الصين: الحوار ورفض العدوان طريقا البشرية للفوز المشترك

منذ توليه رئاسة الصين للمرة الأولى، رسم الرئيس الصيني شي جين بينغ مسار الصين للأعوام الخمسين القادمة فيما اعتقد كثيرون أنها مجرد خطابات لرئيس جديد، أي كخطابات كل الرؤساء الجدد ممكن أن تكون مجرّد وعودٍ في الهواء.

انعقد الأسبوع الماضي في بكين "مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية"، والذي يوضح عنوانه المغزى منه. وقبل الحديث عن مضمون المؤتمر لا بدّ من الإشارة إلى أمرين هامّين.

الأوّل أن فكرة انعقاد هذا المؤتمر تحدّث عنها الرئيس الصيني منذ العام 2014، ومنذ ذلك الحين، بدأ الإعداد لهذا الحدث، وذلك من خلال إقامة العديد من المشاورات واللقاءات والمؤتمرات التي توّجت جمعاء في مؤتمر "حوار الحضارات" الذي يعتبر مناسبة فريدة من نوعها. ففي حين تموّل الولايات المتحدة الحروب وتُحيك المؤامرات والانقلابات في أكثر من بلد، وتهدّد وتتوعّد شعوباً أخرى بالتدمير إن لم تخضع لها وتتعامل بفوقية وعنجهية يصفها المسؤولون الأميركيون "تفوّقاً عرقيّاً" حتى مع "حلفائهم"، وقد اتّضحت في خطابات الرئيس الأميركي المثيرة للاشمئزاز وهو يتكلم عن علاقته بالملك السعودي حين استخدم كل تعابير "تفوّق الرجل الأبيض" وحقه في إذلال باقي الشعوب.

في مقابل كل هذا الانحطاط الأخلاقي والتسلط، يأتي "مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية"  بدعوة من دولة تمتلك كل إمكانيات السيطرة، إلّا أنها قرّرت، استناداً إلى حضارتها وحضارات كل شعوب آسيا، أن الطريق الصحيح هو الحوار. إن من واجب الشعوب التوّاقة إلى التقدم والتحرّر أن ترفض التسلّط، وأن ترفض ظلم أمّة لأمّة أخرى بحجة "التفوّق العرقي". وفي هذا الإطار، شدّد الرئيس الصيني، وبكلمات حاسمة، على رفض الصين لمنطق التمييز العرقي الذي يستخدمه حكّام الولايات المتحدة لتبرير عدوانهم واعتدائهم على الأمم الأخرى، في قوله "إنه من الحماقة الاعتقاد بأن عرقاً ما أو حضارة ما أعلى من غيرهما. إنه لأمر مفجع أن نعمل بشكل متعمّد على إعادة تشكيل الحضارات الأخرى أو حتى استبدالها".

أمّا النقطة الثانية، فهي بطبيعة الحال استكمالاً للأولى ليشكّلان معاً الخطّ الفكري والعملي الذي تسير عليه الصين. فليس ما ذُكِر أعلاه سوى دلالة على أن الصين تُخطّط. وخططها هذه هي للمدى القصير وكذلك الطويل، لتصبّ جميعها في ما يسميه الصينيون "مستقبلاً مشتركاً وجميلاً للبشرية"، والذي وضع الرئيس الصيني أساسه الثقافي في هذا المؤتمر، مقدّماً إيّاه على شكل اقتراح من أربع نقاط: "التعامل مع بعضنا البعض باحترام وعلى قدم المساواة، وتقدير جمال جميع الحضارات، والالتزام بالانفتاح والشمول والتعلّم المتبادل، ومواكبة العصر".

 لذا فالأمر المُكمّل هو أن الصين لا تنجر إلى الاستفزازات التي تتعرّض لها، وبالأخص تلك الصادرة عن الولايات المتحدة، التي يُشهَد لها امتلاكها قدرة كبيرة على الاستفزاز والاعتداء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا ترد الصين بالمثل؟ أي الاستفزاز بالاستفزاز والاعتداء بالاعتداء، وفي حين أنها تملك إمكانات ضخمة في كل المجالات وقادرة على ذلك، نراها -على عكس غيرها- تدعو للحوار كلما عظم الاعتداء. الجواب بسيط: لأن الصين تُخطّط، ولديها حلم دفعت من أجله ملايين الشهداء في أواسط القرن الماضي. الانجرار للاستفزاز يعني ببساطة الانجرار إلى ما يخططه لك خصمك، أي التخلّي عن خططِك، وبالتالي لن يمكنك تحقيق أي من أهدافك. لذا نرى من الناحية العمليّة، أن الصين تسير في خطٍّ مستقيم ومتصاعد منذ أكثر من أربعين سنة، فهي تنفّذ ما تُخطّط له. والأهم من ذلك أن خططها هذه لا تتعارض مع مصالح الشعوب الأخرى، بل تتكامل معها، وهذا ما نراه واضحاً في مبادرة "الحزام والطريق"، التي تنهض بالصين وكل الدول التي تنضم إلى هذه المبادة.

إن المنطق الحاكم اليوم في الصين، هو نقيض ما شهده العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي العظيم، أي أنه نقيضُ التسلط والاستكبار والعدوان الأميركي. إنه منطق الحوار مع الآخر والإدراك بأن الشعوب بتكاملها يمكنها أن تبني مستقبلاً أجمل، خالٍ من الحروب العدوانية ومن الأطماع.

ننهي نصنا هذا بمقطع من التقرير الذي قدمه الرئيس الصيني أمام المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني سنة 2017:

 "أيها الرفاق...

 إن مصير العالم تملكه شعوب مختلف الدول، ومستقبل البشرية يحدّده خيار هذه الشعوب، إن الشعب الصيني مستعدٌ للعمل مع شعوب العالم على دفع عجلة بناء مجتمع ومصير مشترك للبشرية وخلق مستقبل جميل لها."

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 358
`


النداء