تعيش مصر في السنوات الأخيرة محيطًا إقليميًا بالغ الاضطراب، تتداخل فيه الصراعات المسلحة مع التحولات الجيوسياسية، وتتقاطع فيه مصالح قوى إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى رأسها الكيان الصهيوني. هذا الواقع لا يمكن التعامل معه كأزمة عابرة، بل كبيئة استراتيجية جديدة تُختبر فيها قدرة الدولة المصرية على حماية مجالها الحيوي، والحفاظ على وزنها الإقليمي، والتعامل مع محاولات استثمار الفوضى المحيطة بها لإضعاف دورها أو عزلها. فحدود مصر باتت مناطق اشتباك سياسي وأمني تتقاطع فوقها مصالح أطراف متنافسة، بعضها يتحرك بوضوح لتعظيم نفوذه على حساب الأمن القومي المصري.
في الشرق، تتصاعد تداعيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وما تحمله من تهديد مباشر لسيناء والحدود المصرية. وفي الغرب، تستمر الفوضى الليبية في إنتاج أخطار أمنية واستراتيجية تتطلب يقظة دائمة. أما في الجنوب، فيتجه السودان نحو تفكك محتمل قد يفتح الباب لموجات نزوح وتدخلات خارجية تضغط على مصر بشكل غير مسبوق. كذلك تتقدّم أزمة الأمن المائي المتمثّلة ببناء سد عملاق في أثيوبيا على رافد أساسي لنهر النيل وهو شريان الحياة الأساسي في مصر. وإلى جانب هذه المخاطر المباشرة، تظهر تحركات إقليمية تتقاطع فيها أدوار إسرائيل وقوى دولية وإقليمية أخرى تحاول الاستفادة من هشاشة الجوار المصري لإعادة رسم موازين القوى وجعل القاهرة محاصرة بجوار متفجر وغير مستقر.
ضمن هذا السياق، يصبح السؤال المشروع اليوم: هل يجري بالفعل استغلال الأزمات المتفاقمة حولها لتطويق مصر؟
انعكاسات الأزمة الليبية
تواجه مصر تأثيرات جديّة نتيجة استمرار الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا منذ عام 2011. فالحالة الليبية، التي تتسم بانقسام سياسي وتفكك مؤسسات الدولة وبروز دور الميليشيات وانتشار السلاح، تجعل ليبيا ساحة مفتوحة للفوضى. وبحكم الجوار الجغرافي والحدود الطويلة الممتدة عبر الصحراء الشاسعة وغياب سلطة مركزية قوية في ليبيا، تبرز مسألة ضعف الرقابة على الحدود وانتشار التهريب وتجارة السلاح، كما يسهل عبور عناصر متطرفة أو شبكات إجرامية يمكن أن تهدد الداخل المصري.
إلى جانب الجانب الأمني، تأثرت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين، فقبل اندلاع الأزمة كان مئات الآلاف من المصريين يعملون في ليبيا، وكانت الحدود البرية تمثل مجرى للتجارة وحركة رأس المال. ومع تفاقم الوضع الليبي، قلّصت مصر الاعتماد الاقتصادي المتبادل واضطرت إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع الحركة الحدودية حيث أصبح الاستقرار الليبي جزءًا من معادلة الأمن القومي المصري.
ومع إدراكها لخطر امتداد الفوضى، اتخذت مصر مجموعة من السياسات لمواجهة هذا التهديد، بدءًا من تعزيز التموضع العسكري غرب البلاد، وإنشاء قواعد وبنى لوجستية هدفها إحكام السيطرة على الحدود، مرورًا بعمليات استخباراتية ومراقبة للشبكات المتورطة في تهريب السلاح والمقاتلين، وصولًا إلى سياسة خارجية تسعى للتواصل مع مختلف القوى الليبية من أجل دعم عملية سياسية تؤدي إلى بناء مؤسسات موحّدة وقادرة على ضبط الأراضي الليبية.
وفي هذا السياق، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة خلال المدى المنظور لناحية درجة استقرار ليبيا ومستوى التهديدات التي تترتب على ذلك بالنسبة للقاهرة.
فالسيناريو الأول يتمثل في إمكانية تحقيق استقرار نسبي داخل ليبيا، سواء عبر تسوية سياسية تفرز حكومة موحّدة أو عبر توافقات محلية تعمل على دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة. ومع أن هذا السيناريو يواجه صعوبات، إلا أنه يظل ممكنًا في حالة توفّر إرادة داخلية وتفاهمات إقليمية. مثل هذا التحول سيُشكّل نقطة تحوّل إيجابية بالنسبة لمصر، لأنه سيؤدي إلى تقليص التهديدات العابرة للحدود وفتح الباب أمام تعاون أمني واقتصادي يعيد العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
أما السيناريو الثاني فيقوم على استمرار حالة الجمود والانقسام التي طبعت المشهد الليبي خلال السنوات الماضية، بحيث لا تندلع حرب شاملة ولا يتحقق اختراق سياسي حقيقي، بل تستمر الهياكل المتوازية، وتظل الميليشيات فاعلًا رئيسيًا. في هذا الوضع، تبقى الحدود المصرية-الليبية مصدر قلق مستمر، وتظل مصر مضطرة إلى تخصيص قدر كبير من الموارد لتعزيز الرقابة والمراقبة الاستخباراتية، مع غياب أي ضمانات على المدى البعيد.
ويتوقع السيناريو الثالث احتمال انزلاق ليبيا نحو مستوى أعلى من الفوضى، سواء بسبب انهيار مفاجئ لإحدى السلطات القائمة أو اشتعال مواجهة واسعة بين القوى المسلحة. وتُعدّ هذه الفرضية الأكثر خطورة بالنسبة لمصر، لأنها قد تفتح الباب أمام موجات تهريب أكبر، أو تسلل جماعات مسلحة، أو حتى حركة نزوح باتجاه الحدود الشرقية. مثل هذا الانهيار قد يدفع مصر إلى اتخاذ إجراءات أشد، وربما تدخلات محدودة لاحتواء الأخطار المباشرة.
وما بين الاستقرار النسبي والانهيار المحتمل، تظل مصر في موقع يستوجب التأهب الدائم لكل احتمالات المستقبل.
المشهد السوداني وتداعياته على الأمن القومي المصري
يمثل الوضع السوداني الراهن تحديًا مركبًا لمصر، إذ إن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم تؤدِّ فقط إلى انهيار شبه كامل في مؤسسات الدولة، بل كشفت عن هشاشة اجتماعية واقتصادية تراكمت عبر عقود من التهميش الطبقي والمناطقي والصراعات الداخلية. ومع انهيار السلطة المركزية وتراجع قدرتها على إدارة الإقليم، توسّعت مساحة الفوضى، وبرزت قوى محلية ومسلحة تتحرك بمنطق النفوذ والأمر الواقع، وهو ما يجعل السودان ساحة مفتوحة أمام شبكات التهريب، والتنافس الإقليمي، والتدخلات الخارجية.
وبالنسبة لمصر، لا تبدو هذه الفوضى مجرد أزمة تقع على حدودها الجنوبية، بل مصدر تهديد مباشر. فالحدود الممتدة عبر مناطق ريفية وجبلية وهشة اقتصاديًا تتحول في غياب الدولة السودانية إلى معبر مفتوح، يمكن أن تتدفق عبره موجات نزوح كبيرة هربًا من القتال، أو شبكات تهريب تتاجر بالبشر والذهب والسلاح، أو عناصر مسلحة تبحث عن مجال حركة جديد. كما أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن اللجوء الكثيف قد تُحدث تغيرات ديموغرافية في جنوب مصر، وتفرض على الدولة تكلفة أمنية وإنسانية متزايدة. ومع تفكك السودان تدريجيًا، يتآكل المجال الاقتصادي الذي كان يشكل جزءًا من الامتداد الطبيعي للتبادل التجاري والزراعي مع مصر، ما يضيف بُعدًا استراتيجيًا آخر للأزمة.
في مواجهة هذا الواقع، عزّزت مصر حضورها الأمني على الحدود، ورفعت من مستوى مراقبة التحركات، وسعت عبر قنوات دبلوماسية وإقليمية لدعم مسار سياسي يوقف الانهيار. إلا أن حجم الفوضى في الداخل السوداني يجعل هذه الإجراءات ضرورة دائمة لا خيارًا مؤقتًا، مع بقاء احتمال انتقال الاضطراب قائمًا طالما لا توجد دولة قادرة على التحكم في أراضيها.
تقوم المسارات المستقبلية للسودان على تفاعل معقد بين موازين القوى الميدانية، والضغوط الدولية، وقدرة المجتمع السوداني ذاته على لملمة أطرافه. وأيًّا يكن الاتجاه، فإن انعكاساته على مصر ستكون حاضرة بقوة. قد يشهد السودان، في سيناريو إيجابي نسبيًا، تبلور تسوية توقف القتال وتؤسس لسلطة انتقالية قادرة على إعادة بناء مؤسسات الدولة ولو بشكل تدريجي. ورغم أن هذا السيناريو يتطلب توافقات وازنة ورغبة حقيقية في إنهاء الحرب، إلا أنه يبقى ممكنًا.
أما الاحتمال الثاني، وهو الأكثر واقعية في المدى القريب، فيقوم على استمرار الحرب من دون حسم، بحيث يتوزع السودان بين مناطق نفوذ متعددة تعمل وفق منطق الميليشيات أو الإدارات المحلية. هذا الوضع، وإن توقف فيه القتال أحيانًا، يبقى هشًا وقابلًا للانفجار في أي لحظة. بالنسبة لمصر، سيعني ذلك حدودًا مرهقة، وارتفاعًا في نشاط التهريب، وتفاوتًا في معدلات النزوح، ما يفرض أعباء مستمرة على الدولة المصرية وإجراءات أمنية قد لا تنقطع لسنوات.
أما السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيتمثل في انزلاق السودان نحو تفكك فعلي وصولاً الى تقسيم جديد، حيث تتحول الأقاليم إلى كيانات شبه مستقلة تُدار بقوة السلاح أو الولاءات المحلية. في هذا السياق، ستتسع الفوضى ويتعاظم خطر التدخلات الخارجية، ما قد يحول الحدود الجنوبية لمصر إلى منطقة مفتوحة أمام الهجرة الجماعية والمهربين والميليشيات. هذا السيناريو قد يفرض على مصر خيارات أمنية أكثر صرامة، وربما ترتيبات دفاعية جديدة لضمان عدم انتقال الفوضى إلى داخلها.
وبين هذه المسارات الثلاثة، يبقى العامل الحاسم في حماية الأمن القومي المصري هو القدرة على إدارة حدود مع دولة تتغير ملامحها بسرعة وتفتقر إلى استقرار داخلي.
سدّ النهضة في أثيوبيا والأمن المائي المصري
يمثّل ملف سدّ النهضة الإثيوبي أحد أخطر عناصر الضغط الاستراتيجي على مصر في العقد الأخير، ليس فقط بسبب تهديده المباشر لحصة مصر التاريخية من مياه النيل، بل لأنه يفتح الباب أمام إعادة صياغة موازين القوة في حوض النيل بصورة قد تفضي إلى تطويق مصر من زاوية مختلفة تمامًا: زاوية الأمن المائي. فالمياه، في الحالة المصرية، ليست موردًا اقتصاديًا يمكن تعويضه أو استيراده، بل هي شرط وجودي يرتبط بتاريخ الدولة المصرية منذ آلاف السنين. ولذلك، فإن نجاح إثيوبيا في فرض أمر واقع عبر تشغيل السدّ وملئه من دون اتفاق مُلزم، لا يُقرأ فقط كتطور تقني، بل كتحوّل جيوسياسي يحدّ من قدرة مصر على التحكم في شريان حياتها الأساسي.
إنّ خطورة الموقف لا تكمن في السدّ وحده، بل في البيئة السياسية والدولية التي تحيط به. فإثيوبيا، التي لها الحق الطبيعي باستغلال مواردها الطبيعية ومنها الماء، تتحرك بدعم من قوى دولية وإقليمية تسعى إلى إعادة توزيع النفوذ في إفريقيا. ومن خلال بناء السدّ على نحو أحادي، تسعى أديس أبابا إلى تثبيت نفسها مركزًا إقليميًا صاعدًا يفرض شروطه على جيرانه، مستفيدة من ضعف النظام الإقليمي الإفريقي ومن انشغال مصر بأزمات محيطها العربي. هذا السياق يمنح إثيوبيا هامش مناورة واسعًا لفرض حقائق جديدة، ويحوّل المياه إلى أداة قوة يمكن أن تستخدمها بشكل تدريجي في الضغط السياسي أو الاقتصادي على القاهرة.
في الوقت نفسه، يؤدي السدّ إلى تقييد قدرة مصر على التخطيط طويل المدى في مجالات الطاقة والزراعة وإدارة الموارد، ويجعلها أكثر عرضة للتقلبات المناخية ولفرضيات الجفاف الممتد. ومع غياب اتفاق قانوني يضمن تدفقًا آمنًا للمياه، تصبح مصر عمليًا في موقع دفاعي دائم، حيث يتحول منبع النيل الأزرق إلى نقطة ضعف استراتيجية، يمكن استغلالها في إطار أوسع من الضغوط التي تتعرض لها البلاد ليكتمل بذلك ما يشبه حلقة تطويق غير مباشرة، تعتمد في هذه الحالة على سلاح المياه.
الخطر الصهيوني على مصر
تواجه مصر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الإقليم واحدًا من أكثر التحديات تعقيدًا منذ عقود، وهو التحدي المرتبط بالكيان الصهيوني، سواء عبر سياساته العسكرية المباشرة، أو عبر التحولات الجيوسياسية التي يسعى لفرضها في محيط مصر المباشر، أو عبر استثمار الفوضى في ليبيا والسودان لإعادة تشكيل خرائط القوة الإقليمية بما يقلّص الدور المصري ويضعفه.
الخطر المباشر المرتبط بسياسات إسرائيل العسكرية: شهدت السنوات الماضية تراجعًا في القيود المفروضة على إسرائيل داخل الإقليم بعد سلسلة من التحولات الإقليمية والدولية وتغيّر موازين القوى، وهو ما مكّنها من توسيع هامش الفعل العسكري والسياسي. وعلى الرغم من أن الحرب الإسرائيلية المباشرة ضد مصر لم تعد مطروحة كما كانت في القرن الماضي، إلا أن مفهوم الخطر لم يختفِ، بل تغيّر شكله وحدوده. فالقدرات العسكرية الإسرائيلية نوعيًا وتكنولوجيًا تتطور بوتيرة عالية تشمل مجالات الطائرات النفّاثة وكذلك المسيّرة المتقدمة، أنظمة الدفاع الصاروخي، والحرب الإلكترونية، إضافة إلى تعاون وثيق مع الولايات المتحدة يضمن لإسرائيل تفوقًا نوعيًا دائمًا في المنطقة. هذا التفوق يُستخدم ليس فقط في الدفاع، بل في فرض ميزان قوة مختلّ يسمح لإسرائيل بالتحرك بحرية في محيطها المباشر. ومع تزايد الحضور الأمني والعسكري الإسرائيلي في البحر الأحمر وفي نقاط استراتيجية حوله، يتشكل وضع يمكن أن يُستخدم مستقبلًا لإحاطة مصر من الجهة البحرية أو التأثير على حرية حركتها في خطوط التجارة الحيوية.
الحرب على غزة كعامل تهديد مباشر وغير مباشر لمصر: حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة تحمل أبعادًا تتجاوز الجانب الإنساني إلى حسابات الأمن القومي المصري. فالتصفية الممنهجة للبنية الاجتماعية الفلسطينية في القطاع، وتدمير مقومات الحياة فيه، هي سياسة لا يمكن قراءتها بمعزل عن تفكير استراتيجي يتطلع إلى إعادة إنتاج خريطة غزة على نحو يخدم الأمن الإسرائيلي خاصةً في ملف التهجير إذ أنّ كل محاولة إسرائيلية لدفع سكان غزة نحو رفح أو سيناء تشكل تهديدًا وجوديًا للأمن القومي المصري، لأنها تمسّ بطبيعة الحدود وتخلق واقعًا ديموغرافيًا جديدًا لا يمكن التراجع عنه. كذلك تقوم إسرائيل باستغلال الحرب لتعديل الأمر الواقع على خطوط التماس لتوسيع دورها الأمني في مناطق قريبة من الحدود المصرية، وإعادة تشكيل غزة بما يفتح الباب لوجود دولي أو إسرائيلي طويل الأمد، وهو احتمال يضغط على الدور المصري التاريخي كضامن للوساطة فيها.
التهديد عبر ليبيا والسودان في إطار تطويق مصر: لا ينفصل الحضور الإسرائيلي المتزايد في ليبيا والسودان عن تصور استراتيجي شامل، فإسرائيل تدرك أن الفوضى في هذين البلدين تفتح أبوابًا واسعة أمام إعادة تموضع عسكري وأمني واستخباراتي قد يتحول في المستقبل إلى أداة ضغط على مصر.
في السودان، تسعى إسرائيل إلى تثبيت نفوذها عبر شراكات أمنية وعلاقات اتصال تمّ الإعلان عن بعضها زمن البشير، وتوسعت بعد سقوطه. ومع الانهيار السياسي الراهن، يصبح السودان ساحة مفتوحة يمكن لقوى خارجية استغلالها لتعزيز وجود طويل المدى في البحر الأحمر وممراته الاستراتيجية، وهو ما يشكل ضغطًا غير مباشر على مصر التي تعتمد على هذا المجال البحري كعمق استراتيجي واقتصادي. أما في ليبيا، فالفوضى وغياب الدولة يفتحان المجال لتدخلات متعددة، وسط وجود معلومات متكررة عن اتصالات إسرائيلية بأطراف داخل المشهد الليبي، حيث يبدو أنّ الهدف هو بناء نقطة ارتكاز في غرب مصر تعزز فكرة التطويق الجيوسياسي عبر الضغط من الشرق (غزة)، والجنوب (السودان)، والغرب (ليبيا). هذا الاحتمال، يجعل التعامل معه ضروريًا من منظور الأمن القومي المصري.
إنّ الخطر الإسرائيلي على مصر اليوم ليس خطرًا عسكريًا مباشرًا بقدر ما هو إعادة هندسة لمحيط مصر الاستراتيجي. فالحرب على غزة، وتنامي النفوذ في السودان، ومحاولات التمدد داخل ليبيا، كلها حلقات في مسار قد يهدف إلى محاصرة الدور المصري وإعادة ترتيب المنطقة على نحو يحصر قوة القاهرة نفسها. ولهذا، فإن حماية المجال القومي المصري لا تقتصر على إدارة الحدود، بل تفترض رؤية إقليمية شاملة تحافظ على الوزن الفاعل لمصر وتمنع انكشافها أمام أي ترتيبات قد تستهدف تطويقها أو إخضاعها جيوسياسياً.