نافالني... وجه الغرب بمواجهة الكرملين


شهدت روسيا في الأسابيع الأخيرة أحداثاً غير اعتيادية في شوارعها ذكّرت البعض منهم بأحداث الدول المجاورة بدءاً من جورجيا مروراً بأرمينيا وصولاً إلى العاصمة الأوكرانية كييف. في الدول المذكورة، اختلف الأشخاص ومعهم السيناريوهات والأدوات، حيث استطاعت بعض التحركات من هزّ النظام وأركانه وحتى تغييره كما حصل في أوكرانيا وجورجيا اللتان أصبحتا حدائق خلفية للولايات المتحدة الأميركية وباتت في وضع اجتماعي واقتصادي خاضع للمؤسسات المالية الدولية. حاول الغرب على مرّ السنوات جعل روسيا دولة ملحقة ونجحوا بذلك خلال عهد يلتسين، لكن كلّ ذلك انقلب رأساً على عقب مع تولّي فلاديمير بوتين زمام السلطة في البلاد نجح خلال السنوات الخمس الأولى من إحداث تغييرات جذرية على صعيد السياسة الداخلية والخارجية للدولة، ما جعل الغرب يبحث عن شخصيات ليبرالية "معارضة" جديدة لمواجهة موسكو.


ألكسي نافالني مثالاً
شكّل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي دافعاً أساسياً وراء ظهور الكثير من الشخصيات المؤثّرة على المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، وكان لروسيا حصتها من هذه الظاهرة حيث ظهرت على الساحة الروسية شخصيات مناصرة ومناهضة للنظام الروسي ورئيسه.
وكان أبرز المعارضين الحاليين، ألكسي نافالني، الذي سطع نجمه الإعتراضي في روسيا بعد سلسلة من الفيديوهات التي ترتكز على كشف الحقائق وعمليات الفساد المتعلّقة بالمسؤولين الروس والمقرّبين من الرئيس بوتين. لاقت هذه الظاهرة تعاطفاً كبيراً في الأوساط الروسية خصوصاً من المناهضين لحكم بوتين والمقرّبين من لأروقة والعواصم الغربية والأميركية الساعية للإنتقام من عملية إبعادها عن مؤسسات وإدارات الحكم في السنوات الأخيرة.
ألكسي نافالني "الطموح" دخل عالم التجارة من بابه الواسع خلال تسعينيات القرن الماضي في روسيا، حيث ترأس شركة تعمل على بيع وشراء السندات المالية في البورصة، لكنه اصطدم بواقع الفشل بسبب الخلافات مع الشركاء وتراجع الأسواق المالية الحرة في روسيا ما أعطاه دفعاً على إيجاد سبل أخرى للمضي قُدماً في طموحه، حيث وجد ضآلته من خلال استخدام "السياسة" كمشروع مستقبلي للوصول إلى أهدافه.
لقى نافالني دعماً استثنائياً من الليبراليين المعادين لبوتين في مرحلة الألفية الجديدة من القرن الواحد والعشرين، عمل في راديو (صدى موسكو) المعارض وانضم إلى أبرز الأحزاب الروسية المعارضة "يابلكوكو" عام 2005، لكنه بسبب غروره السياسي المستمر واتخاذه قرارات فردية تتعلق بسياسة الحزب فطرد من الحزب عام 2007.
ساهم الطرد العلني لنافالني من الحزب المعارض "يابلوكو" بتعزيز شخصيته السياسية وارتأت بعض وسائل الإعلام الغربية والأميركية إلى تلميع صورته على أنه الشخصية الأهم والأشرس القادرة على مواجهة بوتين وحكمه. كما سعت بعض مراكز الدراسات الأميركية والغربية المناهضة لروسيا دعم نافالني بالمعلومات والوثائق السرية المتعلّقة بشخصيات النظام الروسي المقرّبة من بوتين، كما ساهمت بعض الحكومات الغربية بمساعدة نافالني بفتح مراكز تتعلق بنشر الفساد الإداري والحكومي في الدولة الروسية والتي أصبحت مع الزمن أماكن لاستقطاب الشباب والمعارضين.
المدوّن المعارض لقصر الكرملين
يشغل نافالني في السنوات الأخيرة مركز "صندوق مكافحة الفساد" المدعوم غربياً حيث يعمل المركز بجهود إستثنائية مضاعفة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة "يوتيوب" يحاول من خلاله كشف الأسرار المرتبطة بفساد دوائر القرار الروسي باستخدام تقنيات وتأثيرات حديثة، مدعومة بوثائق وملفات يتزوّد بها من الأجهزة الاستخباراتية الغربية.
ولعلّ التقرير الأخير بشأن "قصر بوتين الذهبي" الذي أحدث ضجة كبيرة في المجتمع الروسي كان دليلاً واضحاً على ما يُعِدُّه نافالني بالتنسيق مع الدول الغربية المعادية لسياسة بوتين.
أكذوبة "قصر بوتين الذهبي"
زعم التقرير المصوَّر من المدوِّن نافالني أن القصر الجديد كلّف نحو 1.37 مليار دولار أميركي، ودُفِعَ مقابل "أكبر رشوة في التاريخ"، داعماً فيلمه بمقاطع فيديو مصمّمة من خلال برامج وتقنيات خاصة تحاكي تفاصيل الحياة بداخله.
انتشر الفيلم الاستقصائي مباشرة بعد وصول نافالني إلى موسكو من ألمانيا حيث كان يخضع للعلاج من محاولة تسميم مشبوهة اتّهم فيها بوتين، وقامت السلطات الروسية باعتقاله بعد تهم عدّة موجّهة له.
بعد أيام على العرض المتواصل اكتسح الفيلم المصوَّر "قصر بوتين الذهبي" منصة "يوتيوب" والذي بدا المحرّك الأساس لإشعال الشارع وتحرّك المطالبين بتحرير المدوِّن الذي كشف "الحقيقة".
استوعبت السلطات الروسية الضربة والتحرّكات ولاقتها بهدوء وفي المقلب الآخر كشفت وسائل إعلام روسية، الحقيقة الكاملة عن القصر الذي زعم فيه المعارض نافالني أنه بُني كمقرٍّ سرّيٍّ فاخر للرئيس فلاديمير بوتين.
وأعدّت القنوات الروسية تقارير صحفية مصوّرة من داخل القصر المزعوم كشفت خلاله الحقيقة الكاملة عن القصر الواقع في محيط مدينة غيلينجيك جنوبي البلاد.
وكشفت تقارير استخباراتية روسية أن الفيلم الاستقصائي أُنتِج بأموال أميركية في مدينة ألمانية تواجد فيها المدوّن الروسي المعارض نافالني لمدة 12 يوماً بعد خروجه من المشفى عمل خلالها على التحضير للمشروع مع فريق إنتاج كبير، بالإضافة إلى المعلومات المقدَّمة من السفارات الغربية.
ونطق القضاء الروسي بالحكم ضدّ نافالني بسجنه لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام في قضية شركة "إيف روشيه"، وذلك بعد إلغائها الحكم الصادر من قبل بالسجن مع إيقاف التنفيذ. وتُعد هذه القضية من أولى القضايا التي نطق بها الحكم مع وجود العديد من الاتهامات الأخرى بحقّه وأبرزها اتّهام السلطات الروسية بتسميمه وتنظيم تحرّكات غير مرخّصة وجمع أموال من الخارج لأهداف سياسية وزعزعة الأمن القومي الروسي.