خمسة وسبعون عاماً على النكبة: فلسطين بين الماضي والحاضر

تحل علينا ذكرى مرور 75 عاماً على نكبة فلسطين، ممثلة بالتهجير القسري الذي تعرض له الشعب الفلسطيني في العام 1948، على أيدي عصابات الهاغانا الإسرائيلية، ليتعرض الشعب الفلسطيني لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية التي وقعت في التاريخ، والتي نتج عنها تشريد ملايين الفلسطينيين.

بدأت النكبة منذ التطهير العرقي في عام 1947 بعد اقتراح الأمم المتحدة لقرار تقسيم فلسطين، وراحت العصابات الصهيونية تفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض لإبطال قرار التقسيم حتى إذا أرادت الأمم المتحدة تنفيذه، انتهت الحرب في غضون أيام وحلّت أحداث النكبة الفلسطينية على يد المنظمة الصهيونية العالمية وبريطانيا ومن وقف خلفهما التي تبنت مشروعها القائم على إلغاء حقوق الفلسطينيين العرب في فلسطين، وإحلال القومية اليهودية مكانهم نتيجة مخطط استعماري لتلك الدول التي تجد مصالحها في تمكين الصهيونية من فلسطين لتمارس دور الشرطي في المنطقة برمتها وبخاصة في مواجهة دول الطوق.
لا أحد يقول إن النكبة كانت في زمن قصير من عمر الشعب الفلسطيني، لقد كان لهذا الحدث المأساوي تداعيات جمة على شعب وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشرداً بين الجبال والتلال، يبحث عن مأوى يقيه من الشتاء البارد، ولهيب الشمس الحارقة، لم يفكر يوماً أن يكون سجينا مع وقف التنفيذ ومحاصراً في مخيمات لا تصلح للعيش الآدمي، محاصرًا من الداخل ومحرومًا من أبسط حقوق الإنسان، كالحرية والعمل والتنقل، لقد كتب عليه الاضطهاد والذل، وطبع على جبينه اسم لاجئ، والمخطط الاستعماري الذي ما زال يرتكب على اللاجىء الفلسطيني، يبقى يعيش على ذكرى النكبة التي تحل كل عام في شهر أيار/مايو، وأما أرضه فقد سلبت، وتغيرت معالمها، وطمست أطلال البيوت والشوارع ولم يبق إلا منها إلا القليل؛ تغيير للتاريخ والجغرافيا، فيما المستوطنات تنهش ما تبقى من أراضٍ ومحاولات اخراج اصحاب الارض من بيوتهم ومدنهم .
إن النكبة ليست حادثة واحدة من الحوادث التي طرأت على أرض فلسطين، بل هي تعاقب سلسلة من التحولات التاريخية عليها، رغم أنّ المجتمع الفلسطيني انهار بعد النكبة وتشتت ولم يجد أي هيئة حكومية أو شبه حكومية يستند إليها، إلا أن الجماعة الفلسطينية لم تتفرق وتتفكك من الداخل، بل نما فيها وعي الهوية الجماعية، أي الهوية الفلسطينية. وتعتبر النكبة عنصر مهم في الكفاح الفلسطيني المستمر من أجل تقرير المصير، وهو تذكير المجتمع الدولي بالالتزام الأخلاقي والقانوني بتأمين هذه الحقوق غير القابلة للتصرف لجميع الشعوب وفقا لمعايير القانون الدولي، ولكن أيضا من أجل بقاء الذكرة الثقافية، لضمان عدم نسيانه، الأمر الذي يتمظهر بشكل شبه مستمر من خلال المقاومة الفلسطينية بشتى اشكالها بما فيها وفي مقدمها المقاومة العسكرية وها هي اليوم تشهد واحدة من جولاتها من خلال الاعتداء الأخير الذي أدى لاستشهاد العشرات وهو طريق لن ينتهي إلا بنيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله الوطني.
تعيد النكبة ذكرى 10 آلاف فلسطيني على الأقل لقوا مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، فيما أصيب 3 أضعاف هذا الرقم بجروح، لذلك فإن احياء ذكرى حق العودة تحت شعار "لن ننسى" يسعى على مستوى القانون الدولي لحقوق الانسان، الى تحقيق عدة اهداف منها سياسية كالجهود المبذولة لاعتراف الشامل بدولة فلسطنية مستقلة ومن جهة اخرى لأجل انتهاء الظلم الواقع على شعبها لتأمين حقوقه الأساسية من ناحية انسانية وقانونية. يعني ذلك حق العودة ل 700,000 فلسطيني هربوا أو أجبروا على مغادرة الأراضي التي أصبحت جزءا من (إسرائيل) في عام 1948 نسبة الى الفلسطينيين الذين لجئوا للأردن ولبنان وسورية والخليج وذريتهم - التي يبلغ عددهم الآن ثمانية ملايين - والذين يعيشون في شتى انحاء العالم.
لقد كان ترحيل الشعب الفلسطيني الى دول الجوار مقصوداً حتى لا يجتمع الشعب الفلسطيني في مكان واحد، بهدف زيادة الإمعان في تشتيته حتى لا تقوم له قائمة، ولكن وحدة المخيمات في الداخل والخارج، ووحدة الكلمة الفلسطينية فوتت على (إسرائيل) هذه الفرصة، فإذا اشتكى عضو تداعى إليه الجسد بالسهر والحمى، هذا هو لسان حال الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج منذ النكبة حتى يومنا هذا.
لكي لا ننسى عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي جاء في المادة 13 منه أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده، وأكدت على ذلك أيضا اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم "194 – د" الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948 الفقرة رقم 11 والتي تنص على وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
على مدار السنوات الماضية لا يزال الشعب الفلسطيني يحيي الذكرى، لتبقى في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، حتى استعادة الحقوق كاملة، وتحرير الأرض من الاحتلال.
وردا على قادة الاحتلال الذين يرفعون شعار "الكبار يموتون والصغار ينسون"، وبمنتهى الوضوح والثقة والإيمان، فإن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل المستحيل الذي أخذ يقلب كل الحسابات ويخلخل الأمن الصهيوني ويربك المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية بكاملها، والذي يقود القضية الفلسطينية نحو أفق حقيقي للتحرير والخلاص من براثن الاحتلال المجرم، كشفت مجلة "إسرائيل ديفينس" العسكرية العبرية عن مفاجأة، مفادها "أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه ورطة كبيرة، بالنظر إلى أن الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في الوقت الراهن تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتمييز بروح تضحية عالية غير مسبوقة"، وأضافت المجلة في تقرير لها "أن جهاز الأمن (الإسرائيلي) العام “الشاباك” أصدر تقريرا حول العمليات الفلسطينية الاخيرة أظهر أن منفذي هذه العمليات نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين الذين يتمتعون بروح تضحية عالية".
لأن الاحتلال منذ النكبة راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق انتفاضة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية، وفي تطورات هذا المشهد الفلسطيني الكفاحي المتصل عبر الأجيال، يظهر دور الطفل الفلسطيني في الميدان، ليصبح هؤلاء الأطفال أيقونة الكفاح الشعبي الفلسطيني ورمزا للجيل الفلسطيني الشاب الجديد الذي لا يهزم ولا يكسر أمام عنجهية واجرام الاحتلال، وهو أمر سيتبدى في مختلف الساحات الفلسطينية وسيصل حتمًا إلى النهاية التي لا بد منها وهي زوال الاحتلال وعودة الحق لأهله.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 415
`


خالد الشمالي