أزمة الكورونا تفضح خطر التقشّف والخصخصة في أوروبا...

 

منذ الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة اتبعت معظم الدول الأوروبية سياسة فرضها البنك الدولي والبنك الأوروبي المركزي، سياسة التقشف، وخصخصة القطاع العام ومنها قطاعات أساسية لحياة الناس، فشكلت من ناحية ضرب للمكتسبات الاجتماعية ومن ناحية أخرى تعديل في قوانين العمل لتشكل تراجع بما حققته الطبقة العاملة على مدى عشرات السنوات.

كان همّ مهندسين السياسة الأوروبية الدفاع عن الرأسمال المالي وعن البنوك، فخفضت معظم الدول الأوروبية ميزانيتها الاجتماعية، فأدّت إلى إضعاف القطاع العام لصالح القطاع الخاص بأشكال مختلفة وتحت أسماء مختلفة ومنها في مجال الصحة، التعليم، السكن، العناية بكبار السن أو من مجال الخدمات الاجتماعية، فتخلت الدولة عن مهامها بالرعاية الاجتماعية لصالح الخاص أو لصالح الجمعيات الخيرية. نفس الحكومات قامت بفرض تعديل على قوانين العمل لصالح أصحاب العمل، فسهلت الصرف الكيفي عن طريق تخفيض كلفة الصرف، كما أضعفت القوانين الجديدة نطاف الحوار الاجتماعي بين النقابات وأرباب العمل وضرب الاتفاقيات الجماعية حول ظروف العمل والأجور.

جاءت أزمة الكورونا لتفضح خطر هذه السياسة على الصحة العامة، على صحة الانسان، على الوضع الاجتماعي الناتج عنها، وعلى ضعف الدولة من كلّ النواحي في مواجهة الوباء. أثبتت هشاشة النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، نمو اقتصادي استفاد منه الرأسمال الكبير ولم تستفد منه الطبقة العاملة. ما قبل الفيروس، صح كان هناك انخفاض في نسبة البطالة ولكن من ضمن ظروف بعدم الاستقرار، عدم الثبات وفي أجور منخفضة، فجاءت أزمة الكورونا لتعيد الوضع الى أسوأ من ما كانت عليه خلال أوّج مرحلة الأزمة الاقتصادية. بعض المحللين يُشبّهون الوضع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية بمرحلة ما سببته الحرب العالمية الثانية في اوروبا، النظام الصحي لم يستطع استيعاب مئات الآلاف من المصابين، أدّت إلى إرتفاع كبير بعدد الوفيات وخاصة بين كبار السن وفي دور العجزة وبين الجهاز الطبي نفسه، حيث كانوا يفقدون أبسط أدوات الوقاية، دول رأسمالية ومتطوّرة لم يكن لديها أدوات للوقاية الصحية كالقمامة أو أجهزة تنفس اصطناعي. من الناحية الاجتماعية ملايين العمال فقدوا عملهم وعدد كبير منهم فقدوا مداخيلهم، مما أدّى إلى أن بعض الحكومات اضطرت إلى تأمين مساعدات ولكن أيضاً بشكلٍّ هش ومؤقت.

ما بعد الكورونا، ليس كما قبلها، إن حجم تأثير كورونا على نمط العيش، على الوضع الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي، على فكر الإنسان نفسه وأولوياته، ستكون مختلفة تماماً، مختلفة بشكل راديكالي، والأجوبة والحلول والخروج من الأزمة يجب أن تكون أيضاً بتوجّهات راديكالية مختلفة:

- هناك قناعة تكبر وتتجذّر لدى معظم الشعوب ولدى الطبقة العاملة ومنها الأوروبية، بأنه لا يمكن حماية الإنسان وبقائه في ظلّ نظام رأسمالي مباح فيه حتى المتاجرة بصحة الناس، هناك قناعة يمكن أن نقول شبه جماعية بأن الحقوق الاجتماعية العامة، كالصحة والتعليم، السكن، الشيخوخة، ومحاربة الفقر والتهميش، من المَهمات الأولى للدولة والقطاع العام، فسياسة الخصخصة أو تمويل القطاع الخاص أثبت بأنها سياسة مدمّرة للإنسانية. يمكن أن نقول أنه هناك قناعة بالعودة إلى الدولة وآلة قطاع عام قوي.

- نمط حياة أكثر عقلانية ومتجانس مع البيئة، فهْم جديد أو ثقافة جديدة أساسها التضامن الإجتماعي، التضامن بين الأجيال، ثقافة الإهتمام الشعبي وليس فقط للدولة بكبار السن وأشكال جديدة للعناية بهم.

- سياسات جديدة إقتصادية، سياسات وقرارات تتعلق بمرحلة ما قبل " توزيع الثروات" predistribution ومرحلة توزيع الثروات:

  • عودة لاقتصاد الإنتاج، من صناعة، الدراسات والتطوّر العلمي(I+R+D) ، التجديد والثورة الرقمية، وبشكل خاص إستعادة الحياة القروية والزراعة وتأمين السيادة الغذائية.
  • قوانين عمل تحمي العمال، الثبات والاستقرار في العمل، وأجور كافية للعيش الكريم والمساواة بالأجور بين النساء والرجال.
  • انخراط الشباب والنساء في سوق العمل، تجديد القوة العاملة عن طريق خلق فرص عمل جديدة ومن خلال توزيع العمل من خلال تخفيض ساعات العمل والعودة إلى تخفيض سن التقاعد، التوافق بين العمل والعائلة (للنساء والرجال) للاهتمام بالأولاد وإنما أيضاً بالأهل وكبار السن.
  • نظام ضرائبي تصاعدي لتوزيع صحيح للثورات، على أساس "يدفع أكثر من معه أكثر".".
  • تأمين معاش شامل لكلّ المواطنين، لتأمين حاجاتهم الأساسية، وهذا ليس فقط لمواجهة الأزمة الاجتماعية الناتجة عن البطالة التي يسبّبها الكورونا وإنما كنظرة مستقبلية بما تنتجه الثورة الرقمية والروبوت (Rebot).
  • تأمين الحق بالسكن والبطاقة المنزلية كحق لكلّ مواطن.
  • تأمين الحق لكلّ مواطن بنظام الانترنت، لاستعماله في التعليم، والتواصل ولكن بشكل خاص في مستقبل العمل من المنزل (Teletravail).
  • دعم العمال المستقلين، أصحاب المهن الحرة وصغار المنتجين.

كلّ هذه الأمور، تشكّل الحد الأدنى لمطالب الحركة النقابية العمالية في أوروبا، وهي طروحات شعبية، على قوى التقدّم واليسار الأوروبي تبنّيها.

  • العدد رقم: 376
`


غسان صليبا