كيف ستواجه روسيا دبابات الناتو؟

تصاعد الجدل، في الأسابيع الأخيرة، حول الدبابات التي سيقدمها حلف الناتو إلى أوكرانيا، خاصةً بعد مؤتمر رامشتاين وما رافقه من خلافات بين الدول الأعضاء. الرئيس الأوكراني نفسه طالب الدول الغربية بتقديم دبابات قتالية رئيسية بصورة عاجلة لمواجهة القوات الروسية، التي أحرزت تقدّماً كبيراً على طول خط الجبهة في العديد من المناطق.

في نفس الوقت، يعتقد بعض المسؤولين الغربيين أن الفرصة الآنَ مواتية لتقديم هذا النوع من الدبابات لإعاقة تقدّم القوات الروسية وبالتالي تكبيدها خسائر كبيرة والانتقام منها.
في هذه المقالة سنحاول التركيز على الجوانب الفنية-العسكرية لهذه الدفعة الجديدة من المساعدات الناتوية؛ فمسألة العلاقات السياسية بين الدول الغربية و روسيا متروكة للميدان، خاصةً بعد توقيع الإعلان المشترك الثالث، الذي يدعو إلى تمتين وتوسيع التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. يوحي توقيع هذا الإعلان بأن الولايات المتحدة وبريطانيا تهيّئان القارة الأوروبية لمواجهة طويلة مع روسيا، وهذا يذكّرنا بالأجواء التي سادت الغرب قبيل توقيع معاهدة تأسيس حلف الناتو نفسه؛ إذ تمّ وقتها إقناع الشارع الأوروبي والأمريكي بأنّ (المد الشيوعي) سيعبر أوروبا كلّها ليصل إلى الشواطئ الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية على المحيط الأطلسي.
في الواقع، هناك ثلاثة أنواع من الدبابات، تنوي الدول الغربية تقديمها لأوكرانيا:
1-(تشالنجر) وهي بريطانية الصنع.
2-(ليوبارد) وهي ألمانية الصنع.
3-(آبرامز) وهي أمريكية الصنع.
جميع الدبابات المذكورة أعلاه هي دبابات قتالية رئيسية، وبالتالي تلبي الاحتياجات الأوكرانية!
منذ ظهور الدبابات في الحرب العالمية الأولى، تتركز المقارنة بينها على أربع خصائص رئيسية: المناورة، السرعة، القدرة النارية، التّدريع. سنحاول التعريج على بعض الخصائص الفنية لهذه الدبابات الثلاث مع مقارنة مقتضبة فيما بينها من جهة، ومع الدبابات السوفيتية والروسية من جهة ثانية.
تمّت صناعة الدبابة تشالنجر في عام 1990، ولكنها أكثر تطوّراً من العديد من الدبابات الموجود في القوات المسلحة الأوكرانية. يتم تدريع دبابات تشالنجر بطبقة من المواد المركّبة، تحمل الاسم التجاري (تشوبهام Chobham) نسبةً إلى قرية تشوبهام التابعة لمقاطعة سُرّي Surrey، الواقعة جنوب لندن؛ حيث يوجد هناك مركز بحثي لتطوير الدبابات. تم تطوير هذه المادة المركبة في عام 1960، وما زالت تكنولوجيا تصنيعها سريّةً، كما أن كلفة تصنيعها كبيرة. تقدم المواد المركبة تشوبهام حماية جيدة للدبابة ولطاقم الدبابة ضد القذائف الخارقة، وهي أخف وزناً من المعادن، لذلك يصبح وزن الدبابة أقل، مما يمنحها قدرة أكبر على المناورة وسرعة في الحركة.
أما الدبابات ليوبارد فتتميز بسهولة الصيانة وقلة استهلاكها للوقود مقارنةً مع نظيراتها الغربية. كما أن تصفيحها مكوّن من عدة طبقات من المواد المركبة خفيفة الوزن.
جميعنا يعلم أن ألمانيا امتنعت في البداية عن الموافقة على تقديم هذه الدبابات لأوكرانيا، ويعود سبب هذا التردد عند الجانب الألماني إلى وجود انقسام في الشارع الألماني حيال الحرب الروسية-الأوكرانية، وهذا الانقسام قد يؤدي إلى أزمة سياسية في البلاد وبالتالي إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة، وبسبب ذلك تعرضت ألمانيا إلى ضغوط كبيرة من دول الناتو.
فضلاً عن ذلك، ربطت بعض التقارير الرفض الألماني بعدم رغبة الولايات المتحدة إرسال دبابات آبرامز Abrams إلى أوكرانيا. أما التردد الأمريكي نفسه في تقديم هذا النوع من الدبابات فربطه البعض بكون الولايات المتحدة المانح الأكبر للمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
في هذا السياق، ولفهم ماهية الموقف الأمريكي، قد يكون من الجدير إيراد تعليق كولن كاهل، كبير المستشارين الأمنيين في البنتاغون، على الموضوع، إذ قال: (دبابات آبرامز شديدة التعقيد، غالية جداً، من الصعب التدرب عليها، وفيها محرك نفاث). في الحقيقة، عنى كولن كاهل بعبارة (المحرك النفاث) المحرك التوربيني-الغازي من نوع AGT1500، الذي يتم تزويد الدبابة به، وهو من إنتاج شركة هونويل Honeywell.
تتميز المحركات ذات التوربينات الغازية بمردودها العالي بالنسبة لوزنها وحجمها، وهذه سمة يتميز بها هذا النوع من المحركات مقارنة مع جميع أنواع المحركات الحرارية، كما أن طيف الوقود الذي يمكن استعماله في هذه المحركات أوسع مقارنة مع تلك التي في محركات الديزل. لذلك نلاحظ أنه يتم عادةً تزويد الطائرات تحديداً بمحركات من هذا النوع نظراً لقلة وزنها.
أثناء الحرب الباردة، كان التنافس العلمي-الفني بين الاتحاد السوفيتي والناتو في أوجه، لذلك ظهرت في تلك الحقبة الدبابات تي-80 التي تعمل بالمحركات التوربينيّة الغازيّة، وهي بالتالي نظيرة الأمريكية آبرامز إم1.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تمّ التخلي عن المحركات التوربينية الغازيّة فظهرت الدبابات تي-90 التي تستخدم محركات الديزل. توزّعت جميع الدبابات تي-80 السوفيتية المتبقية بشكل أساسي بين روسيا وأوزبكستان وأوكرانيا وبيلاروسيا، وهي الآن لا تستخدم في أي من هذه الدول.
توقفت في روسيا الأبحاث المرتبطة بتطوير الدبابات تي-80، كما أن المؤسسة الأوكرانية العسكرية حاولت انطلاقاً من النماذج السوفيتية تطويرها إلا أنّ هذه الجهود جميعها باءت بالفشل. لذلك تعتبر دبابات آبرامز الوحيدة في العالم التي تعمل على المحركات التوربينية الغازيّة؛ فجميع دول العالم تنتج دباباتٍ تعمل بمحركات الديزل، بالرغم من أن الجدل حول تفضيل هذا الخيار أو ذاك ما يزال مفتوحاً بين المهندسين؛ فلكل نوعٍ سلبياته وإيجابياته، وهذا يرتبط إلى حد كبير بطبيعة المعارك والظروف المناخية.
إضافة إلى ما ذكرناه، فإن دبابات آبرامز مدرّعة بالمواد المركبة تشوبهام كدبابات تشالنجر البريطانية تماماً.
لذلك،‏ وتأسيساً على ما سبق، فإننا نعتقد أن التردد الأمريكي مرتبط بشكل أساسي بإمكانية وقوع هذه الدبابات في أيدي القوات الروسية، وبالتالي الاستفادة من الخبرات الأمريكية، الممتدة لفترة تصل إلى أكثر من 40 سنة، جرى فيها تطوير أكثر من 24 نموذجاً منها. لذلك لاحظنا في الفترة الأخيرة تصاعد الحديث عن ضرورة تصميم طريقة فعالة لسحب هذه الدبابات من الميدان والحيلولة دون وقوعها في يد القوات الروسية.
بالرغم من هذه المواصفات المتقدمة التي يتمتع بها تدريع الدبابات الغربية، إلا أن القوات الروسية تستطيع تدميرها، مستفيدةً من بعض نقاط الضعف فيها، وذلك بالطرق التالية:
1-الكثاقة النارية: الدرع مصمم لمقاومة الاختراق بالصدم، أي أن الطاقة الحركية للقذيفة تؤدي إلى تشويه الدرع. لذلك فإذا سقطت قذيفة أولى على درع الدبابة فإنها ستؤدي إلى إضعافه في تلك النقطة، وفي حالة سقوط قذيفة ثانية على مقربة من مكان سقوط الأولى فإن الثانية قد تكون مدمرة للدبابة.
2-المدافع الليزرية: فهذه الأسلحة تؤدي إلى تحويل طاقة الليزر إلى طاقة حرارية، الأمر الذي يؤدي إلى صهر مادة الدرع في مكان سقوط الحزمة الليزرية. لذلك نعتقد أن هذا السلاح سيكون فعالاً جداً في مواجهة هذا الدبابات في المعارك القادمة، وتعتبر هذه المدافع حديثة نسبياً؛ إذ جرى تطويرها في روسيا في العقد الأخير.
3- الصواريخ المضادة للدبابات: عند روسيا العديد من أنواعها ؛ بعضها، كصواريخ كورنيت، قادر على اختراق دروع بثخانة 1200 ملم؛ وبعضها الآخر يخترق دروعاً ثخانتها بين 750 و800 ملم، كصواريخ كونكورس.
4-أحد أهم نقاط الضعف في الدبابات الألمانية ليوبارد هي منظومات التوجيه البصرية المتوضّعة على برج الدبابة؛ لذلك فإن "تعمية" الدبابة، عن طريق تدمير هذه المنظومات، ستؤدي إلى فقدان القدرة على تسديد النيران وكذلك فقدان القدرة على التوجه مكانياً، وهذا الأمر يمكن تحقيقه بسهولة.
5-تستطيع الدبابات الروسية تي-72 وتي-90 تدمير دبابات آبرامز وليوبارد بغض النظر عن اتجاه سقوط القذيفة.
يقولون في روسيا: "لا يوجد دواء يشفي من جميع الأمراض". كذلك الأمر في الحرب؛ فتطورات الميدان وأسلوب إدارة المعركة تفرض نفسها على الجميع؛ لذلك فإن كل نمط من الأسلحة يفرض أسلوباً معيناً في مواجهته.
مما لا شك فيه، ستؤدي الدبابات الغربية إلى تعقيد مهمة القوات الروسية في أوكرانيا، إلا أنه من المؤكد أيضاً أن القوات الروسية تملك ما يكفي من الخبرة والمعرفة للتعامل معها والقضاء عليها. لذلك، فهذه الدفعة الجديدة من الدبابات لن تمنح أوكرانيا تفوقاً عسكرياً على روسيا بأي حال من الأحوال، بل سيضع سمعة التقنيات العسكرية الغربية على المحك.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 413
`


آصف ملحم