أردوغان وأحلام إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية

 

 يتوقف المراقبون السياسيون، والراصدون لطبيعة الحراك التركي في المنطقة ملياً امام الطابع الاستفزازي والعدواني للقطع البحرية، وسفينة التنقيب عن الغاز والنفط شرق المتوسط. يترافق ذلك، مع تصريحات رعناء شبه يومية، للرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، تذكّرنا بمواقف وجبروت السلاطين العثمانيين، وما اقترفوه من استبداد واستعباد وإحتلال لبلدان عدّة حيث وصلت جيوشهم الى بلدان في أوروبا الشرقية والشرق الاوسط وأفريقيا.

كذلك يفعل اردوغان الآن، الذي كما يبدو لديه قناعة راسخة، مع نفحة من جنون السلطة والعظمة، وأطماع وطموحات وأحلام، باعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية البائدة حيث أنّ آخر حلقة من مغامراته العسكرية، هي التدخل المباشر في الصراع باقليم ناغورني كاراباخ، والحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا والنزاع بينهما على الاقليم.
راحت تركيا تزوّد أذربيجان بالاسلحة وتشجعها على المضيّ بالحرب، خاصةً وأنّ لتركيا قاعدة عسكرية في هذه الدولة، كما أنّ اردوغان أرسل مئات المرتزفة السوريين، من مناطق سيطرة تركيا في سوريا الى أذربيجان، كما سبق و فعل في ليبيا وبلدانٍ اخرى. وعوضاً عن الدعوة الى وقف القتال، التي صدرت عن بلدان عدّة ومنظمة الامم المتحدة، تعمد أنقرة الى التحريض على متابعة المعارك والحرب الدائرة، وتقديم كل الدعم العسكريّ لاذربيجان، حيث يتضحّ أنّ اردوغان يطمح الى توسيع نطاق نفوذه في منطقة جنوب القوقاز، بحيث يُستعاد التاريخ لانّ أراضي الامبراطورية العثمانية قديماً كانت قد امتدّت الى هناك، والجيوش الانكشارية في فتوحاتها عبر التاريخ.
واذا تمّ هذا الانتشارالعسكري والاستراتيجي لانقرة، يعني سيكون ممتداً على مساحة أكثر من 3 الاف كيلومتر، ويمتد هذا الشريط من جنوب القوقاز، الى شمالي افريقيا، مروراً بالشرق الاوسط والخليج العربي، وصولاً الى القرن الافريقي. كيف ذلك؟


سوريا وليبيا
التدخل التركي في شمال سوريا، يمكن القول انه واحد من أكبر العمليات العسكرية للجيش التركي، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، وبعد الحرب العالمية الاولى، حيث قام الجيش التركي بالاستيلاء على مناطق واسعة من شمال سوريا، تحت حجة محاربة داعش والقوات الكردية؟! كما أنّ الجيش التركي قام بانشاء ميليشيات موالية له من اللاجئين السوريين، وهي التي نصبت مئات الخيام لاستقبالهم، وقبل نشوب الحرب واندلاع المعارك في سوريا. كان للنفوذ التركي ليمتدّ أكثر ويطال منطقة الجنوب السوري، لولا تدخل روسيا وإيران وحتى الولايات المتحدّة الاميركية، حيث أنّ هذه الأطراف نجحت وفي أوقات محتلفة من كبح جماح اردوغان وشهيته العدوانية ورغبته بالإستيلاء على الأراضي. بالإضافة الى تدخلّه في سوريا، فقد أرسل اردوعان مرتزقته الى ليبيا، مدعومةً بقوّات بريّة وبحريّة وطائرات مسيّرة. يهدف هذا التدخل العسكريّ المباشر الى دعم حكومة فايز السرّاج، وهو المقرب من الاخوان المسلمين- حلفاء حزبه العدالة والتنمية. ومن خلال الوجود العسكري، كانت تركيا تهدف الى تحقيق مكاسب مادية، للاستحوازعلى مناطق في مياه المتوسط، حيث تتنازع تركيا مع قبرص واليونان، للحصول على ثروات الغاز الموجودة هناك.
العراق وقطر والصومال
أمّا الدور التركي في العراق فقد بات معروفاً للجميع وهو الاستيلاء على النفط كما فعلت تماماً في سوريا. وقد أنشأت لهذه الغاية ١٠ قواعد عسكرية هناك. وتخطّط لتوسيع رقعة وجودها، تحت شعار الحفاظ على أمنها القومي، في حين حقيقة الامر تفيد بأنها تخطّط لاطالة وجودها العسكري الاستعماري. انّ هدف الدولة التركية، وعلى رأسها آردوغان، ينصبّ علي تأمين أكبر قدر ممكن من الثروة الغازية والنفطية الموجودة في قاع الأرض لانها تدفع أكثر من 50 مليار دولار من ميزانيتها لاستيراد النفط، فهي لم تجد النفط في أراضيها رغم كلّ محاولاتها اليائسة في التنقيب عنه دون جدوى.
أحلام اردوغان في بناء الامبراطورية العثمانية امتدّت الى الخليج، فأصبح لتركيا قاعدتين عسكريتين "الريان"و"طارق بن زياد" في قطر. وكذلك افتتحت تركيا واحدة من أكبر القواعد العسكرية في الصومال وذلك بحجّة تدريب القوات الصومالية، ولكن الهدف المستتر هو تعزيز الوجود التركي في القرن الافريقي.
قبرص
لم تكتفي تركيا باقتطاع اقليم، جلّ سكانه من الاتراك المهاجرين، عن قبرص واعلان انفصالها عن الدولة الأمّ -لم يعترف بها العالم أجمع الاْ انقرة- بل راحت تجوب القطع البحرية التركية، في مياه المتوسط، وفي المياه الاقليمية لدولة قبرص، وتنقّب سفينتها عن النفط والغاز، بحركات استفزازية يومية، في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجزيرة قبرص، غير آبهةٍ بالقوانين والاعراف الدولية، مما يعني وجود تركي على حساب قبرص.
هذا التباهي لاردوغان ب"تصدير الارهابيين" الى دول عدة أمام الاوروبيين، والغطرسة العسكرية، لا تعني الا أمراً واحداً وهو أنّ الرئيس التركي يحلم باعادة أمجاد السلطنة والامبراطورية العثمانية البائدة.