نحو نقابة طلابية شاملة

من الواضح أن الأزمة اللبنانية بارتباطها الوثيق بأزمة رأس المال العالمي تزداد سوءًا يوماً بعد يوم، وللأمر انعكاساته على أوجه الحياة العديدة للمقيمين في بقعة الأرض هذه. والملف الجامعي والمدرسي الأكاديمي سيانٌ في معادلة القهر الحديثة، وللطلاب والأهالي حصة الأسد من المعاناة؛ فالى جانب ازدياد حدة أزمة المعيشة، يواجه الطلاب واقع تعليمي صعب حيث تحكم المؤسسات الربحية الخاصة المحسوبة على التحاصصية السياسية قبضتها على المشهد التعليمي وتقوم بتسليعه وترويضه ضمن قاعدة العرض والطلب في السوق من جهة، ومن جهة أخرى، يرى الطلاب أملاً قد يتبدد في الجامعة الرسمية أي جامعة الفقراء التي كانت وما زالت في صلب سداد حِراب الطبقات الأكثر انتقاماً وقمعاً في المجتمع (أي الطبقة البورجوازية) التي أصرّت على ضرب قدرة العمال على تحصيل العلم منذ ولادتها.

ولكن كما طرح "نيوتن" في نظريته للفعل ورد الفعل الموازي قوّةً وعنفاً، لا يمكن غض النظر عن افعال الطلاب المقاومين بوجه هذه المنظومة، اما عبر المظاهرات الطلابية في أشهر كانون الأول والثاني من سنوات 2020 – 2021، أو الانتخابات الطلابية في الجامعات الخاصة و"طرد" احزاب الطغمة الحاكمة من المجالس الطلابية فيها. ولكن كما وجبت الإشادة بإنجازات الطلاب في الجامعات الخاصة حيث وجبت الإشادة، علينا بتقديم النقد وإكمال النزعة النظرية للعمل الطلابي بشكل عام. والمقصود هنا، هو استكمال نضالنا الطلابي في المضمار الكفاحي، عبر الدفع نحو تأسيس نقابة طلابية واسعة وشاملة، نناضل من خلالها من أجل حماية حقنا بالتعليم المجاني ولمواجهة موجات تسليع العلم واحتكاره لطبقة دون سواها.

 

في مسألة الاحتكار

من الواضح ان التحركات البورجوازية الحديثة على الصعيد الأكاديمي تصب كلها في مصلحة ضرب قدرة الطبقة العاملة على التعلم، ويُلاحَظ هذا الأمر عبر المثابرة على تصعيب سير أعمال الجامعة اللبنانية، سواء عبر حرمان بعض اساتذتها المتعاقدين من التثبيت والرتب والأجور العادلة، أو اغلاق بعض أوجه الحياة الطلابية أمام الطلاب كمنع انتخاب الهيئات الطلابية وتجميد العملية منذ أواخر عام 2008 على سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة الى سعي الإدارة لحصر الصلاحيات الهامة وال"استراتيجية" بيد قلة قليلة أو حتى شخص واحد بشكل مستمر، ومثابرة الجهات الحكومية على تقليص ميزانية الجامعة سنة بعد سنة. والفضيحة المستجدة هي حرمان بعض الطالبات في الماجيستير من متابعة دراساتهم العليا في النمسا بعد دعوتهم من قبل وكالة الطاقة الذرية العالمية، وقد نشر وزير التربية الحالي إعلان المنح قبل نهار واحد من المهلة المحددة للتقديم، مما جعل من الالتحاق بالبرنامج أمر مستحيل امام الطالبات. أما في شق الجامعات الخاصة والإرساليات الأجنبية، فقد رأينا تصاعداً في نبرة التسلط على الطلاب في الآونة الأخيرة؛ فقد قوبلت تحركات الطلاب في الشارع بهراوات الأجهزة الأمنية اللبنانية عند عدة محطات، والسبب هو مطالبة الطلاب بمنع رفع الأقساط عليهم. إزاء هذا الأداء الإلغائي (على أقل تعبير) الذي نشهده من الجهات المسيطرة والطبقة المهيمنة، نلاقي أنفسنا أمام حاجة لا بل ضرورة لمقاومة هذه الهجمة العنيفة المستجدة، التي رُدِّدَت على لسان بيار الجميل سابقاً حيث قد طالب بإغلاق الجامعة الوطنية بحجة أنها "منبع الحمر والشيوعيين ولا تخرّج إلا المخرّبين"، أُسبِغَت في تحاصص الجامعة الوطنية والاستفراد بطلاب الجامعات الخاصة من أصحاب المنح التعليمية أو ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وتحجَّمَت بتضحيات وانجازات الطلابية بدءًا من شهيدنا الشيوعي وشهيد تأسيس الجامعة اللبنانية فرج الله حنين، وصولاً الى يومنا هذا.

 

وعليه، نرى أنفسنا في مرحلة متطورة من النضال الطلابي وفي مواجهة تحديات عصرية وبنيوية وحتى نظرية/مبدأية؛ فلنا الآن في الجامعات الخاصة ظاهرة جديدة اسمها الحركة العلمانية، التي تميزت منذ انفجار وهجها وموجة متابعيها عشية السابع عشر من تشرين الأول سنة 2019 التي اكتسحت انتخابات المجالس الطلابية في الجامعات الخاصة وتلاقي نفسها أمام تحدٍّ يقتضي بتثبيت المواقع إزاء استحقاق انتخابي جديد، يأتي بعد مضي العامين عن انطلاقة انتفاضة 17 تشرين. واللافت في الأمر هو بروز هذه التجربة "الشاذة" على الساحة الشبابية؛ تجربة تمكنت من فرض نفسها كبديل "ملوّن" عن الصيغة الطائفية المهيمنة، على الرغم من تزامنه مع موجة الانتفاضة التي انحسرت فيما بعد. لكل ذلك بشائر خير تنذر بافتتاح العمل الطلابي بصيغة تسمح بتعددية المواقف كمعارض لإدارة جامعة او ميزانية او حتى بعض القرارات التعسفية بحق الطلاب، ضد موالٍ لقرار الجامعة وادارتها وأسيادها واصطفافتها السلطوية والاستعمارية.

 

خُدّام البلاط والاستعمار

وفي خدمة البلاط نعني بذلك دور الجامعات والإرساليات الخاصة باعداد وتجهيز الأجيال البورجوازية المستقبلية، التي ليست الا جحافل الطبقة المسيطرة المدللة، والتي تتدرّع بمناهج القهر في التعليم وقد قالها البرازيلي "باولو فريري" في جملته الشهيرة: "اذا كان التعليم قهري غير تحرّري، يغدو حلم السجين أن يصبح السجان" (بتصرّف). واستبسلت الجامعات الخاصة في تطبيق هذا المبدأ القهري وكسر عزائم المتعلمين والطلاب، وبذلك تقوم بخدمة العمر للطبقة المخملية. أما بعد، فلقاء هذه الخدمة، تقوم المؤسسات الدولاتية والميزانيات العامة بإشباع رغبات المؤسسات الربحية عبر تقديم المساعدات والهبات المالية من خزينة الدولة، أي الضرائب المفروضة على مداخيل العمال المتواضعة، حيث قد بلغت قيمة هذه المساعدات حوالي ال200 مليار ليرة لبنانية في السنة، المبلغ الذي رصد في عام 2017. 

 

والآن تتذرع الجامعات الخاصة بخسارة جراء الأزمة لرفع مقصلة الأقساط على الطلاب، حيث قد أفادت الجامعة اليسوعية عن خسارة 35 مليون ليرة لبنانية خلال العام الدراسي الماضي أي 2020/2021، وبغياب كشف حساب يفصّل الخسائر المزعومة ويضحد تقارير الجامعة اليسوعية علينا أن نقر بغموض هذا التقرير والأرقام المذكورة فيه. علماً ان الأزمة المستفحلة تطال شتى فئات المجتمع، علينا أيضاً ان نعترف بأن الأزمة تلقي بكامل ثقلها ووزرها على أولئك الذين يكدّون لتحصيل علمهم بشقاهم. وعليه، فإنّا كطلاب ثوريين نرفض تحجج الفئات القامعة بقمعها ذاته لإطباق انقضاضها علينا وكسر عزيمتنا واندفاعنا.

 

أما في خدمة الاستعمار، فلا شك بقيام الارساليات كالجامعة المريكية في بيروت (AUB) والجامعة اللبنانية – الأمريكية (LAU) بخدماتها على صعيد البحوث الاستراتيجية في لبنان بشكل خاص والمنطقة بشكل عام حيث قد تشكرت الادارة الاميركية لهذه البحوث بشكل متكرر غير متقطّع، كما وأن هذه الجامعات قد تلقت العديد من الهبات من هذه القوى الاستعمارية، الأخيرة منها كانت بقيمة 10 مليون دولار أمريكي للأمريكيّتَيْن.

 

النقابة الطلابية الشاملة

فأمام هذه التحديات، نجد أنفسنا كطلاب تقدميين وثوريين في مجال حل يكمن بحتمية تاريخية تكتيكية، تغييرية للبنية الاستعمارية – التبعية للجامعات الخاصة ومعركة تحرير جامعتنا الرسمية التي تضمن حق تعلم الطبقات العاملة بكرامة وبفرص متساوية أمام من قضم الأحلام من عيونهم. والحل هنا هو في تأسيس نقابية طلابية شاملة، عابرة للجامعات وأبنيتها الرمادية ومناهجها القهرية، تفرض معادلة قوى شعبية تقدمية صاعدة تواجه عسكرة وعَسَس المؤسسات الربحية والرأسماليين تهدد بإسقاط الهيكل المتهالك فوق رؤوسهم. وشكل هذه النقابة يكون بتحرير أنفسنا كطلاب أولاً من بوتقة الإيديولجية المبنية في صلبنا منذ تمأسسنا في الكيان اللبناني، ومن قم تحرير مجالسنا الطلابية ومندوبينا، وفصلها عن قرارات الجامعة وهيمنتها، وتأمين استقلالية عملنا المقرون بالمناهج العلمية والديالكتيكية حيث اضطُرّ الظرف المادي على مآلات الفلاسفة الثوريين، وتراكم نضال أسلافنا ورفاقنا الشهداء.

 

نقابة تحمل بشعارها فرج الله حنين المبدأ والنظرية الثورية، لا الاسم والصورة وحسب. نقابة تحمل بتفانيها إرث التضحيات المبذولة في سبيل تحرير التعليم وخدمة الطبقة العاملة، ولو لقاء دفع الثمين. نقابة تٌسقِط المعارضة المزيفة للمشروع التبعي الاستعماري في لبنان، ومن سَوَّق القضية الطلابية على ارضية منفصلة عن كفاح البروليتاريا العام ضد نظام البورجوازية وجهازها السياسي. فلتكن النقابة الطلابية الشاملة جعبة سياسية ثقيلة في مسار التحرر العام والنهائي من أنظمة الرجعية والاستبداد.