حوار مع النقابيّ العريق أديب أبو حبيب (1/2)

 

لديه جعبة مملوءة بالذكريات والتواريخ عن أشخاص نفتقدهم ونفتقد أمثالهم كيوسف خطار الحلو والياس البواري ومصطفى العريس والياس الهبر وسليمان الباشا وغيرهم الكثير الكثير ...تلقفّ العمل النقابي في ريعان شبابه، وأول نقابة انضمّ إليها كانت نقابة عمال المطابع ... هو الحاضر في كل الساحات والنضالات المطلبية والنقابية... له بصمة في جميع الانجازات التي حققتها الحركة النقابية على مدى سنين طوال. لديه شخصية متواضعة وسرعة بديهة، محافظ على طبيعته القروية. أديب ابن عائلة شيوعية اذ أنّ والده هو المناضل الشهيد ميشال بو حبيب، ووالدته ليندا التي كانت تغسل متاعب الحياة براحة أيديها، والفلفل الأحمر ملازمًا لجعبتها، لتذرّه في الأعين تحسبًا لحصول مداهمات، وهي أيضًا من قدمت في إحدى التظاهرات النسائية في انطلياس (من أجل الإعاشة) للرئيس الراحل بشارة الخوري رغيفًا من الخبز الأسود وقالت له: "هذا هو الخبز الذي نأكله هل تستطيع أن تأكله أنت”؟ ...



هل لك أن تشرح لنا كيف نشأت وتطوّرت الحركة النقابية في لبنان؟

لم توجد في لبنان حركة نقابية في البدايات، فالحركة النقابية بدأت في أوروبا وانعكست بدورها على لبنان من خلال الشركات الفرنسية التي كانت تضم عمالاً أجانب، أسهمت بدورها بولادة حركة نقابية في لبنان من خلال اختلاط عمل اللبنانيين بالعمال الأجانب. بعد فترة الحرب العالمية الثانية تأسست على المستوى العالمي حركة نقابية عرفت بالاتحاد النقابي العالمي (FSM) الذي ضم بدوره جميع التيارات العمالية حول العالم، بمن فيهم عمال أميركا، ولكن هذا الاتحاد لم يدم طويلاً، فمع اندلاع الحرب الباردة في سنة 1949 انقسم الاتحاد إلى اتحادين: الاتحاد النقابي العالمي (FSM) الذي كان يضم النقابات في الدول الاشتراكية، والعديد من النقابات في أوروبا وآسيا وافريقيا والاتحاد الدولي للنقابات الحرة (CISL)، ويضم النقابات التي خرجت من الاتحاد النقابي العالمي في (أميركا وبلجيكا وبريطانيا)، فتأثرت الحركة النقابية العالمية بهذه الانقسامات بما فيها لبنان، وما كان على السلطة البرجوازية أن تستغلها لتفتيت الحركة النقابية. جرى أول احتفال بأوّل أيار سنة 1907 في الأحراش على ضفاف نهر الكلب، وزرع العمال في ضبية قرب محطة ضخّ المياه شجرة سميت شجرة أول أيار، ففي هذه الفترة تأسس عدد من النقابات "الجمعيات استنادًا للقانون العثماني" عمال المطابع سنة 1914 ونقابة عمال الدخان في بكفيا، وجرى احتفال الأول من أيار سنة 1925 في سينما كريستال في بيروت خلف ساحة الشهداء بدعوة من نقابة عمال الدخان في بكفيا وحزب الشعب، وكانت الشعارات محددة: ثماني ساعات عمل، ايجاد قانون للعمل، عدم التمييز بين المرأة والرجل، ايجاد ضمان اجتماعي وضمان شيخوخة، وقانون يحمي العمال عند الاصابة بطارئ عمل الخ...

بعد الاستقلال مباشرةً، وتحديداً سنة 1944، أعلن عن تشكيل الاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان وقد ضم 15 نقابة و12 لجنة نقابية، وانتخب مصطفى العريس رئيسًا للاتحاد، ولا بدّ من الاشارة بأنّ النقابات العمالية شاركت بشكل فعاّل وواسع في النضال من أجل الاستقلال، ومن أجل الحريات الصحفية، وأنّ رئيس الاتحاد مصطفى العريس ومستشار الاتحاد الياس شاهين كانا من ضمن الوفد الذي سافر الى باريس للمفاوضة من أجل الاستقلال. في 11 حزيران 1946 أعلن عمال الريجي الاضراب وكان وزير الداخلية صائب سلام. في 27 حزيران اعتصم عمال الريجي في فرن الشباك مركزالشركة ومنعوا اخراج البضائع، واجهت السلطة الاضراب بالقمع، وبالرصاص، قُتلت العاملة وردة بطرس وجرح 27 شخصًا من بينهم 13 عاملة، لكن الاضراب استمر حتى 12 تموز 1946 بعد أن رضخت الشركة لمطالب العمال. في أيلول سنة 1946 صدر قانون العمل اللبناني واعتبرت كل النقابات (الجمعيات) بحكم المنحلّة، وطلب اعادة تنظيم النقابات على أساس قانون العمل، رفضت وزارة الاقتصاد اعطاء ترخيص بإنشاء نقابة لعمال المطابع، جرى اضراب عام لعمال المطابع وفرض على الحكومة اعطاء الترخيص وبعد صدور قانون العمل أصبح انشاء النقابات خاضعًا للترخيص المسبق من وزارة الاقتصاد. في 14 أيار 1948 تم اعتقال حنّا الزرقا أمين سر نقابة عمّال المطابع وأرسل الى سجن بعلبك، وجرت ملاحقة مصطفى العريس رئيس النقابة كونه أيضًا عضوًا في سكرتارية الاتحاد النقابي العالمي (ودائمًا بحجة النشاط الشيوعي).

في 22 كانون الثاني سنة 1948 جرى مهرجان في الأونيسكو، وتمّ اعتقال مصطفى العريس مع 35 نقابيًا. وفي 2 تشرين الثاني 1949 وللمرة الثالثة جرى اقتحام مقر الاتحاد واعتقال مصطفى العريس وعدد من النقابيين (بين سنة 1948 و 1953 كان في السجون حوالى ال50 عاملاً ونقابيًا) بشكل دائم. سنة 1949 كانت محطة أساسية في الحياة النقابية اذ جرى انشقاق في الاتحاد النقابي العالميّ، وتم تأسيس الاتحاد الدولي للنقابات الحرة، بعد خروج النقابات البريطانية والبلجيكية والاميركية بحجة سيطرة الشيوعيين على الاتحاد النقابي العالمي، وانعكس ذلك على الكثير من الاتحادات والنقابات في العالم ومنهم لبنان. لم تسمح الحكومة اللبنانية آنذاك للنقابات اليسارية بإنشاء اتحاد للنقابات بعد أن اعتبر الاتحاد العام بحكم المنحل بعد صدور قانون العمل. فاستعاضت النقابات اليسارية بالعمل تحت اسم النقابات الستّ ومن ثم كتلة النقابات المنفردة. سنة 1958 جرى انشاء الاتحاد العمالي العام من ثلاثة اتحادات: اتحاد النقابات المتحدة، جامعة النقابات، واتحاد نقابات الشمال.

أذكر أنه وخلال الفترة الممتدّة بين 1948 و1966 جرى انقسام حاد في الحركة النقابية بين اليسار واليمين وبسبب الانتماءات الدولية. في 21 كانون الثاني 1961 عقد اجتماع مشترك في جامعة النقابات، تقرّر خلاله الدعوة لمؤتمر نقابي وتمّ الاتفاق على دعوة الاتحادات ما عدا كتلة النقابات المنفردة، وكتلة نقابات صيدا والجنوب، وكلف اتحاد النقابات المستقلة بتوجيه الدعوات النقابية كون المؤتمر سيعقد في دار النقابات المستقلة، وبسبب العلاقات الجيدة بين النقابيين الاشتراكيين والشيوعيين والناصريين، وبعد الاتصالات مع أمين سر النقابات المستقلة (لبيب الساحلاني) الاشتراكي تم الاتفاق على دعوة جميع الاتحادات والنقابات من دون استثناء (ولما عرف اتحادات النقابات المتحدة والشمال والجامعة قرروا مقاطعة المؤتمر). لكن المؤتمر عقد رغم المقاطعة واستمر لمدة خمسة أسابيع ابتداء من 11 شباط حتى 11 آذار سنة 1962 وشارك فيه 90 مندوبًا من 36 نقابة، وشكلت لجنة متابعة من 15 عضوًا وترك أربعة مقاعد شاغرة. في 24 كانون الثاني سنة 1962، تأسست جبهة التحرر العمالي بقرار من وزير الداخلية الشهيد كمال جنبلاط. ومن المؤسسين كان أسعد عقل وانطوان عويضة وحارس فغالي وعادل عبد الصمد وسعيد مغربل وخليل قلعجية. منذ ذلك الحين، بدأت جبهة التحرر العمالي تلعب دورًا مهمًا في تجميع القوى النقابية، لاتخاذ مواقف مشتركة تتعلق بالملاحظات على قانون العمل - قضايا الأجور – الغلاء – الضمان الاجتماعي – الايجارات وغيرها الخ... وذلك عبر المؤتمرات والمهرجانات العمالية بمناسبة الأول من أيار، في بيروت والمناطق.

المرحلة الجديدة
في 2 كانون الثاني 1966، رخصّ وزير العمل جميل لحود للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، واتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب، واتحاد نقابات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة، وقد هددت الاتحادات المرتبطة بالسلطة والاحتكارات بالاضراب احتجاجًا على الترخيص. كما جرى عندما أعلنت الاضراب ضد صدور قانون الضمان الاجتماعي سنة 1963.

بعد الترخيص للاتحادات الجديدة وعلى اثر ازمة بنك "انترا" 1966 شهدت هذه الفترة نضالات عمالية ونقابية في اكثر من قطاع – الطيران – المؤسسات الفندقية – كازينو لبنان فضلاً عن بعض القطاعات الصناعية، وتحركات واسعة ضد قانون الايجارات، حيث جرت مظاهرة للمستأجرين والنقابات امام البرلمان شارك فيها العديد من المواطنين والنقابيين، والنواب وعلى رأسهم الشهيد معروف سعد وفريد جبران وممثلو الاحزاب. في 28 آذار 1967 دُعي إلى مؤتمر نقابي من قبل الاتحاد العام شرط استبعاد الاتحاد الوطني، واتحاد الجنوب، رفض اتحاد النقابات المستقلة استثناء أي من الاتحادات، وأصر على دعوة كافة الاتحادات، وأمام اصراره وجهت دعوة ثانية لكافة الاتحادات بتاريخ 4 ايار 1967 على أن يمثل كل اتحاد بعضوين، الرئيس والامين العام، وقد عقد المؤتمر وشكل على اثره المجلس الاعلى للاتحادات الذي أنيط به متابعة كلّ القضايا العمالية.

وبين سنوات 1971 و1976 جرى تأسيس عدد من الاتحادات النقابية القطاعية ومنها: النقل الجوي، القطاع التجاري، الطباعة والاعلام، القطاع الصحي، المواد الكيماوية، الميكانيك والتعدين، التأمين، البناء والاخشاب، المواد الغذائية، المصارف، البترول، دور التغذية واللهو... الخ... حتى أصبح عدد الاتحادات المنتسبة للاتحاد العام ثلاثة وعشرين اتحادًا ...

يتبع في جزءٍ ثانٍ