الحكومة التقدمية في اسبانيا امام الصعوبات الاقتصادية، الاجتماعية وجائحة كورونا

منذ كانون الثاني ٢٠٢٠، تحكم اسبانيا حكومة مشتركة بين الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني وتحالف متوحدين-نستطيع (هو أيضا تحالف بين حزب نستطيع مع اليسار الموحد والحزب الشيوعي الاسباني). الحكومة معروفة باسم حكومة التقدم، فهي تواجه صعوبات جمة، أولها السياسة المترددة التي يتبعها الحزب الاشتراكي الاسباني، عدم قدرته لارتباطاته ورضوخه لقطاع من الرأسمال الاسباني والاوروبي، بشروط البنك الأوروبي وسياسة اللجنة الأوروبية للاتحاد الأوروبي وخاصة السياسة الألمانية، فسياسته مترددة فيما يخص مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية وفي بعض الأحيان متناقضة مع وعوده الانتخابية والبرنامج المشترك مع تحالف متوحدين- نستطيع واهمها الغاء التعديلات على قانون العمل التي اقرتها الحكومات اليمينية السابقة للحزب الشعبي والتي تضر بمصالح العمال وحقوقهم وتضر بمصالح المتقاعدين وضمان الشيخوخة وقدرتهم المعيشية.

 

الحزب الاشتراكي رغم مشاركته تحالف متوحدين-نستطيع نفس الحكومة، لكنه حاول دائما الاتفاق مع حزب مواطنين اليميني في السياسة الاقتصادية والاجتماعية. هذا ما نراه في المواقف المتناقضة داخل الحكومة بين وزراء اشتراكيين ووزراء من تحالف متوحدين-نستطيع، امثلة على ذلك، فيما يخص قانون العمل، ضمان الشيخوخة والتقاعد او فيما يخص سياسة الحكومة حول الحق في السكن وقانون الإيجارات.

 

من ناحية أخرى، حققت حكومة التقدم مكاسب اجتماعية وقانونية عدة، حقوق المرأة، وقوانيين ضد العنف على المرأة، كما حققت بشكل أساسي بعض التقديمات الاجتماعية وذلك بفضل الضغوطات من قبل متوحدين-نستطيع ووزرائهم في الحكومة وخاصتا من وزيرة العمل او وزيرة المرأة، مثالا على ذلك:

 

  • مدخول الحد الأدنى للعيش، لكل الاسبان الذين ليس لهم أي مدخول.
  • تأمين ٧٠٪ من المعاش الشهري للعمال خلال حالة الطوارئ بسبب الكورونا، مقابل منع أي عملية طرد للعمال بسبب اقفال الشركات والمؤسسات.

 

الأوضاع ليست سهلة، هناك تحديات كبيرة تواجه حكومة التقدم، جائحة كورونا وتأثيرها على النظام الصحي في اسبانيا، كما هو معلوم ان الحق في الصحة هو حق عام لكل ساكنين الأراضي الاسبانية، اسبانيا تعتبر من الدول الأكثر تأثيرا بجائحة الكورونا، ٣٥١٤٩٤٢ مصابا، ٧٨٠٨٠ حالة وفاة. اما عملية اللقاحات فهي بطيئة بسبب تحكم الشركات المصنعة للقاح بعملية تسليمه، خاصتا ان الاتحاد الأوروبي رغم تقدمه العلمي لم يستطع تصنيع لقاح خاص فيه، اللقاحات الأساسية المعتمدة هي بفيزر، استرازنكا وأخيرا جانسن، اما اللقاحات الأخرى والتي اثبتت فعاليتها كاللقاح الروسي واللقاح الصيني فهم ممنوعون من دخول اسبانيا، فقط ٢٤٪ من سكان اسبانيا حصلوا على اللقاح الأول و٩٪ على اللقاحين. هذه النسبة هي ما زالت بعيدة من الوصول الى مرحلة المناعة الجماعية. 

 

اما الصعوبات الأخرى التي تواجهها اسبانيا، مرتبطة بنتائج الازمة الاقتصادية، فهذه الازمة ليست جديدة، ما زال الاقتصاد الاسباني يعاني من ازمة ٢٠٠٨ العالمية، جاءت جائحة كورونا لتعمق من شدة الازمة، اقفال مؤسسات صناعية وخاصتا قطاع صناعة السيارات، ضرب قطاع الخدمات والبنوك، خاصتا ان اسبانيا تعتمد بشكل أساسي على قطاع السياحة والخدمات، ارتفعت نسبة البطالة الى ١٦٪، خلال السنة الأخيرة فقد أكثر من ٤٥٠ ألف مركز عمل. هذه الازمة الجديدة ليس لها افق بالحل على المدى المنظور وانما بزيادة التعمق وزيادة من تأثيراتها على الوضع الاجتماعي والمعيشي، شركات ومؤسسات عديدة ستقفل نهائيا وتطرد مزيدا من العمال والموظفين مثالا على ذلك ما تحضره المصارف بطرد أكثر من ٥٠ ألف موظف بحجة الدمج او التطور العلمي الحسابي والعمل عن بعد. كل هذا سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد وعلى الوضع المعيشي، خاصتا انه مع نهاية شهر أيار ستتوقف الدولة الاسبانية عن دعم ٧٠٪ من المعاشات للمؤسسات المتوقفة عن العمل بسبب حالة الطوارئ.

 

اما على الصعيد السياسي التحديات امام حكومة التقدم واليسار والديمقراطيون بشكل عام ليست بقليلة وسهلة:

 

  • ضرورة الوصول الى حل عبر الحوار لمسألة القوميات، الأكثر الحاحا العلاقة مع كتالونيا وشكل الدولة الاسبانية (فيدرالية، كونفدرالية، استقلال تام...)
  • تصاعد قوة اليمين المتطرف الفاشي، حزب فوكس. الذي أصبح يشكل القوة الثالثة داخل البرلمان الاسباني، وستظهر قوته في انتخابات مقاطعة مدريد التي ستجري في ٢ ايار، سيكون القوة المقررة التي ستثبت حكم اليمين في مقاطعة مدريد. هذا الحزب يجمع في داخله على ما تبقى من كتائب فرانكو، الى جانب منظمات نازية، واليمين المتطرف الجديد، ويعلن علنيا عدائه للعرب والمهاجرين ودعمه المطلق للصهيونية وإسرائيل. خلال الحملة الانتخابية في مقاطعة مدريد أعلنت جمعية يهودية عبر الفيديو وفي وسائل التواصل الاجتماعية، جمعية معروفة بتلقيها مباشرتا الدعم من الحكومة الإسرائيلية بدعم اليمين المتطرف، حزب فوكس، واتهامها لليسار الموحد وحزب نستطيع بالعداء للسامية.
  • قدرة الأحزاب المشاركة في حكومة التقدم من التجانس ومن ترسيخ التحاف سياسيا وشعبيا، من خلال تطبيق برنامج ما اتفق عليه، بسياسة تؤمن مصالح الفئات الشعبية وترسيخ أسس دولة ديمقراطية نحو الانتقال الى الجمهورية الرابعة، وترسيخ العلاقة مع الأحزاب اليسارية والوطنية في مقاطعات اسبانيا وخاصتا في كتالونيا، الباسك وغاليسيا.

*كاتب مقيم في برشلونة