجالات مستقبلية متعدّدة، آخرها البدء بالتصنيع العملي لتقنيات الجيل الخامس من الاتصالات (5G)، فيما لا يزال الأميركيون في مرحلة الأبحاث فيه.

الإدارة الأميركية اليوم بقيادة ترامب في عزّ هجمتها على شعوب العالم، من أمريكا اللاتينية إلى منطقتنا، وصولاً إلى الشرق الأقصى وأوروبا الشرقية، لكنّ هجمتها هذه ليست نتيجةٌ لصعودها، واستعادة قوى المركز الرأسمالي لريادتها الشاملة على العالم. بل تأتي هذه الهجمة في إطار المنحى التراجعي العام للنظام العالمي الأحادي القطب، وسط انسداد أفق التطور الرأسمالي، في محاولةٍ لمنع تقدّم التاريخ ووقف حالة التراجع مع كلّ ما تحمله هذه الوضعية من مخاطر نتيجة تهوّر القوى المتراجعة واستعدادها لفتح كل المعارك وفق سياسة الأرض المحروقة لتثبيت سيطرتها.

الصفحة 3 من 3