أربعون عاماً على سياسة الإصلاح والانفتاح (1)

"خلال مرحلة البناء، كانت المسيرة الطويلة دافعاً قويّاً للشعب الصيني، فبأدوات متخلفة جدّاً بنوا دولةً عظيمة"
إدغار سنو – "النجم الأحمر فوق الصين"

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرجت العديد من الدول المشاركة بالحرب مُدمَّرة بشكلٍ كامل تقريباً(ألمانيا، فرنسا، اليابان..)، وحصلت الكثير من الدول المُستعمَرة على استقلالها السياسي إلى هذا الحد أو ذاك. أما القاسم المشترك بين هذه الدول فكان سعيُها إلى النهوض الاقتصادي بعد أن عانت الانهيار بسبب الدمار أو الاستعمار.
الصين قبل عام ١٩٤٨– قبل سياسة "الإصلاح والانفتاح"
الصين كانت واحدة من الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب. بمعنى أدق، الصين الحديثة، أي جمهورية الصين الشعبية، تم تأسيسها عام١٩٤٩ بعد أن أنهى الحزب الشيوعي الصيني مهامَ تحرير البلاد من الاحتلال الياباني، وتوحيدَها بعد حسمه الصراع الداخلي مع حزب الكيومنتانغ.
عندها، كان حلم القادة الثوريّين وعلى رأسهم ماو تسي دونغ النهوض بالصين، وإعادتها إلى دورها التاريخي.ولعقود طويلة كانت الصين تُعتبَر واحدة من أهم الدول على المستوى العالمي(حسب المؤرخ الاقتصادي ماديسون(Angus Maddison)، فسيطرت الصين على المشهد الاقتصادي العالمي لمئات السنين، حيث شكّلت ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما قبل عام ١٧٠٠). إلّا أنّ ظهور الثورة الصناعية في أوروبا، وإعلانها عن موت العالم القديم، وبالتالي موت النظام القديم الذي حكم العالم أي النظام الاقطاعي، الذي حرم الصين هذا الموقع المتقدّم عالميّاًوأنتج تفوّقاً كبيراًلدول الثورة الصناعية. ومن بعدها بدأت تلك الدول وخاصّة بريطانيا، بالبحث عن أسواقٍ ومستعمراتٍ جديدة لتصريف فائض إنتاجها، فبدأت الحروب تُشنّ في أكثر من بقعة في العالم، وكان نصيبُ الصين ما يعرف بحرب الأفيون.
هذا الحلم بالنهوض السريع وتحقيق حلم الأمّة الصينية، كان يتطلّب السعي إلى تطوير الصناعات الثقيلة والمتقدّمة، وذلك من أجل سدّ الفجوة الاقتصادية بين الصين والدول المتقدّمة، خاصّةوأنّالصين كانت قد مرّت بمرحلة تراجعٍ طويلة نسبيّاً (من حرب الأفيون عام ١٨٤٠ حتى تأسيس الجمهورية سنة ١٩٤٩)، فكان طموح القادة الجدد بأن تلحقَ الصين بالاقتصاد البريطاني خلال عشرة أعوام وتتخطّى الأميركي خلال عشرين عام. وهذا طبعاً كان متناقضاً كليّاً مع الواقع، فالصين في ذلك الوقت(خمسينيّات القرن الماضي) كان اقتصادُها اقتصاداً زراعيّاً مُتخلّفاً.
لكن،وبالرغم من ذلك، وبالاعتماد على روح التحدي والمثابرة التي كان يتمتّع بها الشعب الصيني في ذلك الوقت، تمّ تحقيق الكثير من المنجزات في تلك الفترة. فالبنية الأساسية للصناعات الثقيلة، والعديد من الإنجازات التكنولوجية مثل إطلاق أوّل صاروخ إلى الفضاء، وإنتاج القنبلة النووية، وغيرها الكثير من الإنجازات قد تحقّقت في فترة ما بين ١٩٥٠و١٩٧٨، فيما كانت نسب النمو حينها تلامس السبعة في المئة.
إلّا أن أهمّ ما حقّقته الصين في تلك الفترة، هو الاستقلال السياسي والاقتصادي التام، أي إلغاء كلّ أشكال التبعية للمستعمر أو المحتل، وبناء خطّها السياسي والاقتصادي المستقل النابع من مصالح الشعب الصيني، لا المبني على أطماع الاستعمار. وهذا مثلاً، هو النقيض التام لما حصل في بلد مثل لبنان، بحيث أنّ العلاقة السياسية مع المُستعمِر لم تقطع، وذلك من خلال الحفاظ على النظام السياسي الذي أنتجه هذا المستعمر، وقد كان الأهم فيه هو العلاقة التبعية التامّة على المستوى الاقتصادي.
لقد اعتمدت معظم الدول التي حصلت على الاستقلال حديثاًوغيرها من الدول التي تُصنَّف دولاً نامية أواشتراكية في حينها، سياسات هادفة إلى النهوض السريع. إلّا أنه في أواخر السبعينيّات بدأت الأزمات الاقتصادية تعصف بتلك الدول، وبدأت معدّلات النمو العالية نسبيّاًتتراجع، فكان على هذه الدول العمل على تغيير سياساتها المعتمدة، وهنا بدأ تمايُز الصين يظهر.
الاستقلالان السياسي والاقتصادي للصين، واللذين تحقّقا في فترة قيادة "ماو" للحزب والدولة، سمحا للصين سنة ١٩٧٨ بسلوك خطّها المستقل وإنتاج خطط البناء الجديدة بعيداً عن أي إملاءات منالدول الاستعمارية أو المنظمات الدولية التابعة لها. وهو عكس ما حدث في معظم الدول الأخرى، بحيث خضعت تلك الدول لشروط ووصفات جاهزة تمّ إعدادها من قبل منظمات دولية، دعت بمعظمها إلى اعتماد الخصخصة والليبرالية الشاملة ورفع يد الدولة عن الاقتصاد.
يتبع...

  • العدد رقم: 335
`


أدهم السيد