لكن هذا الغزو الفاشل أدى إلى تجذير الثورة باتخاذ تدابير اجتماعية واعتماد التوجّه الاشتراكي، وتعزيز وحدة الشعب الكوبي، وإطلاق أوسع حملة تضامن عالمية — ومنها لبنان — خاصةً في أميركا اللاتينية، حيث رأت شعوبُها في الثورة الكوبية تجسيداً لمطامحها بعد أن ذاقت مرارة عدوانية الولايات المتحدة ونهب احتكاراتها لثرواتها وعرق شعوبها. فكان الشعار الرئيسي لهذه الشعوب في تحركاتها التضامنية: "كوبا نعم، اليانكي لا" (Cuba sí, yankee no).
لكن سلطة واشنطن لم تكتفِ بفشل غزوها، بل ركّزت عدوانيتها على أعمال التخريب والتفجيرات في العاصمة الكوبية ومناطق أخرى، مستخدمةً عملاء ومرتزقة تابعين لها طوال ١٥ عاماً، مصحوبةً بفرض حصار اقتصادي شامل ومجرم ضد شعب بأكمله. وقد مضى على هذا الحصار المشدّد ٦٥ عامًا. والهدف من كل ذلك خلقُ حالة استياءٍ شعبي داخلي تستغلها وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة ضد كوبا، لتحريض شعبها على النظام الثوري وإسقاطه. هذا عدا مئات المحاولات الفاشلة لاغتيال قائد الثورة فيديل كاسترو.
لقد كان تمسك الشعب الكوبي بثورته ومنجزاتها الوطنية والاجتماعية، وتلاحمُه حول قيادته، وثقته الراسخة والمتبادلة بها، العاملَ الأساسي في صموده رغم كل الظروف والصعوبات. وفي حين تنتهج الولايات المتحدة — الدولة الكبرى — سياسةً عدوانيةً ضد مصالح الشعوب، وتنشر قواعدها العسكرية في أنحاء العالم، وترسل أساطيلها وأسلحتها التدميرية لدعم العدو الصهيوني في إبادة أهل غزة وفلسطين ولبنان وجنوبه، وضد سوريا وشعوبنا العربية، فإن كوبا — الجزيرة الصغيرة — رغم ظروفها الصعبة، تقدم مئات المنح الجامعية لشبابنا، وترسل الأطباء والمستشفيات الميدانية حيثما تحتاج الشعوب. وهي في نهجها التضامني الواضح، تقف مع شعوبنا في نضالها التحرري، ومع سائر الشعوب المناضلة.
لذلك، فإن صمود كوبا الثورية لا تقتصر أهميته عليها وحدها، بل يمتد إلى شعوب العالم وقضاياها التحررية — الوطنيّة والاجتماعية. ورغم تباعد المواقع الجغرافية للنضالات، فإن وحدة المصير التحرري تجعلها جبهةً واحدةً ضد عدو إمبريالي مشترك... فكل التضامن مع كوبا وشعبها الصديق، وصمودها الكبير والرائع، والمطالبة برفع الحصار الاقتصادي الجائر عنها.
*رئيس جمعية الصداقة اللبنانية الكوبية