الأساتذة المتعاقدون يدقون ناقوس الخطر: التفرّغ طريق النهوض بالجامعة اللبنانية ..!

حذّر عدد من الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية من تداعيات تفاقم الأزمة في هذا الصرح الوطني، وتجاهل المعنيين لمطالبهم المحقة، وذلك خلال لقاء افتراضي مع الإعلاميين حول التفرّغ وأبعاده، بعنوان "التفرّغ طريق النهوض بالجامعة اللبنانية"، والذي شاركت فيه مجلة "النداء"، بدعوة من "اللجنة المتمثلة لأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية"، صباح اليوم. واستعرض الدكاترة المنظّمون وظيفة الإضراب والتفرّغ كحاجة ملحّة لتحصين نوعية التعليم في الجامعة اللبنانية ووقف نزيف هجرة الكادر التعليمي.

 

أهمية التفرّغ ...

 

بدايةً، تحدّث الدكتور عبدالله محي الدين في مداخلته عن أهمية "وظيفة التفرّغ في تفعيل دور الجامعة للمساهمة في مواجهة تداعيات الأزمة"، مؤكّداً أن التفرّغ للتعليم الجامعي يساهم في تحسين نوعية التعليم، ويضمن جودته، بحيث يتيح للأستاذ التركيز على الأبحاث التي هي العنصر الأساسي في التعليم الأكاديمي، ويحدّ من ظاهرة هجرة الهيئة التعليمية. كما يعمل على تعزيز الجامعة اللبنانية، ممّا يمكّنها من إعادة إنتاج الكوادر والكفاءات البشرية التي خسرها لبنان بفعل الهجرة.

 

 واعتبر أن الاستمرار بتقديم التعليم بالظروف والشروط التي يفرضها نظام التعاقد الحالي، وعدم إقرار التفرّغ للأستاذ الجامعي هو تواطؤ ضدّ الجامعة وطلابها، إذ يعطّل عليهم التحصيل العلمي الجيد.

وبيّن المتحدث أهمية دور التفرّغ في تحقيق النقلة النوعية في التعليم الأكاديمي. وقال "الاستثمار في البحث العلمي يمكّن الجامعة من أن تكون جامعة منتجة، توّفر الخدمات وتؤمّن المداخيل، بدلاً من أن تبقى رهينة سياسات مجحفة وظالمة بحقّها".

 

كما تطرق محي الدين إلى هجرة الكفاءات الشابة، محذّراً من تداعيات انعكاس الانهيار الاقتصادي على القطاع التربوي ولا سيما الجامعة اللبنانية، التي هي "ليست صرحاً للتعليم فقط، بل هي صرحٌ وطنيٌّ، ساهمت في توفير التعليم الجيد لفئات واسعة من المجتمع خلال فترة الستينيات. وأحدثت تحوّلات إجتماعية واسعة في المجتمع في السبعينيات".

 

 

 

 

 

دور التفرّغ ...

 

بدوره، تحدّث الدكتور هشام الفلو عن "دور التفرّغ في انتظام العمل الأكاديمي في الجامعة"، وقال "إن الضرر الذي لحق بالجامعة على المستوى الأكاديمي سيستمر تأثيره لسنين طويلة ويستحيل تعويضه في المدى المنظور"، مشدّداً على أن التفرّغ بات حاجة ملحّة وضرورية لكبح هجرة الأساتذة المتعاقدين، ولا سيما أن استمرار انتظام العمل الأكاديمي في الجامعة اللبنانية مشروط بشكل مباشر في الحفاظ على الكادر التعليمي المؤهّل والكفوء.

 

وتطرق إلى لجوء عدد كبير من زملائه الأساتذة المتعاقدين إلى خيار الهجرة، بسبب عدم إنصافهم وإقرار التفرّغ، بالإضافة إلى استمرار مسلسل إفراغ الجامعة من كادرها التعليمي تحت غطاء التعليم عن بعد، الذي بدأ في ظرف استثنائي في ظلّ الجائحة واستمرّ ليصبح القاعدة السارية. مع العلم أن الجامعة اللبنانية غير مستعدة لتقديم التعليم عن بعد بالطريقة الاحترافية المطلوبة نتيجة غياب البنية التحتية اللازمة. وتابع "في حال عاودت الجامعة التعليم الحضوري، من دون تفريغ الأساتذة، سيتكشّف للجميع أن حوالي 40% من المتعاقدين باتوا خارج الأراضي اللبنانية وفي السنة المقبلة خارج الجامعة اللبنانية بشكل نهائي، مضيفاً عن "هجرة الأساتذة المتعاقدين كافّة في قسم الـ informatique بكلية العلوم الفرع الثالث وهم يشكّلون ثلث الكادر التعليمي فيه".

 

وحذّر الفلو من تداعيات التخلّي عن الأساتذة المتعاقدين وخطورته على العمل الأكاديمي، عارضاً بعض الأمثلة كتكليف أستاذ واحد بتدريس مقرّر معيّن لطلاب كافّة الفروع، أو إسناد ساعات التدريس ومهام متابعة الأعمال البحثية إلى دكاترة من خارج الاختصاص. وقال "لقد شهدت كلية العلم نهضة فعلية بدأت من عام 2012 واستمرت لغاية 2019. استحدثت ماسترات تخصّصية جديدة وافتتحت مراكز أبحاث خلال الجائحة، ممّا أعطاها القدرة على لعب دوراً بحثياً. وحجب التفرّغ يعني ببساطة تكريس التعاقد الوظيفي والشغور المقنّع في مواقع أكاديمية أساسية وبخاصة في مجالس الأقسام الأكاديمية.



د. غصن ...

من جهته، تحدّث الدكتور علي غصن، حول "أهمية التفرّغ في تأمين انتظام العمل الأكاديمي في الجامعة"، مستعرضاً تاريخ النضالات في الجامعة الوطنية التي حقّقت إنجازاتٍ بارزة؛ كالإضراب المفتوح عن الطعام عام 1953، أو احتلال الكليات والمعاهد عام1974، شارحاً "أن تأسيس الجامعة أتى وليد حراك شعبي وطالبي كبير انطلق في 23 كانون الثاني 1951 مع  إضراب عام طويل، شارك فيه طلاب ثانويون وجامعيون، وشهد التحرّك تظاهرات واشتباكات مع رجال الأمن أجبرت مجلس الوزراء على الاجتماع في 5 شباط، ليشهد عام 1951 أول نواة للجامعة اللبنانية مع إنشاء دار المعلمين العليا ومعهد الإحصاء".

 

وكان من ثمار الإضرابات والاعتصامات إصدار قانون تنظيم عمل الأساتذة المعروف بقانون التفرّغ القانون رقم 6 في 23 شباط 1970، وصولاً إلى تأسيس رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية عام 1975، حيث شهدت الجامعة بعد الحرب استقراراً لدور الأساتذة المتفرّغين، إذ نجحوا عام 1994 بإنشاء صندوق التعاضد، وبالضغط لإقرار سلسلة الرتب والرواتب عاميْ 1995 و2011، وفرض زيادة موازنة الجامعة عام 2001، وصولاً إلى تعيين العمداء وإدخال الأساتذة للتفرّغ والملاك عام 2014.

 

وأضاف غصن "في 19 آذار 1997 صدر عن مجلس الوزراء القرار رقم 42 الذي نقل صلاحية إقرار للتدريس في الجامعة إلى مجلس الوزراء، فأصبح تعيين الأساتذة مرتبطاً باللعبة السياسية".

وشدّد على "أن التفرّغ هو تطبيقٌ لقوانين الجامعة"، وقال "بما خصّ قانون تنظيم الجامعة رقم 67 / 1975 فقد ميّز في المادة 35 منه بين ثلاث فئات من الأساتذة في الهيئة التعليمية؛ الملاك والمتعاقد بالتفرّغ والمتعاقد بالساعة. تفيد المادة 37 منه أن تثبيت المتعاقدين يتمّ بعد مرور سنتين على مباشرتهم للتعليم بالجامعة بنصاب كامل"، مشيراً أن قانون تنظيم الهيئة التعليمية في الجامعة القانون رقم 6 خصص دواماً كاملاً للأستاذ. وبدورها قسّمت المادة الخامسة منه ساعات التعليم بين أفراد الهيئة التعليمية؛ نسبة 80 % لأساتذة التفرّغ والملاك و20 % للأساتذة المتعاقدين بالساعة، بينما نجد اليوم أن العكس هو المطبّق، فالمتعاقدون بالساعة يدرّسون ما نسبته 80 % من مجمل السّاعات التعليمية في الجامعة.

 

 

د. أبو حمدان ...

د. أيمن أبو حمدان، تحدّث عن عقود المصالحة التي وصفها بعقود الإذعان والقنانة والاستعباد في مداخلة بعنوان "عقد كمعطّل لدور الجامعة”.  وقال تنشأ ھذه العقود بالعادة في ظروف إستثنائية ولفترات زمنية محدّدة، بينما نرى اليوم عقوداً تخطّت مدتها الزمنية على العشرين سنة لدى البعض، ممّا يشكل خرقاً فاضحاً للطبيعة القانونية لھا. فالمادة 37 من قانون تنظيم الجامعة لسنة 67 نصّت على وجوب تثبيت الأستاذ في كليته بعد سنتين من تعاقده، وللتذكير هذه العقود لا تشمل أيَّ نوعٍ من الضمانات الاجتماعية، فالأستاذ المتعاقد محروم وعائلته من الضمان الصحي، والتقديمات المدرسية والجامعية، ومحروم من بدل النقل وتعويضات نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي.. أي محروم من أي نوع من الاستقرار الوظيفي الذي يضمن له ولعائلته أدنى مقوّمات العيش الكريم والذي ينعكس بشكل سلبي على أدائه النوعي تجاه طلابه وجامعته.

 

 

 

 

 

د. مرهج ...

أما د. رفيق مرهج، فقد تحدّث عن "وظيفة الإضراب وتوزّع المسؤوليات في إنجاز التفرّغ"،

وأوضح أن تجربة إنشاء هيئة ذات صفة تمثيلية للأساتذة المتعاقدين هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة، مشيراً أن اللجنة الحالية تمثّل الأساتذة في الفروع والكليات كافّة وتعبّر عن موقفهم. وقد حملت منذ اجتماعها التأسيسي الأول في بداية شهر تشرين الأول، بشكل أساسي قضية العبور من التعاقد بالساعة إلى التعاقد بالتفرّغ".

ولفت إلى أن "التفرّغ كان يحصل بشكل شبه تلقائي بعد سنتين من التدريس بنصاب كامل. وتوفير التفرّغ كان يجذب إلى الجامعة اللبنانية أفضل الأساتذة في الاختصاصات كافّة. إلّا أن الأمر اختلف منذ عام 1997 وتأزّم بشكل كبير منذ 2014 حيث حجب حقّ التفرّغ كليّاً عن المستَحِقّين مما أصاب الجامعة بالشلل البنيوي على المستويات كافّة.. الأكاديمية والإدارية والبحثية".

 

وشدّد مرهج على أن "إضرابنا مطلبي وليس تخريبي إطلاقاً. على العكس، هدفه وقف مسار تخريب الجامعة. نحن مقتنعون، وبعد تجارب طويلة، أن الإضراب الطويل هو الوسيلة لكي يسير ملف التفرّغ نحو الإقرار، ومن دون هذا الإضراب لكانت الجامعة اللبنانية وكادرها التعليمي سيدخلان في حالة الاحتضار بصمت".

 

 

يُذكر، إلى أن اللجنة أعلنت النيّة بالإضراب منذ أشهر بعد موافقة 866 أستاذ عليه.. إلّا أن الإضراب بدأ فعلياً منذ أسابيع في معظم الكليات، وذلك مع انتهاء قرار الرابطة بتعطيل بداية العام الجامعي.