الإنسان على عجلة من أمره دائماً

إشكالٌ بين القارئ والمقروء توضحه لنا القراءة، أزمةٌ بين الناظر والمنظور تحسمه لنا البصيرة. صراعٌ بين القاتل والمقتول تحدّد لنا معالمه، تفاصيل الجريمة. تعارضٌ بين السامع والمسموع تشي به الشائعة. نزاعٌ بين المعلوم والمجهول يفصل بينهما التوقع والتخمين. وجعٌ وتضارب بين الايمان والشك يستدعي تدخل العقل أو تأجيل الخلاف للحظة الحقيقة أمام الرب.

في الحرب القادمة، ستختفي كل آثار جريمة قتلنا الجماعي لينجو القاتل وليُعتقل المقتول. كانت الحروب وستبقى محاولات لإعادة رسم واقع جديد لمحو كل اثار جريمة اقتصادية جماعية سابقة. لا قيمة لأية معركة خارج حرب نهائية وحاسمة ووجودية في "هرمجدون" التوراتية وخارج العلامات الكبرى لظهور المخلص وخارج اقامة دولة المساواة والعدالة وسيطرة ثقافة الملكية العامة واعلاء العقل والضمير وتقسيم الثروات بين الناس، كل الناس.

الاممية ليست حلماً انما حتمية لحاجة تاريخية انسانية. لسنا الا جند مجندة لحكام مأساويين، لشخصيات حربية، يسعون بجهد للهلاك ويسعون بقوة للتدمير علهم يتقون الموت. حكّام مضطربون نفسياً، قلمهم سلاحهم. رغم توتر وقلق الموت، الموت سيطال الجميع.

أتعس خلق الله، شعب الله المحتار بأمره، المجدّد بسرور لهزيمته كلّ الفي عام، الساعي بذكائه الى هلاكه الاكيد. لا ينتصر في الحرب غير بائعي التوابيت وحفّاري القبور ومقدّمي القروض المالية وبائعي السلاح ومراكمي المال الحرام لإعمار المدن المدمّرة. مأساتنا اننا لا نعي اننا عبيد عند الرأسمال القذر وأسرى عقيدة تعدنا بالحرب وبالهلاك وخدم عند ماكرين يوحون لشجعان أنهم أحراراً، وهم في الواقع بيادق عند دولة مالية عميقة حاكمة وأدوات عند ديكتاتورية مال حرام متطوّرة لا يهمها الاّ كيف تجدد الحكم لنفسها بالدم .. بالجوع .. بالقهر ، بالنزاع أو بالحروب!

باختصار، كان الانسان مشروعاً فاشلاً للآلهة وكان ندماً دائماً للربّ. هذا ما تقوله الاساطير السومرية والبابلية وهذا ما نقلته التوراة وهذا ما لمسناه من عقوبات جماعية للخلق، من طوفانٍ عظيم الى هلاك قوم لوط الى بلاءٍ في حروب عالمية وفي أمراضٍ معدية وفي تسلّط انظمة أسوأ ما فيها انها رأسمالية "ذكية" أو اشتراكية "متذاكية" تجعلان من الضحايا جيش يدافع عن جرائمهم الاقتصادية والمالية.
لا فرق بين مَن دمّر من! الربّ من دمّر البشرية بعد خلقها أم العقل أدّى الى دمار الشعوب والى هلاك الانسان طالما الهلاك نتيجة حتمية للفكر الانساني المأزوم. كانت فكرة تحويل العملة من الذهب والفضة الى ورق ثم جمعها في مصارف أخطر فكرة خطرت في عقل انسان شرير، بعد ابتكار الملكية من أنانيين مصابين بالهلع ومن الخوف الاجتماعي.

العقل صنع جحيم الدنيا من دون حاجة لإبليس كوسيط. لا خلاص للإنسان من عقله التدميري الاّ باكتشاف علاج للموت وهذا مستحيل. لا خلاص للإنسان من عقله التدميري الا باكتشاف علاج للموت وهذا مستحيل.

في البدء لم تكن الكلمة. في البدء كان السكون، كان الخوف والقلق والحيرة أمام الموت. كان اقتحام الموت لاتقاء الهلاك بسلوك طريق ما كانت الا مدمرّة ولا تؤدي الاّ للموت. كلّ هذا الضجيج في العالم وكل هذا التوتر العارم للحضارات وكل تلك الصراعات والنزاعات ما هي الاّ محاولات للخلود عبر المجد عبر الحكايا عبر ترك آثار .. عبر زرع نسل .. وتكاثر عبر البقاء للأقوى أي محاولات لتلبية ولإرضاء تجليّات عقل يرفض في أعماق أعماقه حدث الموت ويشكك في بواطنه بفكرة الجنّ. في طلب الخلود ورفض الموت يتحدّى الانسان خالقه أو يتحدى الطبيعة لا فرق، المهم أنه في تحدِ لمجهول كان ومازال أفضل علاج للموت هو الموت نفسه لأنه رحمة. في طلب الخلود ورفض الموت يتحدى الانسان خالقه أو يتحدّى الطبيعة لا فرق، المهم انه في تحدٍ لمجهول.


فلنمت مخلصون للأخلاق. كل مصائب وكل كوارث الانسان المسكين أنه يحاول اكتشاف علاج للموت بتحديه وبالتصارع معه فإذ به يقع فيه، مسروراً وضاحكاً ومقهوراً إما بفلسفة، إما بعقيدة، إما بعبثية إما بدين ولو موّه صراعاته بنصرة الخير وبمقارعة الشرّ. لا يهمّ، من يقف خلف انبثاق الخير والشر، الآلهة أم العقل إذ لا وجود للخير خارج تسوية بين الأشرار.
لا وجود للخير خارج تسوية بين الأشرار.

الخير اتفاق وتسوية بين الاشرار ليتقوا الأشرّ منه. سيبقى الانسان على عجلة من أمره، يحاول السيطرة على هواجسه وعلى هوسه وعلى خوفه وعلى قلقه الابدي لعلّه يفوز ولعلّه يربح ولعلّه ينجو. سيستمر الانسان في صناعة الحروب، في احترام القوة وتمجيدها، يصفّق للشرّ ولا ينطق الاّ كلاماً جميلاً وان ضعفت قوته استنجد بالآخر بالناس بحثاً عن الخير المطلّ. هل الانسان شرير، يحركه شرّه؟ قلق الموت والخوف من سرعة العمر ومن المرض ومن الكوارث ومن الفقر ومن الجوع ومن نهاية تعيسة لعوامل محرّكة تدميرية لا تؤدي الاً للدمار. الانسان عدوّ نفسه يستخدم ذكائه بغبائه. قُتل الانسان ما أكفر. قهر عباده بالموت والفناء.

 

أرمجدون أو هرمجدون هي كلمة جاءت من العبرية هار-مجدون أو جبل مجدو ، بحسب المفهوم التوراتي هي المعركة الفاصلة بين الخير و الشر أو بين الله و الشيطان و تكون على إثرها نهاية العالم . وتقع هضبة "مجيدو" في منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا وكانت مسرحاً لحروب ضارية في الماضي كما تعتبر موقعا أثرياً هاماً أيضاً. وهي عقيدة مسيحية ويهودية مشتركة، تؤمن بمجيء يوم يحدث فيه صدام بين قوى الخير والشر، و سوف تقوم تلك المعركة في أرض فلسطين في منطقة مجدو أو وادي مجدو، متكونة من مائتي مليون جندي يأتون ل وادي مجدو لخوض حرب نهائية.