الثورة من اليوتوبيا الى الواقع

من 500 سنة كان الوعي يستيقظ في أوروبا، وكانت الافكار التي تدعو الى العلمانية وإزاحة سلطة الملوك في طور التكوين، ولكن هذه النظرة والافكار بدت للبعض أحلاماً نازلة من اضغاث وعن خيال لا يحلو له سوى المبيت فوق أقواس الغمام!

من هؤلاء المتنورين نذكر توماس مور الذي قال في كتاب اليوتوبيا سنة 1516: "إن الطريقة الوحيدة لتأمين الرفاه الاجتماعي هي في تطبيق مبدأ المساواة. وهذه المساواة مستحيلة من دولة تكون فيها الملكية فردية ومطلقة".

هذا الكلام يبلغ مستوى عالياً من الفكر العقلي المنطقي وهو في أصول الاشتراكية السياسية الاقتصادية. هذا ما دفع كارل ماركس ليقول في المسألة اليهودية في الصفحة 17: "إن مسألة علاقات التحرير السياسي بالدين تصبح بالنسبة إلينا مسألة علاقات التحرير البشري بالتحرر السياسي".

ويضيف ماركس: "ونحن ننقد الضعف الديني للدولة السياسية، بنقد الدولة السياسية، بصرف النظر عن نواحي ضعفها الدينية، في بنيانها العلماني".

هذا من الناحية النظرية، اما في خضم الصراع الانساني والواقع المادي الذي لا مناص منه، فلا بدَّ لنا من العودة الى الاحاسيس الاكثر صدقاً وقوّة، يقول دوستويفسكي في محاورة بين الشيطان والكاهن:

"قال الشيطان للكاهن: 

إخلع عنك ثيابك الحريرية، جع كما يجوع البائسون، استلقِ على الارض الباردة القذرة مثلهم، ثم حينها حدثهم عن الجحيمّ!..."

كذلك يقول حمزة منصور: "أي نضال لا ينطلق من قاع الظلم الذي عاشه المناضل نفسه، لا يمكنه أن يكون مناضلاً صادقاً لأنه عرضةً للانحراف صوب النرجسية مرة وصوب السفارات الاجنبية مرّات..."

نستشف من هذه الشواهد هناك نضال ونضال، ثورة وثورة، ثورة تخاض في الخنادق، وثورة في المقاهي وتنظير وكلام يفرغان كل حركة ثورية من معناها حتى لو كانت ثورة عظيمة لا مثيل لها.

لذلك قال غيفارا:

الثورة شيء تحمله في أعماقك وتموت من أجله... وليس بالشيء الذي تحمله في فمك وتعيش على حسابه!...

وجان بول سارتر الذي خاض ثورته على طريقته، ولسنا بصدد الكلام على تجربته في هذه المقالة، أدرك هذه الحقائق وقال بدوره:

"لكي يكون لك حق التأثير في المناضلين يجب عليك أولاً أن تشاركهم نضالهم، وعليه، يبقي على كلّ إنسان أن يختار طريقة نضاله استعداده ونذكره، أنه سيكون عرضة للمساءلة، أنه سيقف موقفاً تجاه نفسه وتجاه الآخرين الذين يشاركونه آراءه؛ نذكره، أن كل ما يقوله، يقدم عليه، أو يفعله سيحتسب عليه ويسجّل على شخصه كما الوسم الذي يرثه الانسان بالجينات!"

وأخيراً لا بأس لو تذكرنا أبيات موسى شعيب التي تقول:

"آمنت بالرشاش الطريق لعودتي

وعلى طريق الرشاش يبتسم الغدُ..."