فنزويلا.. وكسر سياسة العقوبات وهيبة أميركا

لم تتوقف الخطة الهجومية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على فنزويلا. فمطامع الشركات الرأسمالية الأميركية في السيطرة على ثرواتها الغنية، وجني أقصى الأرباح منها، هي التي تحدد سياسة واشنطن تجاه فنزويلا، كما تجاه منطقتنا العربية، ومناطق العالم الأخرى. والحرب الاقتصادية الأميركية ضد فنزويلا بدأت مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، ونهجه البوليفاري التحرري في المدى الأميركي اللاتيني.

وقد تمثّلت آخر المحاولات الهجومية، في عملية الغزو التي قام بها عشرات المرتزقة منذ حوالي شهر، عبر الشاطئ الغربي، لاحتلال مطار كراكاس، واعتقال الرئيس نيكولاس مادورو، وفرض خوان غوايدو صنيعة واشنطن بديلاً له. وقد كان بين من تم اعتقالهم، كما أفادت التحقيقات، عنصران كانا يعملان في دائرة قريبة من مسؤول أميركي بارز.
وارتباطاً بمفاعيل الحصار والعقوبات الاقتصادية، فقد جرى تعطيل مصافي البترول، والتسبب بأزمةٍ خانقة، خصوصاً في مجال النقل والمواصلات، في بلدٍ يعوم على البترول، وكان البنزين فيه شبه مجاني. ورغم الحصار المشدد، واعتماد سياسة العقوبات والغطرسة الأميركية، فقد كان لإرسال خمس ناقلات بترول كبيرة، من إيران إلى فنزويلا، ومرورها في باب المندب، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق، بدون أيّ اعتراض، دلالات مهمة، لا تقتصر على أهمية إيصال البترول إلى فنزويلا، بل أيضاً بما تمثّله هذه العملية، من كسر سياسة العقوبات، ومن شجاعة في خرق هيبة الولايات المتحدة في بحر الكاريبي نفسه، على مقربة من الدولة الإمبريالية الكبرى، مما يشكّل ظاهرة جديدة قابلة للإتساع مع بلدان أخرى. وسبق ذلك ما أقدمت عليه واشنطن ضد كوبا الثورة من تهديدات وحصار إقتصادي مشدَّد، وضغوط لعزل كوبا، بدءاً من حوالي 60 سنة. ومع أنّ كوبا جزيرة تقع على تخوم الولايات المتحدة، وليس لديها ثروات إقتصادية كبيرة، فشلت واشنطن في عزلها وخنقها وإسقاطها من الداخل، لأنّ شعبها متمسّك بثورته التي أحدثت تغييراً جذرياً في حياته وبلده، فحرّرت كوبا وطنياً، وحرّرت شعبها إجتماعياً، وجعلته يصل بالإنجازات الاجتماعية التعليمية والصحية والسكنية، وبمراكز الأبحاث للأدوية والعلاجات الطبية، وبمتوسط العمر، وبنسبة وفيات الأطفال، إلخ.. إلى المراتب الأولى في العالم.
ومع أنّ الحصار المشدَّد قد أوجد صعوبات جدية أثّرت على النموّ الإقتصادي وعلى نقص بعص أنواع السلع في السوق، إلاّ أنّ تنظيم توزيع الحاجات الأساسية وفّرَ وصول هذه الحاجات إلى كل عائلة في كوبا. وها هي كوبا اليوم تواصل تحديث وتطوير نظامها وتمسّكها بالإشتراكية.
لقد أوجدت غطرسة الرئيس دونالد ترامب، واعتماده سياسة العقوبات يمنةً ويسرى، إستياءً واسعاً في جميع القارات، وأنّ نزعته المتطرّفة داخلياً، قد شجّعت على العنصرية ضد الأميركيين من أصول أفريقية، وطالت أيضاً من هم من أصول لاتينية، وأصول مسلمة. وهذا إلى جانب العجز الفاضح لبلدان المركز الرأسمالي وبخاصة الولايات المتحدة في مواجهة وباء كورونا، بسبب الركض وراء الربح وإهمال الإنسان. وارتباطاً بمفاعيل هذا الوباء في الوضع الاقتصادي المتراجع، وزيادة البطالة والتفاوت الطبقي والاجتماعي، كل ذلك أدّى عند مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد، بصورةٍ متعمَّدة ومؤلمة، من رجال أمن بيض، إلى إشعال إحتجاجات وإضطرابات ضخمة، لم تقتصر على مينيابوليس، بل شملت ولايات عديدة، ووصلت إلى محيط البيت الأبيض. مما يؤشر إلى الدخول في خريف الرأسمالية وإضعاف سلطة ترامب والدور الأميركي.
وفي سياق موضوع فنزويلا.. ألا يجدر التساؤل كيف أنّ بلداً يحتوي على أكبر احتياطي نفطي، يستطيع العدوّ الإمبريالي تعطيش سوقه للنفط؟ علماً بأنّ النفط الإيراني الواصل إلى فنزويلا لا يكفي أكثر من أسابيع.
أوَ لم يكن من الطبيعي بل الضروري إعداد فنيين أكثر مما يحتاج تشغيل مصافي البترول في فنزويلا؟
بالطبع يبقى الأساسي التركيز على الإستفادة من الثروات الغنية لفنزويلا لبناء إقتصاد يلبّي حاجات الشعب، ومكافحة جدية للفساد، لإجتذاب أوسع قاعدة شعبية ونقابية وسياسية وطنية، تشافيزية ويسارية لتعزيز قدرة فنزويلا في مواجهة التهديدات والعقوبات الأميركية وإفشال أهدافها.

  • العدد رقم: 378
`


موريس نهرا