فيديل كاسترو الحاضر أبداً بفكره وثورة شعبه

شَعَرَ الشعب الكوبي ومعه القوى الثورية والتحرّرية في العالم في يوم 25 تشرين الثاني 2016 بخسارةٍ فادحة لا تعوَّض إثر رحيل القائد الكبير فيديل كاسترو. فهو الرمز الثوري الأبرز في العقود الأخيرة، وهو الذي قاد ثورة الشعب الكوبي إلى الإنتصار.

وقد أظهرت مسيرته التاريخية أنّ ممارسته الفكرية والسياسية، بدءاً من الشرارة الأولى في الهجوم على ثكنة المونكادا عام 1953، وصولاً إلى تحقيق الانتصار في بداية عام 1959، ثمّ إلى حماية هذه الثورة، أنه يمتلك قناعة فكرية عميقة ترتبط بظروف كوبا وبواقع الشعب الكوبي وطموحه إلى الحرية. فقاد شعب هذه الجزيرة وثورته في مواجهة أكبر وأشرس دولة إمبريالية وحقّقَ ورسّخَ انتصارها، رغم التهديدات والتحديّات والحصار الإمبريالي الأميركي. وفي ظلّ التغيير النوعي الكبير في الوضع العالمي بعد تفكّك الإتحاد السوفياتي ومنظومة أوروبا الشرقية، وانتظار الولايات المتحدة سقوط الثورة الكوبية بعدها، بقيت كوبا الثورة ودورها التضامني مع النضال التحرري الوطني والاجتماعي للشعوب. وكانت جذرية النهج الثوري في الفكر والممارسة وفي الترابط العضوي بين وجهَيْ الثورة الوطني والاجتماعي، هي العامل الأساس في تحقيق التحولات الجذرية الاقتصادية والاجتماعية داخلياً، وفي عدم الوقوع بأوهام التفاهم مع الدولة الإمبريالية. فلهذه الدولة واحتكاراتها الضخمة دوافع ومطامع واحدة، هي السيطرة على ثروات الشعوب وسرقة جهودها وعرقها، ومنعها من استخدام هذه الثروات لتحسين حياتها وتحقيق مصالحها الاستقلالية وطنياً واجتماعياً.
لقد حوّل هذا النهج كوبا من جزيرة ومرتع للولايات المتحدة إلى مثالٍ مضيء للحرّية، مُظهرا للشعوب وبخاصة في أميركا اللاتينية، إمكانية الانتصار. وقد تجلّى هذا المثال أيضاً في الدور البارز الذي قام به فيديل كاسترو في رئاسة حركة دول عدم الانحياز، وفي كشف التناقض العميق بين مصالح وأغراض الامبريالية وبين مصالح ومطامح الشعوب في الاستقلال الحقيقي والتحرّر من الظلم وطنياً واجتماعياً، ولإقامة نظام عالمي جديد أكثر عدالة في العلاقات الدولية.
ورغم رحيل هذا القائد الأبرز عالمياً، وخسارة كوبا-الثورة وجميع ثوّار وأحرار العالم، فإن ما تركه على صعيد التجربة والفكر والمثال، هو اليوم في أساس صمود المستمرّ لكوبا- الثورة، رغم الحصار الاقتصادي الإجرامي المدان الذي تفرضه الولايات المتحدة على الشعب الكوبي بكامله منذ 61 سنة. وها هي أميركا اللاتينية، تتحول بنضال شعوبها من حديقةٍ خلفية للولايات المتحدة الأميركية، إلى بلدان مستقلة وشعوب تواصل نضالها في سبيل حريتها والتخلص من سيطرة الامبريالية.
لقد جسّد هذا القائد الثوري الكبير في ممارساته وفي نهج كوبا الثوري الترابط بين الوطني والاجتماعي، وبين الوطني والأممي. فإلى جانب الإنجازات الداخلية لشعب هذه الجزيرة الجميلة، مارس سياسة تضامنية مع نضال الشعوب، ومنها شعبنا اللبناني ضد الاحتلال الصهيوني، ومع شعب وقضية فلسطين والشعوب العربية وغيرها.
وفي يوم الوداع الأخير في 4 كانون الأول من السنة نفسها، أظهر اصطفاف ملايين الكوبيين من هافانا إلى سانتياغو دي كوبا، مدى التقدير الكبير والمحبة والثقة المتبادلة بين الشعب وقائده، وهو سيبقى بفكره ونهجه في وجدان هذا الشعب والمثال الحيّ للشعوب الأُخرى وحركتها الثورية والتحرّرية.
تحية لذكرى هذا القائد التاريخي. تحية تضامن مع شعب كوبا الصديق.

*موريس نهرا، رئيس جمعية الصداقة اللبنانية الكوبية.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 411
`


موريس نهرا