البركان الفلسطيني وتواصل الانهيار اللبناني المتواصل

بعد 73 عاماً على غرس الكيان الصهيوني في أرض فلسطين العربية، بقوة المجازر والدعم الاستعماري الذي لم ينقطع، وتخاذل الأنظمة العربية، وبعد الممارسات العنصرية والتوسعية وقضم ما تبقّى من أرض فلسطين المحتلة، سقط الرهان الصهيوني. الذي عبّرت عنه غولدا مائير بالقول أنّ الفلسطينيين الكبار سيموتون والصغار ينسون. فأتى انفجار البركان الفلسطيني شاملاً كلّ الفلسطينين، من القدس وحي الشيخ جرّاح، إلى غزّة والضفة، وإلى فلسطينيي أراضي 1948، مؤكداً وحدة الجسم الفلسطيني ارضاً وشعباً، ووحدة الدم والقضية.

فتطايرت شظايا هذا البركان، وأطاحت اتفاق اوسلو، واحرقت صفقة القرن وتهويد القدس وتطبيع بعض السلطات العربية، وزعزعت الأساس الذي قام عليه هذا الكيان، وخلقت مناخاً شعبياً يعزّز الثقة بالقدرة على مجابهة الاحتلال، وتجاوز قرار الدولتين، ليصبح الحلّ بالدولة الفلسطينية الديمقراطية القائمة على التعدد والمواطنية في كلّ أرض فلسطين. لذلك يزداد الحقد الصهيوني على المنتفضين والمقاومين في غزة والقدس والضفة، وخصوصاً في أراضي فلسطين 1948. ويصبّون جام حقدهم على الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين في غزة المقاومة، بدعم من الدول الاستعمارية الحريصة على وظيفة اسرائيل في المنطقة.

لقد أشعلت الانتفاضة البطولية الحماس وأنعشت الحلم لدى كلّ فلسطيني وكلّ عربي حقيقي، في المنطقة العربية وكلّ بلدان العالم، وتجلّى ذلك بالتظاهرات الشعبية الضخمة، والمشاركة الكبيرة للجاليات العربية والأحزاب الشيوعية واليسار وقوى التقدم، شاجبة العدوان الصهيوني الوحشي، متضامنة مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. وفيما انشدّ اهتمام اللبنانيين بالانتفاضة الفلسطينية والتحرك دعماً لها، استغلّت المنظومة السلطوية هذا الوضع للتمادي في تعنّت أطرافها، حتى حيال تشكيل حكومة من طينتهم، رغم أنّ الظروف منفتحة على تطورات ومخاطر في المنطقة، مغلّبين حساباتهم الطائفية وطمعهم بالمواقع والأحجام السلطوية وتاركين الوضع يتدهور إلى جهنّم اللبنانية، والتطنيش والتواطؤ على تهريب المواد المدعومة من مال الشعب، واستمرار الفساد واقتناص فرصة أو صفقة تتعلق بوزارة الطاقة التي تعِدنا بالعتمة أو بغيرها، متجاهلين مسؤوليتهم أيضاً عن فلتان الأسعار وسريان تحلّل الدولة وربما الكيان .. وكلّ طرف يرمي الكرة في ملعب الآخر.

وفوق كلّ هذا، وليكتمل النقل بالزعرور، صدرت عبارة جارحة تنمّ عن تعالي، على لسان شربل وهبي وزير خارجية لبنان تسببت بأزمة واحتجاج بلدان الخليج، الذي يعمل في فيها أكثر من ربع مليون لبناني. لكن خلافات السلطاويين لا تمنع طواطؤهم على حساب الشعب وحقوقه الديمقراطية. فيصطفون معاً مثلاً لتأجيل انتخابات نقابة المهندسين للمرة السادسة، لأنهم يخشون انتصار لائحة "النقابة تنتفض" بعد الانتصار في نقابة المحامين، والطلاب في جامعات أساسية.

فهم يتسببون باستمرار الانهيار ويخشون في الوقت نفسه الرد الشعبي. وتخبطهم هذا إما لنقص فاضح في الكفاءة أو أنهم في كوكب أخر... ألم يروا أن الإنفجار الفلسطيني هو نتيجة تراكم القهر المتمادي والإفتئات على حقوق الشعب وكرامته. ألا يدركون أنهم أوصلوا الشعب والبلاد بفسادهم وسوء إدارتهم وسياستهم، إلى انتفاضة مليونية ما زالت تفاعلاتها الشعبية مستمرة؟

فكما دفع سلب الأرض والكرامة الوطنية إلى انفجار البركان الفلسطيني، سيدفع ضيق سبل العيش والجوع باللبنانيين ليس إلى هجرة الشباب والكفاءات الكثيفة فقط، بل وإلى رد شعبي متعاظم على ما سيتركه رفع الدعم عن سلع أساسية كالبترول والأدوية والطحين. ولعلّ تغاضي السلطويين يرمي إلى طغيان الفوضى هرباً من المحاسبة واستعادة ما سرقوه.

 ومع أن الوضع الفلسطيني بعد هذه الإنتفاضة البطولية، قد دخل مرحلة جديدة تحتاج إلى برنامج نضالي مقاوم يجعل التلاقي الميداني الموحّد، على الصعيد القيادي أيضاً، حتى لو حصل وقف إطلاق النار. فإنه لا سبيل للخروج لبنانياً من حالة الانهيار إلّا بتوحيد قوى الانتفاضة وتعاظم التحرك الشعبي على قاعدة برنامج مشترك لتطوير الانتفاضة التي ليس ما بعدها كما قبلها فالحلول الحقيقية للوضع الاقتصادي الاجتماعي ولبناء الوطن والدولة الديمقراطية، تستدعي تحوّل الانتفاضة إلى بركان شعبي ينتج تغييراً يبني لبنان جديداً.