نساء أفغانستان في مواجهة طالبان بعد المغتصِب الأبيض: نحو تقرير المصير وصناعة القرار

"العشب الذي يُداس عندما تتصارع الفيلة". مثلٌ فييتنامي قديم يصف وضع النساء في الحروب وبعدها. أستسمح النساء على وضعهنّ في تشابيه قاسية كهذه، وأستسمح الفيلة على تشبيه الوحوش البشرية بهم. وطبعاً لا أقصد حصر النساء بأدوار الضحية والمغبونات والعاجزات، لكن الواقع يلحّ على المرء التطرف في وصف بعض المشاهد السياسية. وللحقيقة، فإن جميع الحروب والصراعات في التاريخ تؤكد، رغم موت الرجال في الصفوف الامامية وبالنار المباشرة، أن النساء هنّ أكثر من يدفع الثمن قبل الخروب وبعدها. مهما كان المنتصر، فإن النساء خاسرات ما لم ينتصرن بأنفسهن، أي ما لم يكنّ أساس السياسة بعد الحرب، حتى ولو كان المنتصر تقدميّا، فإن النساء في وضع رجعي ما لم يشاركن بشكل كبير ومباشر في صناعة القرارات وتوقيع المعاهدات واتفاقيات ما بعد الحرب، فكيف إذا كان المنتصر رجعيّ؟ 

وقبل الاكمال، أود طمأنة الرفاق أصحاب الحساسية العالية بأني أعرف جيداً بأن الصراع ليس صراعاً بين الجنسين، إنما الكوارث لا تقاس بالاقتصاد وحده أيضاً. 

بالأمس القريب، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إنسحابها من أفغانستان بعد احتلال دام عشرين عاماً، لتعود حركة طالبان وتبسط سيطرتها على البلاد، وتتصدر الصحف العالمية ونشرات الاخبار وحديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي. خبر استلام طالبان للبلاد كان بمثابة القنبلة النووية للشعب الأفغاني، نساءً ورجالاً وأطفالاً. كل من على الأرض أصابه الهلع وسارع للهرب من أقرب باب مفتوح، حتى أن بعضهم قد تعلق بدواليب الطائرات المغادرة لأفغانستان. تحدثت بعض النساء عن الرعب الذي تمكن منهن في اللحظة التي علمنَ بها بالخبر المشؤوم، وكيف كنّ يسارعنَ للعودة الى المنزل والاختباء قبل أن يقعنَ بيد الوحش الارهابي. كثير من المقالات والمنشورات وكلمات التعاطف مع أهل أفغانستان لا سيما النساء منهم، أراء متعددة وكثيرة ومنها المتضاربة جميعها ينعي حرية النساء ويشفق عليهن. وتكاد لا تخلو منشورات السوشال ميديا من قصص جديدة لنساء أفغانيات يروينَ قصصهن ومعاناتهن مع طالبان. 

في بال الجميع منّا، عودة طالبان الى الحكم تعني توقف النساء عن العمل والتعلم والخروج من المنزل بحرية وبلباس يخترنَه بأنفسهنّ. عودة طالبان الى الحكم تعني ان النساء ستُعاقب بقساوة وشدة على ممارسة حقوقهنّ البديهية. عودة طالبان تعني أن النساء عدنَ لكونهنّ جماداً يمتلكه الرجال، لهم الحق في شرائه وبيعه والتحكم بأدق تفاصيل حياته. على الاقل هكذا كانت طالبان قبل دخول الاميركي الابيض الى أفغانستان. ورغم تأكيد القيادة في طالبان على أنهم "سيتساهلون" مع النساء في الخروج من المنزل والتعلم والعمل بل وحتى المشاركة في السياسة، ورغم تفاؤل بعض الاحزاب اللبنانية، وغير اللبنانية، في تغيّر حركة طالبان بشكل إيجابي، إلّا أن النساء في أفغانستان، أي المعني الأول والوحيد، يرفضن هذه الحياة ويمقتنها، بل ويحاربنها رغم الرعب، ورغم قساوة رد طالبان على هذه المقاومة. 

في أي فرصة نتمكن فيها من رواية معاناة أخواتنا النساء في أي منطقة من الارض، لا نتردد. لذا لسنا في صدد التوقف عن الحديث فيما يخص طالبان ووحشيتها وإرهابها وذكوريتها وتطرفها وخطرها على البلاد والسياسة والانسان، ولا سيما النساء. لكننا لن ننسى في حديثنا، توجيه الاصابع على الأميركي وجيشه وسياساته الليبرالية التي تشاركها فيها الكثير من الدول الغربية، التي نحتفل "بنسويتها" وإحترامها لحقوق النساء يومياً. إن أميركا البيضاء التي سمحت للنساء الأفغان بالخروج من المنزل وحدهن والتعلم والعمل، لم تكن أقل ذكورية من طالبان الّا بالقدر الذي يجعلها أجمل بعين العالم. كثيرة هي الاخبار والروايات التي نعرفها عن إقدام الجيش الاميركي على إغتصاب الافغانيات والعراقيات وغيرهنّ، هذا عدا عن إغتصاب زميلاتهن في الجيش والاعتداء عليهن بالضرب. ثم إن قتل النساء وتعذيبهن وإبتزازهن وإحتلالهن ليس بالأمر التقدمي. ومع هذا فإنك تكاد لا تسمع الا القليل القليل عنهم، لماذا؟ لأن التصويب على طالبان يتطلب مجهوداً أقل في التفكير والكتابة وتكلفته السياسية أقل "وأخف لبكة". كيف ننتقد الليبرالية ونحن نكتب بأقلامها ونرى بعينها؟ 

عام ٢٠١٢، قامت حركة طالبان الارهابية بقتل مالالا يوسافزاي بطلقة برأسها لأنها قامت بحملة تطالب بحق النساء في التعلم، وقد عُرفت منذ حينها على أنها واحدة من أشجع نساء العالم... وهي كذلك. وفي البلاد نفسها، في أفغانستان، عام ٢٠٠٥ أصبحت مالالي جويا أصغر إنسان يصل الى البرلمان الأفغاني قبل أن يتم فصلها من البرلمان عام ٢٠٠٧، بعدما هاجمت علناً وجود زعماء حرب أميركيين في البرلمان الأفغاني، والذين قالت عنهم مالالي بانهم كارهين ومعادين للنساء تماماً كطالبان، وبأنهم هددوها بالاغتصاب علناً في إحدى جلسات البرلمان المفتوحة. لقد نجت جويا منذ حينها من عدة محاولات إغتيال وقد أجبرت على لبس البرقع، ليس بسبب طالبان بل لحماية هويتها للنجاة من محاولات الاغتيال. من منكم يعرف هذه القصة؟ أمن منكم يعرف جويا؟ هذا لأن الاعلام لم يتجرأ يوماً على كشف أنياب الليبرالية ونفاق الدول البيضاء. ليس الهدف هنا المقارنة طبعاً، فالإمرأتين بطلات. من واجهت طالبان ومن واجهت الأميركان، كلاهما دفعت ثمن كسر الصمت والمحاربة من أجل حقوقها، وهذا هو الهدف فعلاً، أن نرى ونفهم أن النساء ضحايا الحروب والسياسات والدول بمختلف الايديولوجيات، ولم يظهر رجال الحرب من أي دولة كانت، ومهما إدعت التقدمية، أي سلوك مختلف عن الاغتصاب والتحرش والسبي والقتل... حتى الاتحاد السوفييتي. وهذا إن كان يعني شيئاً فهو أن على الاقليات والمهمشين ان يتحدوا حتى ضمن الطبقة الواحدة لحماية أنفسهم، وخاصة النساء اللواتي يعانين بالحرب وبعدها، حتى في السلم يعانين... وهذا ليس بغرض شرذمة القوى القوى الثورية أو الوطنية أو أو، إنما من يدفع أثمان باهضة لا بد من أن يتجهز بشكل. 

ما غفلت المقالات عنه، أو ما نسِيَت أن تركز عليه، هو خروج النساء في مظاهرات وتنظيم أنفسهن في مواجهة طالبان للدفاع عن حقوقهن. نحن مظلومات وضحايا نعم، لكننا عبر التاريخ لم نُظلم دون أن نقاوم ونحارب، والحل اليوم في أفغانستان ليس هروب الشعب واختباء النساء للأبد، إنما الحل هو في المقاومة، وهذا ما يفعله الأفغان من دون نصائحنا. إن النساء لن ينتظرنَّ المنتصر في الحرب بعد اليوم لمعرفة مصيرهن، فهنّ قادرات على قلب الموازين والمشاركة في تقرير المصير الذي يناسبهنّ ويناسب شعبهنّ. إن العشب قد يلعب دوراً في إزلاق الفيلة، لينمو بحرية.