ليست غيركَ الحياة ..!!

قفِْ، الآن والدّمُ يعتلي الشّمسَ، وعند ناصية الزمان، خراف الأضاحي، فخشيتُ أين أمضي، والطلقات في وجهي وظهري، فرُحتُ في يدٍ .. كيف حملتني إلى أٌمي، ولستُ لأجهلَ يداً نوراً ورحمة، فوق شُبّاكنا القديم وحمةٌ .. ظنَنتُها القمر، والآهات إذا أضوَتْ، سمعتُ منادياً بأفواهِ الكائنات، لكنّهُ، صوتي، في غيمةٍ ظمِئَتْ، في نجمةٍ عيونُ العتبات، ولي ظلالٌ، أغدو بها، إلى سفرِ كالنهر يجري، كالنّار في الهشيم، كدمٍ وقّادِ المواجع، كدمي يتكئُ على كلماتٍ مُتعَبة، مُتعِبةٌ شفاهُ الوقت، وما انفكَّ أفقٌ قلِقٌ .. يهوي كالنَسر الجريح ..

 

وابتَعِدْ، لا تتلفّتْ، لا وداعَ يا صاحبي، هائماً أجمعُ حكاياتِ جِعةِ الصَحبِ، بحُبٍّ، بدربٍ، بليلٍ تسَنبلَ الشُّهُبَ، بمَلءِ الفراغ أذهب شاكي اليقين، هاك، خلفي أصلاب العواصف والحطب، أمامي ثوراتُ الشّوراع، أُشعلها بعود ثقاب، وعند حوافي الغيب .. عابرون بلا زيتٍ وصعتر، فأبحرَ عنّي ألفُ خيالٍ بقطرة، وتراقصت نيران المُخَيَّلة، وقلتُ، أفديها ببعضي، وبعضي يأبى الرجوع، ذاكرةٌ لا أرضاها لحدي، فتسكّعي، واذرفي أشجان الأصيل، لا يفي الأسودُ حزناً، لا الأبيض فرحاً، منذ جهاتٍ تكسّرتْ، خضعتْ، راحتْ في سُباتِ الريح ..

 

واحمِلْ، لو تحمل على نفسٍ، أطرافُها صُبّارٌ، جلدها نارٌ، من دموعِ شموعٍ مُعَتَّقة، واسحَبْ عن العُشّاقِ توجُّداً .. لسنينَ عند باب الحوائج، وقد قمَرتُ قديماً لعينين، لفمٍ جائعٍ لفمي، على هذي الأيدي فصول الأسمال، أشكال أمطار العصر والأمصار، ألوان الحمام الزاجل، زجلُ جحافل الشهوات، غرائز الفرسان، قبل الأماني، استيقظنا، كتبنا في المقاهي، وكان البحر في المسام، يرتفع بأحداق الكؤوس، وفوق رؤوس الأعواد، حِمَمُ الخلفاء، تحت سطح البيداء، جذورٌ تُداعبُ الراح ..

 

واجهَلْ مرآةً بلا ملامح، عُطاشى الحانات، يراودون ذئاب البدر، يصطنعون للغربان جثثاً، للجدران كفوفاً مَدَمّاة، وليس مِداداً، عن جريان المُعلّقات، فعلها التتار، فهاكَ من ملمحِ دِجلةَ والفرات، ألوان الضحايا، ومن ملح الضفاف، أحفاد الغزاة، من أشلاء البيوت، أشباح المصابيح .. 

الشطآن والموانئ، من شقائق الحواري، لحمٌ مُقدَّدٌ لليالي الشتاء، عن هذا الطينِ نزعٌ ونزغٌ لأرواح ..

 

دعْ عنكَ، بين سنابك الجليد، غبارَ الجلود، جَلوداً، مطوّقاً بالجبهات .. تهزُّ شجرةَ العمر، تتساقط عنها صورٌ بهيةُ المزاج، حافياً، ساعياً لدقيقٍ بين الأشواك .. يومَ ريحٍ صرصرٍ، على مهمهِ الحَدْبات، عظامٌ موحِشة، أوراقٌ مَصَفّدة، يتوغل فيها قُطّاعُ الزمان، فأطرقتُ عنكَ لياسمينَ وبيلسان، وانعقدَ في اللسان مذاقُ الرماح ..

 

فاصحَ، أو لا تفعل، هاتِ لي يداً ليدي .. لرايةٍ، قدماً ليابسةِ، لأنها المنافي .. تُشابِهُ التكوين، كم من المرّات كنّا فيها، من خيمةِ إلى خيمةٍ .. في الطريق إلى الشهادة، إلى قبائل الخزَر، وأصنام قريش تتضاجع، تلك، الأسّرة الملفوفة بأغطية الصباح، تلك الأماسي برائحة الملذات، أطفالها نحن، نجِنُّ متراهقين لنبيذٍ مموسق، لعشقٍ مهما لانَ جارح ..

 

كُنْ، كما أنتَ، حُلُماً في الحُلم، جامعاً لجوارح الظلام، لأرحام الغابات، لأسلاك السلام، لا تُحَدُّ بجلدِ قرطاج، وارفعْ للخنساء  رأساً علَماً .. صخراً ناراً، ليس في هذا السفر جناح، ولا تجنح للسلم كما فعل اللئام، فكلُّ المطارح في صُرّةِ الرحيل، في مناقير أشباح ..

 

وعَلّلِ ذات العشقِ لعِلّةِ الوصل، ذات الحُسن .. تقي الجليدَ ذوباناً، تقي النّار احتراقاً، تقي الروحَ موتاً، وهذا الجسدَ حرماناً، يكفيكَ اعتصار العناقيد، ومن أمشاج سكرةِ الوليد، من ليلكَ الوحيد، لا أحدَ يبلغ رماحَ السعفِ والكثبان، ففي موت الرمال .. استراحة، وفي تقصّي الحطام كهّان المعابد، في حَلمةِ ساحرة، حيث خطوط الأكفِّ، حيث الغضبُ كالوردِ يتفتّح، كالفجر كلّما لاح ..

 

واصنَعْ على أعينهم فلكَ نوحٍ، لموجهِ البحر، لقطعةٍ من كبدِ حوتٍ أزرق، لفيالق الدّماء والرماد، لقمحٍ وحبرٍ أرجوان، لعذارى، لمحرابٍ وقرابين .. لا شيء غير الطوفان،  غير وسنٍ في زفيف المطر، تُلَفُّ أصابعُهُ ببتلات الأزاهير، بفرحِ الألوان تداعبها أنامل، ثمة صدّاحٌ محشوّ الأنواء، ثمة .. وكان مترامي المعارك، جيّاشَ الصور، من نسلها بات يصيح ..

 

وأنتَ تمرُّ بصورٍ بلا نهاية، بهواجسَ غير مكتملة، رحلةْ بلا وقت، سفرٌ مثل قِطعٍ صغيرةٍ لشطرنج، كما لو انّكَ لستَ أنتْ .. وأنتَ كلّ هذا السبب لهذا الذبح، وأنتَ الذبيح المضرّجُ بالعشق، تغرق في قعرٍ بلا قعر، تُعيدُ قراءةَ الخلايا فيك، جيناتُكَ .. مفاهيم قديمة، جديدة، لأنّكَ الكون .. خلّاق الحياة، وتستهلكها لمٌتعةِ النواح، فلا ترتاح لغير فناء، لعدمٍ تُفيقُ فيه لسراحٍ مشروطٍ، لصباح ..