هذه بيروت.. أيها العالم!! *


أيها العالم!.
أناديكَ لا مستنجداً، لا مستغيثاً، لا مسترحماً، ولا طالبَ إسعافٍ أو معونةٍ أو.. أو..
شعبُنا يستكبرُ أن يناديكَ، أيها العالّم، لأمرٍ من مثلِ هذه الأمور.. لأنه شعبٌ عرف بتجربته النادرةِ المنال، أنّ ما تدّخرُه الشعوبُ في كيانها الداخليِّ الذاتي من طاقاتٍ وقُدُرات، هو الأصلُ الذي لا يُغني عنه، من خارجِ ذاتها، أقوى القوى، ولا أغنى الغنى.. فترى بيروت، ولا أعظم الطاقاتِ الماديةِ والمعنوية..


أناديكَ، أيها العالَم، لأمرٍ وحيد: أن ترفعَ رأسكَ نحو هذا الجيل العظيم الرابضِ هنا على هذا الشاطئ المشتعل بقدر كرةِ الشمس.. أن ترفعَ رأسكَ نحو هذه المدينة ـ الجبل، الواقفة على هذا الشاطئ، واسمها، بيروت.. لكنّ أعداءَ وحدةِ الوطن أرادوها: “بيروت الغربية "..
إرفع راسكَ، أيها العالم، وانظر.. لترى بيروتَ كيف وقفتْ يوم أول أمس (الخميس 12/8/1982)؟ لترى مدينتَنا، وهي التي تضيقُ ـ مساحةً ـ حتى تكاد لاتُعادلُ جزءاً صغيراً جداً من نقطةٍ ميكروسكوبيةٍ في خارطة الأرض، كيف وقفتْ كبيرةً كبيرة، وسيعةً وسيعة، بحجم هذا الكوكب، وبِسِعةِ مداه الفضائي..
أيها العالَم!
هل رأيتَ بيروت: كيف وقفتْ طوال إحدى عشرةَ ساعةً كاملةً متواصلة، والهمجيةُ الصهيونية تُطبقُ عليها بكل ما زوّدتها به إدارةُ ريغن الأميركية من أحدثِ آلاتِ الإبادةِ للإنسان وللحضارة والعمران؟..
لعلّ الهمجيةَ الصهيونية كان يراودُها خاطرٌ لم يكن خاطراً، بل كان وهماً أحمقَ طائشاً، وخائباً..
لقد أجهدتْ إسرائيُل آلتَها العسكرية، بأصنافها الثلاثة: الجوية، والبحرية، والبرَية، وأجهدتْ جنودَها حتى الإرهاق، طوال نهارٍ صيفي، كاملٍ متواصل، وهم يصبّون حِمَمَ البراكين "الملتهبة" على بيروت "غيرِ المحتلّة".. لماذا؟.
الهمجيةُ الصهيونية، لم تجهدْ عسكريتُها كلَّ ذلك الإجهاد الرهيب، إلّا وهي تحت كابوس الوهم الأحمق الطائشِ الخائب الذي ُدخلَ في رأسها، الناريِّ النزعة، أنّ بيروتَ "غيرَ المحتلة" ستنحني.. سترفعُ يَدَيْها ناشرةً راياتِ الخنوع والاستسلام!.
لكنّ بيروت، وقفتْ كالمعجزة، كالأسطورة...
لكنّ بيروت وقفتْ، وما انحَنَتْ..
أُناديكَ، أيها العالَم، لترى بيروتَ كيف وقفتْ وما انحَنَتْ...
أُناديكَ، أيها العالَم، لترى: أيةَ معجزة، أيةَ أسطورةً كانت بيروت في وقفتها تلك، في يومها ذاك؟..
أُناديكَ، أيها العالَم، لتشهدَ أنها أول مرّةِ في تاريخ البشرية، وفي تاريخ حروب البشرية، تُعرَفُ فيها مدينةً بهذا الحجم، وفي ظروفِ حصارٍ جهنّميٍّ كالحصار المضروبِ عليها بهذا الشمول، تتلقّى هذا القدر المذهل من الغاراتِ والقذائف، من الجو والبحر والبر، طوال هذا المقدار المذهل من الزمن أيضاُ، وتبقى واقفةً لا تنحني، لا تخضع، ولا تستسلم، بل تبقى واقفةً بكبرياء ٍ وشموخ..
أيها العالَم!
لا أُناديكَ إلاّ لترى وتشهد، ولأقولَ لكَ: شكراً

* نُشرتْ هذه المقالة للشهيد المفكر حسين مروة في جريدة "النداء" تحت زاوية "الوطن المقاتل" بتاريخ 15 / 8 / 1982، أيام الحصار الجهنمي والقصف الهمجي الإسرائيلي على العاصمة بيروت.

*ملاحظة (هناء م.): في العدد نفسه من جريدة " النداء"، وفي أعلى يسار الصفحة الأولى كَتَبَ "راجح" تعليقاً هذا نَصُّه:
بصراحةٍ أعجبتني في أرييل شارون تنتيعاته ضد الأميركان، حين كان يشعر أنهم يحاولون تبييض وجههم على حسابه.
شارون الذي يأكل من صحن السلطان ويضرب بسيفه، وجد مع ذلك سبيلاً للإعراب عن استيائه من بعض التكتيكات الأميركية.
ولا عربيّ تجرّأ على القول للأميركي "محلا الكحل بعينك"، رغم أن الأميركيين يأكلون من لحم الشعوب العربية، ويضربون بكرامتها حكّامها عرض الحائط. (.. . برسم الحكام العرب!!!! ـ هناء م. )