انتخابات الجامعة اللبنانية الأميركية: مأزق "المعارضة المستقلة"


أتت الانتخابات الطلابية في الجامعة اللبنانية الأميركية هذا العام في ظرف تعاني منه البلاد من أزمات وكوارث شتى. ولكن بعد عام حافلٍ بالأحداث منذ الانتخابات الفائتة في 2019، وبعد انتفاضةٍ شعبية وإفلاس معلن وانفجارات من أشكال متعددة، ما زالت الحركة الطلابية المعارضة داخل الجامعة، وعلى الرغم من نجاح كافة مرشحيها، تعاني من المأزق السياسي الذي يشبه مأزق معظم الفئة الشبابية المعارضة: وهم الابتعاد عن السياسة.


وبسبب الاغتراب السياسي الذي مهدت له ممارسات السلطة و"تروما" وإحباط جيل الحرب الأهلية، بالإضافة إلى الدعاية الإعلامية المركزة للفكر الليبرالي في العالم، والذي يعمل بجدّ على تجزئة القضايا وتشويهها حمايةً للنظام، فإن الفئة الطلابية تحولت إلى ضحيةٍ لهذه الموجة، وهي تعمل -عن قصد أو دون قصد- على تكريسها وتعميمها.
وبما أن أحزاب السلطة الطائفية تسيطر على المجالس الطلابية، فإن المشكلة المنهجية في التحليل لدى الطلاب المعارضين أوصلت إلى ثنائية خطيرة، وهي ثنائية الحزبيين vs. المستقلين. فكان خطابها في السنين الأخيرة هو خطاب التصويت للمستقلين أولاً، ومن ثم البرامج الانتخابية (التي غالباً ما تكون غير قابلة للتطبيق من أي طرف بسبب محدودية صلاحيات المجلس، وهي أصلاً ليست العامل الذي يدفع الطلبة للتصويت لهذا أو ذاك).
وفي هذا الخطاب مشكلة جوهرية تتعلق بالنظرة إلى العمل السياسي. حيث يفترض أن المشكلة هي تسييس العمل الطلابي، متسلحاً بعدة حجج لعل أبرزها الصبغة الطائفية للسياسة اللبنانية. ولكن هذا الافتراض خطير، لأنه يسلّم بحتمية الطائفية السياسيّة، وبالتالي هو استسلام مباشر لخطاب أحزاب السلطة الطائفي الفئوي وتكريس له. كما أنه يفترض أن الابتعاد عن السياسة هو خيارٌ ممكنٌ، إلا أن تلك الممارسة لهذا الحراك الطلابي هي سياسية في "استقلاليتها"، حيث أن المرشح المستقلّ هو مرشح في فئة سياسية تدعى "المستقلين"؛ فلو لم يكن الأمر كذلك، فلماذا تتكرر الدعوة إلى "انتخاب المستقلين/ vote independent"؟ وما الفرق بين الدعوة لانتخاب مستقلين والدعوة لانتخاب حزبيين طالما أن كلتا الدعوتين تأخذان الانتماء السياسي بعين الاعتبار كعامل حاسم لوجهة التصويت؟ إن هذه الدعوة لوحدها كفيلة بأن تظهر أن جوهر المعركة الانتخابية الطلابية هو سياسي، كما هو الأمر في شتى المجالات، وهو ليس تهمةً أو فخراً بل هو واقع يجب التعامل معه بالأدوات المناسبة، لا التهرب منه، أو تشويهه.
وانطلاقاً من هذا الواقع، ومن أهمية الحركات الطلابية في التثقيف السياسي والمشاركة السياسية على المستوى الوطني، فإنه يتوجب على الحركة الطلابية المعارضة أن تتوقف عن الاختباء وراء شعارات الاستقلال السياسي؛ حيث يبرز أيضاً أن بعض أعتى مرشحي الأحزاب، وأكثرهم فخراً بحزبه طوال مدة الدراسة في الجامعة، يُقدّم نفسه في أثناء حملته الانتخابية على أنه "مستقل"، وهو -وعلى الرغم من خبث أساليب أحزاب السلطة في غير انتخابات- ما يدلّ على أزمة في فضفضة المصطلح، وعلى انعدام القدرة على تحصينه من قبل المعارضين. وبهذا فإنه على الحركات الطلابية المعارضة التوقف عن التهرب من المواجهة السياسية الواضحة لأحزاب السلطة، ذلك لأن السياسيَّ لا يُواجَه إلا بالسياسي، ولأنه ما من استقلال عن هموم الطلبة ومطالبهم في داخل وخارج الجامعة، ولأن على تلك الحركات مسؤولية بناء حراك فكري وتنظيم سياسي قادر على إحداث فارق في أية هبة شعبية مقبلة.
ولأن سؤال "ما العمل؟" دائماً ما يطرح في مناسبات كهذه؛ فإنه لتفعيل دور الحركة الطلابية فإن عليها أولا أن تعمل على بناء خطاب سياسي وطلابي وطني وواضح، يحمل هموم الطلاب داخل الجامعة وخارجها، وينطلق من أسس علمية في تحليل الواقع، بدلا من تبني الخطاب الليبرالي المائع حول اللا-سياسية. كما أنه يتوجب على أية حركة طلابية جدية، تواجه منظومةً تؤمن لمناصريها شبكة من الأمان الاجتماعي المشروط بالولاء، ألا تتعامل مع العمل السياسي الطلابي على أنه عمل موسميّ تعلو فيه الأصوات عند موعد الانتخابات فقط، كما هو الحال الآن. فالمعركة الانتخابية الطلابية هي معركة رمزية بين طرفٍ مُنظّم يملك قوة الضغط (كما هو حال أحزاب السلطة في أي انتخابات) وطرف معارض يبني تواصله مع قواعده على أساس ردة الفعل تجاه الأحزاب فقط؛ وكذلك فإن انتخابات كهذه هي اختبارات ولاءٍ أكثر منها موسم استقطاب سياسي حقيقي ومستدام، فالأخير يحتاج لبناء ثقافة سياسية قادرة على تناول الأوضاع السياسية بعقل تحليليّ نقدي، والأول يحتاج لضغط لحظي في فترة الانتخابات.
كما أنه يتوجب على هذه التنظيمات الطلابية أن تكسر التابوهات السياسية لدى الطلاب، لا أن تعززها كما تقوم الجامعة التي تحظر الكلام بالسياسة على الأندية الطلابية الرسمية، وهو الأمر الذي تجد فروع الأحزاب وسائل للالتفاف عليه نظراً لعدم الحاجة للاعتراف بأنديتهم من قبل الجامعة، فمجموعة دردشة على "واتساب" قادرة على القيام بالغرض. وعليه فإن للحركة الطلابية دور في خلق النقاشات المطلوبة حول الوضع الراهن، والفكر السياسي، وديناميات العمل السياسي في لبنان؛ فذلك قد يؤسس لخلق بذرةً ينمو منها تنظيم سياسي طلابي فاعل يقدم نموذجاً لمواجهة طائفية أحزاب السلطة بوضوح، مما قد يحرّك الركود السياسي لدى الجانب السياسي المعارض في لبنان، وخاصةً لدى التنظيمات والأحزاب اليسارية.