نكسة 5 حزيران عام 1967 أم هزيمة وخيبات!

تمرُّ هذه الأيام ذكرى نكسة الخامس من حزيران عام 1967، حرب الأيام الستة، بين العرب والعدوّ الصهيوني. واختلف المؤرّخون العرب على التسمية، وكلٌّ من منطلقاته الأيديولوجية والسياسية، إلّا أن النقد التاريخي والعلمي والتقييم الواقعي والموضوعي، يقول بأنها لم تكن نكسة عابرة، استنهضت الهمم وأدّت إلى جهوزية ونهوض قوي ومؤثّر من جديد. هي هزيمة بكلّ ما للكلمة من معنى، ونتج عنها إرهاصات وتداعيات، على الوطن العربي والشعوب العربية، أقلّ ما يمكن قوله: إنها خيبة وأعقبتها خيبات لا تزال تتولّد وتتمظهر في المشهد السياسي العربي وكلّ يوم.

هي هزيمة لأنه نتج عنها احتلال القدس والضفة وغزة والجولان وسيناء. ومنذ الانتكاسة ــ الهزيمة وحتى الآن تعصف بالوطن العربي والمنطقة أخطار التقسيم والتفكّك على أساس طائفي ومذهبي، ذلك أننا لا زلنا نعيش تداعيات النكسة ــ الهزيمة ونعاني من آثارها النفسية والسياسية، ويجعل منها الزمن العربي الرديء، خيبةً ونكسةً مستدامتين، نعاني يومياً، وبخاصّة الشعب الفلسطيني من تداعياتها.
كانت حرب أكتوبر عام 1973، التي حقق فيها الجيش المصري نصره الباهر، فعبر قناة السويس وحرّرها، ودكّ خط وتحصينات، خط "بارليف"، على القناة وكان العدو يعتبره معجزة ومأثرة الجيش الإسرائيلي، وغير قابل للسقوط، إلّا أن خيبة الأمل عادت من جديد، حيث حوّل أنور السادات النصر إلى هزيمة، بإعلانه وقف إطلاق النار، ومن ثمّ قيامه بزيارة تل ابيب، ومن ثمّ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مناحيم بيغن. والمضحك المبكي، نال الإثنان معاً جائزة نوبل للسلام، وهكذا تخرج مصر من جبهة الصراع العربي الإسرائيلي، ويتبعها الأردن باتفاق وادي عربة، ومن ثم بعد سنوات، منظمة التحرير الفلسطينية، وقعت مع العدو الإسرائيلي اتفاق أوسلو، واعترفت بدولة "إسرائيل". مقابل الحصول على سلطة، أقرب إلى إدارة مدنية لشؤون الفلسطينيين، بصلاحيات هي أقلّ من أية بلدية. وأدّى ذلك إلى انقسام وشرخ كبير في الجسم الفلسطيني، حيث توقف النضال والكفاح المسلح للشعب الفلسطيني، والذي انخرط فيه الشباب العربي من كلّ الأقطار العربية، وحتى من العالم من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، نظراً لعدالة القضية الفلسطينية. وحقوق شعبها المشروعة في وطنه فلسطين.
تداعيات النكسة ــ الهزيمة وخيباتها، ليس لأنها لم تعد في ذاكرة الشعوب العربية، بل أيضاً لم تعد في ذاكرة الزعماء والقادة والملوك والأمراء، فهي كشفت عورتهم وجبنهم وتبعيتهم للإمبريالية الأميركية، الراعي وخط الدفاع الأول عن الكيان الصهيوني، والآن يهرولون نحو هذا الكيان المصطنع، الواحد تلو الآخر، للتطبيع معه والاعتراف به، ولم تعد القضية الفلسطينية، القضية المركزية لديهم، أو موضوع مطروح في مؤتمراتهم وقممهم الاستعراضية، واستبدلت مقولة الصراع العربي ــ الإسرائيلي، بمقولة الصراع مع إيران، وشنّوا حروباً على بعضهم البعض، في اليمن وسوريا وليبيا والعراق. أدّت إلى مقتل مئات الآلاف من العرب برصاص عربي، وإسلامي مشبوه، تحت مسمّى داعش، باسم المذاهب والطوائف، هذا الأخطبوط، يقاتل عن "إسرائيل" ويقتل ويشرّد ويغتصب الأرض والثروات والأعراض، ونعرف بأن تنظيم داعش هو صناعة أميركية بامتياز اعترفت بذلك هيلاري كلنتون، وحاجة صهيونية سواء في الأرض المحتلة أو للمسيحية الصهيونية في واشنطن. لقد قُتل من العرب بأيدي حكام العرب وعلى يد داعش أكثر ممّا فقدته الشعوب العربية وفي كلّ الحروب مع العدو الصهيوني منذ 1948 والحروب المتعاقبة وحتى الآن.
أمّا الخيبة الكبرى من سلسلة الخيبات، بعد نكسة 5 حزيران من عام 1967، هي صفقة القرن التي تعد لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. حيث عاد ترامب وفي ظلّ انشغال العالم بوباء كورونا، ليتحدث من جديد عنها، علّه يستطيع تمريرها الآن في ظلّ انشغال العالم بمكافحة هذا الوباء.
فماذا تكون نكسة 5 حزيران وخيبتها أمام الخيبات التي تنهال علينا يومياً بعد النكسة ــ الهزيمة، وآخرها ما شهدناه الأسبوع المنصرم، في أروقة المجلس النيابي اللبناني، من محاولة لتمرير قانون العفو العام، ويشمل العملاء، الذين فرّوا مع العدو المحتل بعد التحرّي، وأصبغوا عليهم تسمية عجيبة ومبتكرة هي "المبعدين"، في حين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية ويخدم البعض في صفوف جيش العدو ويتوعدوننا بالاعتداء و العدوان، فماذا سيكون طبيعة عملهم ومهنتهم في لبنان، بعد عودتهم غير العمالة وهي المهنة التي يتقنوها ويجيدونها.
ولكن نضال الشعب الفلسطيني مستمر، ونعوّل فقط على انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، المستمرة وبأشكال تفاجئنا أدواتها وأساليبها المبدعة، وإن كنّا، ولا نزال من دعاة المقاومة العربية الشاملة. وكذلك نعوّل على القوى الوطنية والديمقراطية والفصائل الفلسطينية بتوحيد البندقية ووفق برنامج نضالي موحّد، لتحرير فلسطين كلّ فلسطين.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 378
`


خليل سليم