الكورونا... تُعرّي وتعمّق أزمة النظام الرأسمالي

جائحة كورونا "كوفيد 19" ربما هي أكبر مصباح متوهّج الضوء، يضيء على بؤس النظام الرأسمالي العالمي المبشّر دوماً للبشرية بالرفاه والتقدّم، والعدالة الإنسانية، وفي المقلب الآخر كشفت الجائحة عن عمق البؤس الذي تعانيه الفئات الاجتماعية الفقيرة، والبروليتاريا العالمية التي لا زالت ترزح تحت نير الاستغلال والقهر الرأسمالي...


لقد عرّت الكورونا جوهر الرأسمالية المتفوّقة صناعياً وتكنولوجياً واقتصادياً، وأزاحت عنها تلك المساحيق التي طالما أصبغت وجهها بها، عبر ألف معطّر ومطهّر ومجمّل ومنظّر، فبانت ندوبها المقزّزة، والتآليل المقيّحة، وكشفت عن أنانيتها التي تقطّر دماً من أجساد البائسين الفقراء...
سقطت تلك الأيقونات الوهمية المعلّقة على صدر الرأسمالية، سقطت حقوق الإنسان ومجتمع الرفاه، والديمقراطية المقنّنة للقلّة المتحكّمة، سقطت قدسية الحرية الفردية، وسقطت تلك المساحيق أمام امتحان الكورونا القاتل، ها هي الرأسمالية بكلّ جبروتها وقوّتها وثرواتها فوق الخيالية، تعجز عن مطاردة هذا القاتل المنفلت، وتستغيث طالبة النجدة من بعضها، لقد انكشفت قدرتها المحدودة على توفير أبسط المستلزمات الإنسانية الطبيّة لمواجهة هذا الوباء الذي يجتاح العالم ويتخطّى حدود القوميات والدول باحثاً عن ضحاياه دون أن يلقى قوّة ذلك الجبروت الرأسمالي العلمي والتكنولوجي، هذا الجبروت الذي كان حاضراً دوماً في إشعال الحروب، وقتل الشعوب وابتداع أحدث الأسلحة في قتلها ونهب خيرات بلادها...
إن العالم اليوم يعيش أزمة فريدة في وصفها، استثنائية في تبعاتها وتأثيراتها، شاملة في ضحاياها وجغرافيتها، ليس بسبب ظهور وباء الكورونا فحسب، إنما بسبب ذلك الإخفاق الكبير الذي واجه الرأسمالية المتوحّشة في محاربتها لهذا الوباء...
إننا نتحدّث عن مظهر عالمي "أزموي" ليس له مثيل في التاريخ، الكرة الأرضية تلبس قناع الوقاية، والعالم يحتجب عن فضائه، والشعوب تنزوي في منازلها، تفقد هوايتها في السير على الطرقات، والتنزّه في الحدائق، وممارسة الرياضة في الهواء الطلق، تفقد هوايتها في التمتّع بالمسرح والسينما والفن، تتوقّف تظاهراتها واحتجاجاتها في الشوارع ضدّ أنظمتها وعسفها، مدن خالية من الإنسان، مدن أشباح قد يظن البعض أن الإنسان لم يطأها من قبل، كيف فقدت الشعوب لذّة الحياة الاجتماعية، كيف ابتعدت عن ضوء شمسها، وأقفل فاهها حتى لا تستنشق أوكسجين الحياة والحرّية، تلك هي الأزمة الاجتماعية، أهي فيلم سينمائي من الخيال العلمي، أم هي حرب جنودها من كوكب آخر...؟ أم هي بروفه لأزمات تاليه ومتلاحقه من صنع البشر ..؟
تلك هي الأزمة على حقيقتها، بانوراما سوداء في زمن الكورونا، كيف بدأت الأزمة...؟ وكيف توسّعت دائرتها...؟ وتحوّلت إلى أزمة عميقة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلمية وثقافية قلّ نظيرها على مدى قرون من الزمن...؟ وهل يمكن فصل أزمة كورونا بالمعنى الضيّق عن أزمة الرأسمالية والسياسة الدولية...؟
الرأسمالية متهمة، ولم تثبت براءتها...
من غير المنطقي ومن غير العلمية في شيء أن يتم الفصل بين الأزمتين، فهما أزمتان متفاعلتان متداخلتان في السبب والنتيجة، فلا يمكن فهم ما يجري اليوم على مستوى الكرة الأرضية من التدابير الاحترازية والإجراءات العملية في مواجهة وباء سريع الانتشار، والتبعات الاقتصادية والاجتماعية، دون التعمّق في الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أوصلت العالم إلى هذا النفق المظلم والمرعب...
لا يمكن اختزال كلّ الأسئلة الصعبة في سؤال نمطي يتداوله عامة الناس، من هو وراء فيروس كورونا...؟ بيد أن السؤال الصعب يتمحور حول... هل قامت الرأسمالية ممثّلة بدولها ومؤسساتها الفائقة الحداثة والتطوّر والتكنولوجيا بما يكفي لمواجهة هذا الفيروس...؟ ما هو السرّ وراء تلكّؤ دول الغرب الرأسمالي في مواجهة الفيروس مبكراً...؟ ولماذا لجأت الرأسمالية إلى العلاج السهل والطبيعي للإفلات من الفيروس غير الطبيعي عبر دعوة الناس إلى الاختباء في المنازل، كي يرحل الفيروس القاتل طوعاً...!!؟
من غير المستبعد علمياً، وبالقياس تاريخياً ، أن تكون الدول الرأسمالية بما لديها من تقدّم علمي وتكنولوجي وراء انتشار الفيروس، قصداً أو بغير قصد... فمن حيث القدرة العلمية فالرأسمالية قادرة على صناعة وإنتاج فيروسات وجراثيم وأمراض وأوبئة، ونقلها من مكان إلى مكان، وتخزينها في قنابل تطلق عبر الطائرات والصواريخ والمدافع، ومن حيث التجارب التاريخية لم تتوانَ جيوش العالم في حروبها في استخدام الأوبئة ونقلها إلى العدوّ، فقد استخدمت القوات البريطانية السلاح البيولوجي عام 1763 لأجل القضاء على القبائل الهندية، عبر إرسال الأغطية والمناديل الملوّثة بالجدري إلى رؤساء القبائل، والقوات اليابانية استخدمت القنابل التي تحتوي على البراغيث الناقلة للطاعون ضدّ القوات الصينية عام 1940، والجمرة الخبيثة فلتت من عقالها عام 1979 من المركز البيولوجي العسكري في "سفيردولفسدك" "تشيرنوبل" في روسيا، وقبلها الجمرة الخبيثة استخدمت في حرب فيتنام من قِبل الولايات المتحدة، وماذا عن غاز السارين الذى استخدمته جماعة متطرّفة عام 1995 في مترو الأنفاق بطوكيو وغيرها، حتى الدول الأقل تقدماً أصبح لديها مخزون من الأسلحة الجرثومية والبيولوجية والكيميائية...
وعلى ضوء ذلك فإن فرضية أن الفيروس إنتاج المختبرات البيولوجية ليست فرضية مستحيلة أو عدمية، ونظرية المؤامرة ليست تهمة، فهي واقعٍ ملموس في السياسة والاقتصاد وهي جزء من أسلحة الجيوش، ومراكز الاستخبارات العالمية وإلّا لماذا تؤسس أجهزة المخابرات العامة في العالم، والمؤسسات الأمنية، وزرع الجواسيس، إنها الحرب بكلّ مكوّناتها، وعليه فالرأسمالية إن كانت بأميركا أو الغرب أو روسيا أو الصين، ليست بريئة من إنتاج سلاح بيولوجي في مواجهة بعضها، والانتصار على بعضها في يومٍ من الأيام، وما الفرق بين استخدام القنبلة الذرّية في هيروشيما أو ناكازاكي، وبين استخدام الفيروس القاتل، والوقائع التاريخية لا زالت تثبت أن السلاح الكيماوي يستخدم في أكثر من منطقة من العالم، لا سيما في العراق...
والشيء الطبيعي أن ينبري البعض للسؤال، ولكن لماذا يستخدم السلاح البيولوجي ضدّ الدول الرأسمالية ذاتها، إذا وضعنا القصد وراء ظهورنا، فإن عدم القصد ينبني على أن إنتاج الفيروس شيء وعدم السيطرة عليه شيء آخر، أي أن احتمال انفلات الفيروس من بيئته "المختبرات" أمر وارد تماماً كما انفلات الجمرة الخبيثة من مركزها في تشيرنوبل عام 1979 في روسيا...
إن نظرية المؤامرة لا تطلقها الشعوب المتضرّرة أو المضطهدة، إنما تتناقلها الدول الرأسمالية ذاتها، فهناك من يتهم الولايات المتحدة، والأخيرة تتهم الصين وأسمته الفيروس الصيني، وهناك خبراء سياسة واقتصاد وعلوم يتهمون جهات غربيه. واتهامات تطال مختبرات فرنسية في أفغانستان... ولا تتوقف الاتهامات...
وبالمقابل لا يمكن أن ننفي بالمطلق عن ظهور الفيروس بشكل طبيعي، ما دامت المرجعيات الصحية والبيولوجية لم تثبت العكس حتى اليوم فما زال التخبّط سيّد الموقف...
لكن إخفاق الدول الرأسمالية في محاصرة الوباء الكوروني، أمر لا يمكن المرور عليه بدون البحث عن الأسباب والأهداف، مما يدفع المرء بالتساؤل " لماذا سياسيو الرأسمالية نادوا بنظرية مناعة القطيع...؟ قبل أن يستفحل الفيروس في بلدانهم...؟ وهي نظرية مالتوس للحلّ من الأزمات الاقتصاديه عبر تقليص عدد السكان ليتوافق مع الموارد الإنتاجية باعتبار أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية في حين أن الموارد تزداد بمتوالية حسابية، أنه تراث رأسمالي نظري وفلسفي واقتصادي لإدارة الأزمات الاقتصاديه والاجتماعيه... وعليه فقد بشّروا بموت مئات الآلاف... وطالبوا بتوديع الأحباب... وقالوا إننا في حرب حقيقية... وأنزلوا الجيوش إلى الميدان...!! ولماذا حمّلت أميركا وبعض الغرب المسؤولية للصين في ظهور هذا الفيروس، إلى الحد أن اميركا طالبت في مجلس الأمن أن يتطرّق البيان إلى إسم الفيروس الصيني...!! ولماذا تمّ إشاعة الخفّاش الصيني المسؤول عن إنتاج الفيروس في الوقت الذي يأكل بعض الصينيين الخفّاش من آلاف السنين...؟

قيم الرأسمالية خارج القيم الإنسانية...
هل كانت الرأسمالية ممثّلة بدولها المختلفة "ورأسمالية الصين وروسيا ليست مستثناة"، عاجزة عن إنتاج وتوفير الوسائل والإمكانيات والمعدّات الصحية اللازمة لمواجهة الفيروس...؟ وهي التي تتمتّع بأعلى مستويات ا لتقدّم العلمي والتكنولوجي والبيولوجي...؟ أم أنها كرأسمالية متوحّشة لم تكن معنية بالأساس بتطوير المنظومات الصحّية لأجل حماية الإنسان، ومحاربة الأوبئة والكوارث الطبيعية والصناعية...؟
في الواقع إنها كانت معنية بالبحث عن كلّ أشكال الإنتاج العلمي، والإبداع التكنولوجي لتحقيق أكبر ربح ممكن لفئة قليلة من المجتمع ليس لها وظيفة إلّا مراكمة الأرباح، وإعادة إنتاجها في مشاريع صناعية وتجارية وتكنولوجية، تدرّ أرباحاً جديدة عبر نهب الشعوب وخيراتها، وعبر تحويل الإنسان ذاته إلى سلعة يباع ويشترى في السوق كما كلّ السلع المعروضة للبيع، ألم يصل سعر لاعب كرة القدم في بعض المنتديات إلى ملايين الدولارات...؟ ألم تُشترَ الكفاءات العلمية من بلدانها ووضعها تروساً في خدمة ماكينة الرأسمالية...؟ لقد تركّزت ثروة الأمم كافّة في أيدي قلّة من الرأسمالية تمثّل 1% من سكّان الكوكب...؟ حيث حوّلت هذه الفئة القليلة سكّان الكرة الأرضية في خدمتها وتحويلهم إلى قوى إستهلاكية في أسواق متعدّدة الوظائف...؟ وحيث تحوّل الاقتصاد الفعلي إلى اقتصاد افتراضي...؟ واقتصاد معرفي...؟ واقتصاد تكنولوجي...؟ متخصص في الإنتاج الإليكتروني الذي يدرّ أرباحاً تفوق خيال الإنسان...؟ كلّ ذلك على حساب إنتاج الموارد الأساسية لحياة الإنسان في بلدان المعمورة، وعلى حساب الخدمات الصحية، وتحسين شروط حياة الإنسان...
إن كارثة النيوليبرالية الاقتصادية، عملت على تدمير القيم الإنسانية لدى الكثير من الدول، لقد دمّرت أحلام الناس في الحرية للجميع، والطعام للجميع، والتعليم للجميع، والصحة للجميع...
إن زمن الكورونا هو امتداد لزمن الكوليرا القريب والبعيد، ومثال هاييتي حين طالت 5% من سكان الشعب الهاييتي، وأخفق الغرب وأخفقت الأمم المتحدة في حل مشكلة الكوليرا في هاييتي، بل ساومت ورفضت تحمّل المسؤولية عن موت الآلاف من الشعب الهاييتي...
منذ عقود والرأسمالية تعيد الاعتبار لشعار "دعه يعمل... دعه يمر" كمبدأ اقتصادي يمنع كلّ أشكال الرقابة الحكومية والقانونية في قطاع الاقتصاد الخاص وشركاته على اعتبار أن قوى العرض والطلب في السوق تسمح بتنظيم وتصحيح أي خلل في الأسعار والأجور والعمّال بشكل تلقائي...!! هذا المبدأ الذي تتبنّاه قوى الرأسمالية النيوليبرالية والترامبية اليوم، فاقم من أزمة الرأسمالية وسمح للقلّة القليلة أن تتملّك الثروات الخيالية التي تجاوزت كثيراً موازنات الدولة ذاتها، الأمر الذي أوجد نظام المصاهرة بين الرأسمالية وأقطاب ومؤسسات الدولة، وأتاح لهما أن يمتلكا كلّ شيء، وترك الأغلبية الساحقة من السكّان عرضة لأزمات دورية تأكل ثرواتها وأجورها ومدخّراتها المتواضعة، وإفقارها لصالح تلك الفئة القليلة المتحكّمة...

أمريكا ورأسمالية الكوارث...
وفي هذا السياق هل يصدّق العقل البشري أن أعظم دولة رأسمالية "الولايات المتحدة" قد أخفقت في تقديم الخدمات الصحية الضرورية لمصابي الفيروس...!! وعجزها عن توفير أبسط المعدّات الطبية في الوقت المناسب، كالأقنعة الواقية، وأجهزة التنفّس، والأسرّة، والمعدّات الطبية اللازمة لمواجهة الوباء...!! وعدم وجود مستشفيات كافية لاستقبال مرضى كورونا...!!
في الواقع، الرأسمالية عبر نظامها الصحّي المتطوّر تقنياً وتكنولوجياً، وحداثة أجهزته ومعدّاته الطبية، ومدى تمتّعه بالتطور والتميّز تكنولوجياً، لقادرة أن تواجه هذا الوباء منذ بدايته، غير أنها تعاملت مع الفايروس باستخفاف شديد ولا مبالاة تحت وهم أن هذا الفيروس "صيني المأوى...!!" ولم تعطِ أيَّ أهمية لتداعيات هذا الوباء ارتباطاً بخوفها من انهيار قطاعاتها الاقتصادية أو توقفها عن العمل...
وحين تخطّى الفيروس الأسوار الحديدية لدول الرأسمالية الغربية وأميركا، حصلت الصدمة بأن الفيروس أصبح له مكاناً آخر غير مأواه الصين...!! ووقعت الكارثة وتخبّطت الزعامات الرأسمالية في تصريحاتها وتوقّعاتها ووسائل محاربة الفيروس...
إن الرأسمالية أمُّ الاختراعات ومحفزة دوماً على البراءات العلمية بما فيها العلم البيولوجي... فلماذا أخفقت...؟ ولماذا تلكّأت، وتزلزلَ كيانها...؟
غير أن محرّك عقل الرأسمالية هو عامل الربح ومراكمة رأس المال في المقام الأول والأخير، وما الإنسان إلّا ترس في الماكينة الصناعية والإنتاجية الرأسمالية، وهي قادرة على توفير أفضل وأحدث الأجهزة الطبية وأقنعة الوقاية، كما تفعل حين توفّر لجنودها كلّ اسباب الحماية من الغازات الكيماوية والبارود وهي تحارب الشعوب وتنهب الخيرات...
لكنّها ليست معنية بخدمة الإنسان الذي لا يعمل، ومنهم كبار السن الذين إنتهت صلاحيتهم في الإنتاج ومجالات العمل، وليست معنية بنظام صحي عام وتطويره، إنما معنية بخصخصة القطاع الصحي ليصبح له وظيفة جني الأرباح عبر تسليع الإنسان وفق قاعدة إدفع أكثر... تحصل على مزايا وخدمات أفضل...!!
إن النظام الصحي الرأسمالي ليس متخلّفاً علمياً، إنما هو نظام مبني ومؤسس على نظام السوق، حيث هناك فرق بين مستوى الخدمات التي تقدّم، وبين طبيعة النظام اللاعدالي، فالخدمات مرهونة بمن يدفع أكثر كي يحصل على مزايا أفضل، في حين أن بنية النظام الصحي الرأسمالي لا يوفّر الخدمات الصحية المتطوّرة والشاملة لكافة شرائح المجتمع، ويفتقد إلى الشمولية في الخدمات والعدالة والمساواة الاجتماعية، فهناك نسبة 80% من الأمريكيين يرون أن نظامهم الصحي لا يلبّي حاجتهم العلاجية، وأنه يحتاج لتغيير شامل في بنيته وأهدافه وأنظمته... وهناك من التقارير التي تتحدّث عن أن عدد الأميركيين الذين هم خارج التأمين الصحّي يتجاوز 24 مليون أميركي...!! وأن هناك 28 مليون أميركي فقدوا حقّهم في التغطية التأمينية الصحية وفق برنامج "أوباماكير" الصادر في عهد الرئيس أوباما بشأن الرعاية الصحية للجميع، حيث قام الرئيس ترامب بتدمير البرنامج، وتقليص الخدمات الصحية من خلاله...!!
إن أزمة الكورونا سوف تترك ندوباً غير قليلة في المجتمع الأميركي، ستتحوّل إلى أوضاع اجتماعية واقتصادية تفاقم من أزمة الرأسمالية، فالمعطيات الأولية تتحدّث عن أن 80 مليون من الأميركيين سيواجهون صعوبة عالية في معيشتهم وحياتهم، وأنّ 60 مليون عامل سيعانون من الأزمة جرّاء تعاطيهم رواتب لا تزيد عن 500$ شهرياً...!!
لن يكون هناك أية حماية للفئات الفقيرة، فالرأسمالية معنية برفاهية القلّة، صانعة الإبتكار ومالكة قوى ووسائل الإنتاج، ولا تتأخر الرأسمالية في تدمير الكرة الأرضية لأجل مصالحها، فهي مسؤولة عن تلوّث الطبيعة، وتغيُر المناخ، وعن ارتفاع منسوب الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، ومسؤولة عن حرائق الغابات واختلاف توقيت هطول الأمطار وشدّتها، ومسؤولة عن انهيار الجليد في القطب الجنوبي، وعن انقراض الكثير من أنواع الحيوانات، ومسؤولة عن التدخّل في شؤون الدول الفقيرة عبر ما يسمّى بالتنمية "التنمية العشوائية" التي تستهدف نهب خيراتها ومواردها الطبيعية...
إن الولايات المتحدة الأميركية مسؤولة مباشرة عن الكوارث التي تجتاح العالم بما فيها ما تسمّى بالكوارث الطبيعية، فالعلاقة بين كوارث الطبيعة "غضب الطبيعة" والنشاط الرأسمالي هي علاقة طردية، فكلّما تدخّل الإنسان في "قانون الطبيعة" كلّما تحرّكت قوى الطبيعة لتفرض قانونها الجديد، عبر موجات الكوارث والزلازل والحرائق...إلخ
وما خروج أميركا من إتفاقية "كيتو" للمناخ مع مجيء ترامب، إلّا اعترافاً وإصراراً على دور أميركي كارثي للأرض والإنسان... والرأسمالية هي صانعة المعجزات لكنها صانعة الدمار والخراب بفعل عقيدتها في تأليه الربح وسطوة رأس المال.
* عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 379
`


أبو علي حسن