تفكير التراث اجتماعياً أم إنكاره


مع بداية مرحلة الحداثة في الغرب وإنجازاتها على الصعد كافة والتي أعقبت قروناً من الظلامية والجهل عُرِفت بالقرون الوسطى، بدأ مفكّرون وكُتّابٌ عربٌ ومسلمون بطرح إشكالية تخلّف العالمين العربي والإسلامي، وأسباب تقدّم غيرهم؛ فكان سؤال شكيب ارسلان في كتابه... لماذا تخلّف المسلمون وتقدّم غيرهم من الأمم...؟ ذلك أدّى إلى حراكٍ فكريٍّ ثقافيٍّ "ذو اتجاهات ايديولوجية ومنهجية مختلفة"...

لقراءة هذا الواقع وأسباب التخلّف، بما يُحتّم معرفة الماضي أي التاريخ وكيفية تشكُّل هذه المفاهيم وعلاقتها بالحاضر، وهذا هو المنهج التاريخي في مواجهة النظرة المثالية الأحادية.

من خارج السياق التنميطي أي السائد في معرفة التراث، الذي تتبنّاه التيارات الإسلامية بمختلف مذاهبها، والتي تعتبر مخاض التراث بصراعاته وإنجازاته غيبياً أو مثالياً صرفاً. أي، صراع بين الخير المطلق والشرّ المطلق والمستشرقين.

من جهة ثانية الذين يُنظِّرون إلى الإنتاج الحضاري نسخاً لحضارات أخرى أو نقلاً عن الحضارة اليونانية تحديداً. ولأنه من المستحيل وفق المنهج التاريخي العلمي أن يكون الصراع غيبياً أو ميتافيزيقياً بل يجب أن يكون له أساس مادي أي أن النزعة المثالية تخبّئ نزعةً مادية فلا بدّ من دراسة التطور الاجتماعي برؤية نسبية بعيدة عن ثنائيات
المطلق للعرب منذ ما قبل الإسلام.

هكذا بدأ الشهيد المفكّر حسين مروة كشف الجذور الاجتماعية الكامنة وراء كلِّ الاتجاهات الفكرية والفلسفية والفقهية، بما هي تمثّل موقعاً اجتماعياً مُحدِّداً له مصلحة في التقدّم أو المحافظة على السائد، كان حصيلة ذلك إنتاجاً فكرياً ومعرفياً ضخماً، وما تلك الومضات المضيئة إلّا نتاج ذلك الصراع.. صراع بين قوى التقدّم وقوى الظلام؛ فكانت الفِرق الكلامية.. مثالاً كالمعتزلة والأشعرية يمثلان صراع السلطة والمعارضة أي بين اتجاهات اجتماعية مختلفة وكذلك التيارات الفكرية والفلسفية.

إذاُ، هذا هو الماضي، وهذا هو الحاضر محكوم بقوانين التطوّر الاجتماعي.