شبح الظلام بدأ يهدّد لبنان فعلياً

 

في ظلّ أزمة الكهرباء المتفاقمة وأزمة المازوت بات اللبنانيون يرون أضواء الشموع تلوح بالبعيد منذرة بظلام حالك سيهيم على لبنان في العاجل القريب. يعاني قطاع الطاقة في لبنان من مشاكل مزمنة راكمت على خزينة الدولة عشرات مليارات الدولارات من دين عام أتى بشكل أساسي من كلفة الإنتاج المرتفعة جداً المتأتي من عدم إستخدام الغاز لإنتاج الطاقة، لارتباطه باستيراد الفيول عبر احتكارات تابعة لأحزاب السلطة.

إن الشعب اللبناني يعي جيداً مدى خطورة الوضع الذي سيؤول إليه في الأيام المرتقبة حيث أنه بات من الطبيعي جداً أن يرتقب زيادة ساعات التقنين في التيار الكهربائي خلال أيام فصل الصيف، إنما الآن بات يُحدِق بالمواطن خطر أكبر بعد مشكلة المازوت من شحّ واحتكارات ناهيك عن تهريبه إلى سوريا!

لطالما كانت المولّدات الخاصة في المناطق اللبنانية وحتى في العاصمة تعتبر الملاذ الآمن لا بل الباب المخلّص للهروب من التقنين، إلاّ أن حتى هذا الباب يبدو وكأنه سيؤصد أيضاً في وجه الشعب حيث أنّ هذا الحل أيضاً لن ينفع نظراً لعدم توافر مادة المازوت في محطات المحروفات، مما أجبر بعض البلديات لضرب ناقوس الخطر منذرين بظلام حالك سيحل بالمناطق اللبنانية طالبين من المواطنين اتخاذ إجراءات احترازية من تحضير لوسائل الطاقة للإنارة في الليل أو للخدمة في النهار بحسب ظروف التقنين تسييراً للأمور لحين انتهاء الأزمة علماً أنه حتى سعر الشموع بات يرتفع مؤخراً بالتزامن مع باقي الموارد.

أزمة المازوت بدأت تطال قطاعات حيوية. حتى في السوق السوداء يصعب إيجاد المازوت بأقل من 18 ألف ليرة، في ظلّ إجراءات خجولة لضبط المخالفات. مخزون منشآت النفط شارف على النفاد. المشكلة الأساس أن مصرف لبنان يتأخر في فتح الاعتمادات، ولا حلول في الأفق طالما أنه يُصرّ على الاستنساب.المازوت تحديداً سيبقى مفقوداً في الأسواق. التهريب واحد من الأسباب، لكن التخزين يفاقم الأزمة، خاصة في ظلّ غياب أيّ تحرّك فعلي من السلطات لكبح هذه الظاهرة. لا أحد يملك الإجابة عن حجم المبيع لمعرفة حقيقة وضع السوق. الجهات الثلاث القادرة على تحديد مجموع الكميات المهرّبة والمخزّنة، أي مصرف لبنان ووزارة الطاقة والجمارك، تتجنّب ذلك.

بالأمس القريب رأينا كيف الحكم القوي قد حضّ الحكومة لوضع خطة كهربائية استنسابية تدور في فلكه السياسي و محورها معمل سلعاتا، فقد وصفت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني في مؤتمرها الصحافي التقرير الدولي بالمزوّر و عاد الوزير الحالي ريمون غجر و جمل التوصيف بقوله نهار الأحد 21 حزيران بأن التقرير الفرنسي لا يزال غير نهائي، فهنا يبرز جليا ًلنا كيف يعملون على تغيير المعطيات لغاية في نفس يعقوب.فإذا نظرنا للتسلسل الزمني لخطة الحكومة يظهر لنا السطو الممنهج الذي يمارسه أصحاب العهد القوي للاستحواذ والهيمنة على مشروع تطوير قطاع الطاقة في لبنان، ففي 5 أيار جاء التقرير الفرنسي ليعلن بأن الطاقة المتجدّدة هي أفضل خيار للبنان للحصول على التيار الكهربائي، وهذا ما صدّقته الحكومة في 14 أيار بحيث قام مجلس الوزراء بإلغاء مشروع معمل سلعاتا، إلا أن وزير الطاقة قام بتحضير عرض للحكومة مؤلف من 20 صفحة خصص فيه 10 صفحات عن معمل سلعاتا من بعد ما تمّ إسقاطه في مجلس الوزراء ثم عاد في 29 من الشهر نفسه وطلب إعادة النظر بقرار إسقاط معمل سلعاتا.

ما كان إذاً، هو استدراك الوزير غجر لكلام سابقته ندى البستاني إلا تمهيداً لتحويل وصفهم للتقرير الفرنسي من مزوّر إلى اعتباره مجرّد مسوّدة. فارتكزوا على أنها مسوّدة تتضارب مع مصالحهم السياسية الفيدرالية فذهبوا لتغيير المعطيات لتتلاءم مع مصالح التيار القوي ليصبح أمراً واقعاً و يقوم معمل سلعاتا.
إنّ الأسلوب المعتمّد من الوزيرين الأخيرين ما هو إلا تتابع لسلوكية رئيس التيار السياسي اللذين يمثلانه، بحيث لطالما كانت خطة عمله مرتكزة على خطاب تقسيميّ وطائفي بحيث يصرّ على قيام مشروعه ما دام يصبّ في مصلحته السياسية. فنرى إصراره على معمل سلعاتا الذي أشارت عدة دراسة على عدم جدواه إلا أن الوزير باسيل يصرّ على أخذه على منحى طائفي سياسي، بحيث يريد معملاً في منطقة يصنّفها بالمسيحية أسوةً بمعمل البداوي في الشمال ومعمل الزهراني في الجنوب.

تتفانى الحكومة الحالية بنسف المصداقية للمؤسسات الدولية والشركات الاستشارية الدولية رضوخاً عند مشيئة التيار الوطني الحر. ناهيك عن عدم الإحترام التقني و العلمي لأصحاب الاختصاص من نقابيين وقطاعات مهنية يشاد لها بمهنيتها و حرفيّتها على مدى أعوام في وطننا. قطاع المهندسين في الحزب الشيوعي، على سبيل المثال، كان قد وضع مجموعة من الحلول المقترحة لقطاع الطاقة في لبنان. فقد أشار قطاع المهندسين في الحزب الشيوعي بأهمية إحالة ملفات قطاع الكهرباء منذ 1992 حتى الآن على القضاء المختص وبإشراف لجنة من الإختصاصين ومحاسبة كلّ من تظهر مسؤوليته عن الهدر وسوء التخطيط وسرقة الأموال، وإعادتها إلى خزينة الدولة كما رفض خطة الدولة المعتمدة على الشراكة مع القطاع الخاص لأنها تجربة أثبتت فشلها في العالم ووضع خطة سريعة لتأمين الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ورفض خطة الدولة لإنشاء ثلاث محطات في بلد صغير مثل لبنان والاكتفاء بمحطة واحدة، فنكون بذلك قد وفّرنا ٢ مليار دولار وإعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان فنياً وإدارياً ومالياً وإعادة هيكليتها كي تتمكن من إعادة إعمار القطاع.

فهل ستكتفي المنظومة الحاكمة بالسرقة والنهب المستمرّ في هذا القطاع؟ أم سنعود الى "العصر الحجري" .. أمّ أنّ محاولات تقسيم البلد تمرّ من خلال " فيدرالية كهربائية ". أسئلةٌ برسم "العهد القوي".

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 380
`


كريم العطروني