الرأس بالرأس: القدس تثأر لجنين

دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة وخطيرة منذ تنصيب نتنياهو برئاسة حكومة العدو الجديدة بعد سلسلة طويلة من الإنتخابات استمرت لسنتين، خاض فيها كيان العدو أكثر من ست جولات انتخابية متتالية.

تعبر هذه الجولات عن عمق الأزمة السياسية في الكيان، وانتقالها من مرحلة التيارات السياسية المتصارعة إلى مرحلة أعمق، فتحت الباب أمام تساؤلات حول وجود هذا الكيان نفسه وتحديداً حول دوره ووظيفته في ظل التسارع في التغيرات الدولية، التي من الواضح أنها تتجه نحو تبدل في موازين القوى الدولية، مع صعود قوى جديدة ودخولها على خط الأزمات السياسية في الشرق الأوسط.
يتضح أو يتبلور شكل الأزمة الناتجة عن هذا التغير في كيان العدو أكثر من غيره لأن وجوده وقيامه ودوره الوظيفي ما هو إلا تعبير عن هذه الأوزان، باعتباره كيان فاقد للتاريخ والهوية. فيتجه شكل الحكم فيه نحو اليمين أكثر فأكثر.
لنكن أكثر وضوحاً، عندما نتحدث عن اليمين واليسار أو أي تيار سياسي داخل هذا الكيان فنحن لا نتحدث عنهم ضمن الشكل التقليدي للحركة السياسية، ففي الكيان الكل صهاينة، بالتالي الكل يتغذى على قتل الشعب الفلسطيني والكراهية للعرب. هذا الثابت الأساسي الذي ننطلق منه، فما نتحدث عنه بشكل مباشر هو مستوى العلاقة بين القيادة السياسية للعدو وبين الغرب، تحديداً الولايات المتحدة من خلال حجم إستجابة القيادة السياسية ومراعاتها للتوازن السياسي الدولي والقدرة على التعامل السريع مع متغيراته. هذا الإختلاف بين تيار "اليمين الوسط" الذي يمثله "يائير لابيد" و"بني غانتس" وبين التيار الحاكم اليوم "اليميني المتطرف" مع حكومة نتنياهو الجديدة الذي يمثله "بن غفير" بصورة واضحة ومن ثم "نتنياهو" والذي يعتبر أكثر وحشية ووقاحة في التعامل مع الشعب الفلسطيني ويصور نفسه بأنه أكثر راديكالية في التعامل مع الغرب تحت ما يسمى "مصلحة إسرائيل العليا" وبالتالي يشكل إحراج لجماعة الحل السلمي ولمطبلي أوسلو.
على الجانب الفلسطيني، ينعكس الصراع داخل كيان العدو بصورة دراماتيكية، ففي شهر اب المنصرم قام رئيس وزراء العدو الأسبق "يائير لابيد" بإستعراض قوة بهدف اثبات سلطته تحضيراً للإنتخابات، فشنت قوات الإحتلال عملية عسكرية خاطفة ضد حركة الجهاد الإسلامي بدأت باغتيال القياديين "خاد منصور" و"تيسير الجعبري" واعتقال العديد من كوادر الحركة. لتتدحرج الأمور نحو مواجهة لعدة إيام في قطاع غزة وتزايد في عمليات المقاومة في الضفة، فأتت العملية بنتائج عكسية وكانت سبباً رئيسياً في سقوط تحالف "لابيد" في الإنتخابات الإخيرة وفوز اليمين المتطرف.
جائت حكومة نتنياهو الحالية بوعود عديدة ما لبثت أن تراجعت عنها تحت ضغط الواقعية السياسية وأولها الغاء اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان، وانهاء حالة المقاومة في الضفة وغزة.
تراجعت حكومة العدو منذ اليوم الأول عن قرار إلغاء الإتفاقية مع لبنان. أما حالة المقاومة وبحكم التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة المسلحة فلن تستطيع فعل أكثر مما فعلوه أسلافها ولكن بوتيرة أسرع، وفعلياً هذا ما حصل فبدأت بشن عمليات عسكرية في الضفة بهدف ضرب الأذرع العسكرية للمقاومة. وكان أخرها عملية جنين التي أدت إلى استشهاد 10 فلسطينيين، ولكن الرد الفلسطيني لم يتأخر فقد قتل مساء الأمس الجمعة ما لا يقل عن 7 مستوطنين وأصيب 12 اخرين معظمهم بحال الخطر في عملية اطلاق نار بطولية وقعت في بلدة النبي يعقوب في القدس المحتلة. وذكرت وسائل اعلام العدو أن منفذ العملية هو خيري علقم (21 عاماً) من سكان حي الطور شرقي القدس المحتلة، وأفادت المصادر العبرية أن المنفذ استشهد أثناء اشتباكه مع شرطة الإحتلال في مكان قريب من العملية.
وفي سياق متصل، أصيب صباح اليوم السبت مستوطنين اثنين أحدهما بحال الخطر في عملية اطلاق بطولية نفذها فتى فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاماً.
أتى الرد الفلسطيني مدوياً في الأوساط الصهيونية، فصورة نتنياهو وهو يبكي في مكان العملية تتحدث عن حجم الألم لديهم. على الجهة المقابلة، وحد الشهيد خيري علقم الشعب الفلسطيني في القدس، الضفة الغربية، قطاع غزة ومخيمات الشتات بإحتفلات استمرت الليل بأكمله لتتكل بعملية أخرى في الصباح.
أهمية الإحتفال هنا غير مرتبط بعدد القتلى رغم أهميته، ما هو أهم وأعمق هو أن هؤلاء الذين يحتفلون يدركون أكثر مما يدرك أي شخص حجم الرد الصهيوني، يدركون قدراته ووحشيته ومدى استعداده لإراقة دمائهم، يهتفون بكل فرح لموتهم القادم ليثبتوا لأنفسهم حجم تمسكهم بمقاوتهم، ليعلنوا مدى استعدادهم للموت في سبيل حريتهم.
هو إعلان للإحتلال بالعودة لسياسة الرأس بالرأس، وإعلان للفصائل بإنتهاء حقبة الحل السلمي، فاليوم لا صوت يعلو فوق صوت البندقية ولكم في جنين أسوة حسنة.

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 412
`


علي إسماعيل