صدمة ورق الحمّام...

هل يُعقَلُ مشهدُ التدافعِ والتضارب، الصراخ والهستيريا، التي اجتاحت "مولات" العالم "الغربي"، لأجل ورق الحمام "التواليت"...!!
على المستويين الفردي والجمعي، للمسألة، شِقّان، الأول، حاجة المجتمعات بعامّةٍ للورق المُستخدم، في الشخصي منه، وفي المطبخ والحمام، والغربي بخاصّة، والخاصيّة انبناءٌ في اللاوعي، يقوم على أفهوم الإستخدام اليومي، في العادات والتقاليد والواجبات. هنا يقع الشقّ الثاني، والمرتبط أيضاً بعادات الغسل والنظافة لدى المشرقيين بانتماءاتهم كافّة.


إن استخدام، عبارة، صدمة الأنا، لدى المشرقيين في بلاد الغرب، لا تحتمل المبالغةً أبداً. لقد وجدوا ذاتهم الجمعية في توهة جائحة كورونا، بلا ظهير، بلا قدرةٍ تقي المجتمعات من شرور إنفجار الغرائز الأساسية، في المأكل والمشرب، وهو التراكم الجيني السالب والإيجاب. فالأبوية المدينية سخِرت من سلطة الكنيسة، وأسقطت حكم الأكليروس لصالح مجتمعات مدنية حديثة متنوّرة. لكن، وعند الوقوع في امتحان الطبيعة، وتمرّدها، حدثت الصدمة، والمجاهرة بعدوانية شرسة للحصول على أقلّ الحاجات قيمة، حاجة مُشبعة الجيوب بذاتها، لم تَصِرْ غابرة، تتجدّد بتجدّد الحدث، والمخاطرة هنا، تحوز على علّة العدمية والشهوة، على قوّةٍ هلاميةٍ ساخرة، لكأنّها من سخرية الأقدار، الحكومات في بعديها ما بين مناعة القطيع والإنتاج، طبعاً، أثبتت الدراسات الحديثة، لا مناعة دائمة، هي محدودة ولستة أشهر، ومنهم من تعرّض لإصابة ثانية مميتة وبوقت قصير جداً. الشعوب الأصيلة والوافدة في ملعب الجائحة بشروطها المُدمّرة، حيث فقدت البشرية وبضربة جزاء قوية مميتة، فقدت حيثية وجودها، خرجت على حاجتها الإنسانية، لأجل حاجات اللحظة؛ فأضحت مأزومة، مرتَهنة، مقيّدة، محجورة، مهجوسة لا تلوي على شيء، من ذا سيُصدّق لو اجتمع معشر الجنِّ والإنس، واتفقوا على مقولة أنّهُ سيقع الذي وقع، وقد سبق الجائحة إنذاراتٌ متعدّدة بأنّها ستقع...!!؟

التاريخ، لا تُسدُّ فجواته وتصدّعاته، التاريخ زمن، والجغرافيا مكان. تناثرت، وتبعثرت المجتمعات بقيّمها وقيمتها الوجودية، الجائحة، ضربت على وتر الحياة والموت، الغذاء والدواء، عرّت النظام المعولم، كشفت زيف الديموقراطية والتغنّي بمفردات الإستعمار، تلك الترِكة البائسة، نلمسُ الفروقات ما بيننا، وبيننا أشواط متقدّمة علينا في التكنولوجيا، في النُظُم والحياة... في كلِّ شيء، لا يسَعُنا النكران. ونحن شعوب مُنكًرة من شعاع الحُكّام، لذا، نحن كطائر الفينيق، متجذّرون في الأرض والسماء، ولنا منذ القرن الأخير صراع مع الغرب كلّ الغرب، وربيبتهِ، القلعة العسكرية المتقدّمة، الرابضة على عُنق الأمة... في فلسطين، خطٌّ استعماري طويل، يمتدُّ من قلب أوروبا إلى الأميركيتين، إلى قارة اوستراليا، إلى بلاد العُرب أوطاني، ونتفاجأ كيف يختلفون على ورقة حمام وكرتونة بيض وخلافه، وقد أصابوا قتلاً وإعداماً للشعوب واحتلالاً. اختلالٌ في النفس والعقل، بؤسٌ برغباتٍ غرائزية، مسيرةٌ هم واضعوها؛ فاعتقدنا وآمنا بعصر الأنوار، بتنافح الحضارات، وقد كشفت الجائحة عن عالمين جديدين، عالم القطبية الواحدة وبإصرار العاجز في ذاته المُسمّاة بالعالم الأوّل بقوّة السلاح، هذا ولّى وبدون رحمة، ربّما ينقص بعض الوقت لإعلان ذلك، وعالم متعدّد القطبيات، يحمل في بذوره شهادات إنسانية أخلاقية، عالمٌ لا يقوم على ما يمتلك من القوى العسكرية، بل، بما يمتلك من رؤية إنسانية، كوبا، مثالاً، حين هبّت لمساعدة إيطاليا الأوروبية العريقة، الصين، إيران، روسيا، وليس على طريقة بعض الأعراب المطبّعين مع الكيان الصهيوني الغاصب، لحماية عروشهم، مَن ذا يُصدّق كان، برغم الوثائق والشواهد التاريخية، الآن، أُسقِطَ في يدهم...!!؟

جائحة كورونا، وضعتنا، أو قرّبت صورة التحوّلات في المنطقة والعالم، في المسار الشاذ القَبَلي، وحارس القدس، عنوان المقاومة على تلاوينها الفسيفسائية، المقاوِم العروبي. إنها المقاومة محوراً يصدح ثباتاً وقدرةً ونصراً، والعدوّ الصهيوني ومن خلفه وأمامه وحواليه، غارق في صدمة المستنقع اللبناني...
..." وشاعرة الحُبّ الإغريقية "سافو"، إلى الشاعرة "إنخيدوانا" الأميرة، إبنة الإمبراطور سرجون الأكدي في بلاد الرافدين، إلى جذور الشّعر والموسيقى والعلوم، نلوذ بها، بقصائد قليلة على ورق البردى في مصر بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، نجت وليس كلّها، من محارق الكنيسة والاضطهاد"...
صورةٌ تظلُّ حيّةً لتدين العقل المأزوم، المحجور عليه بالفساد والبلاهة والأوهام. لكورونا، ثيمة عجز التكنولوجيا، سقوط الأدوار، فإذّانا في الطور الأوّل، كادّعاءٍ للقدرة والقوّة والهيمنة. وهي الصفحة الأولى في كتاب العصر الكوروني الحديث، سقطت الأمم عند أقدامها، لا ينفع معها مقوّيات السلطة والتسلّط، ربّما الأمل الأخير، يكون، قليلاً من الحُبِّ، كثيراً من الحياة، لأنّ الحُبَّ، كلّ الحُبّ في رحم الطبيعة الأم.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 378
`


أحمد وهبي