طفح الكيل... لوضع النقاط على الحروف!

أنتم تعبثون بموارد لبنان الطبيعية، غير آبهين ببيئة لبنان ولا بصحّة شعبه ولا بحسن إدارة واستخدام ماله العام.
نحن لم نكُن يوماً ضدّ استحداث مطامر صحية لاستقبال متبقيّات النفايات بعد فرزها وتدوير بعض مكوّناتها ومعالجة وتصنيع بعضها الآخر.

ولكنّنا كنّا ولا زلنا وسنبقى ضد استخدامكم للمطامر، الصحيّة وغير الصحيّة، النظاميّة وغير النظاميّة، لاستقبال ما يزيد عن 95% من النفايات، بعد استهتاركم وعبثكم وإفشالكم لكل عمليات الفرز والتدوير والمعالجة، وتعطيلكم لكل مبادرات ومحاولات الفرز من المصدر، وتشويشكم على التجارب الناجحة في العديد من المناطق اللبنانية. يستمر عملكم الدؤوب على عرقلة حسن تشغيل مراكز الفرز والمعالجة، التي بناها وجهّزها الاتحاد الأوروبي، وهي تزيد عن 15 مركزاً في كلّ المناطق اللبنانية، وتخريبها ونهب تجهيزات بعضها، وإقفال معظمها والعمل على الاستمرار بتعطيلها، غير آبهين بما يرافق ذلك من ازديادٍ فظيعٍ بانتشار المزابل العشوائية، حتى باتت تغطّي معظم هضاب لبنان، وتكون في معظم الأيام مشتعلة، تبثّ السموم وتوزّعها على سكان القرى في المناطق الجبلية في كل مناطق لبنان. وها أنتم تتحضّرون للذهاب بكلّ النفايات إلى المحارق، التي ستنقل لبنان إلى عصرٍ جديدٍ من التلوّث البيئي وانهيار الأمان الصحّي وهدر المال العام.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ اختياركم العشوائي والاعتباطي والارتجالي لمواقع المطامر، مع تجاهل مقيت لإخضاع هذه المواقع إلى الحدّ الأدنى من التوافق مع المعايير البيئية، بما يخفّف من آثارها السلبية على البيئة والصحة البشرية.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ استخدامكم لأزمة النفايات المستمرة، التي تتوالى فصولها بسبب سياساتكم وخياراتكم، التي تصرّون على اعتمادها منذ 1997 وحتّى اليوم، كي تتقاطع مع مشاريع ردم البحر ومصادرة الواجهة البحرية وحرمان الشعب اللبناني من حقّه في أملاكه العامة.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ عبثكم بطبيعة لبنان، في شماله وجنوبه وبقاعه وجبله وعاصمته، حيث تزرعون أسباب التلوث، وتخربون الشواطىء والمواقع الأثرية ذات القيمة الثقافية والتاريخية والسياحية، وبذلك لا تتورّعون عن تعريض شعبنا لأكبر المخاطر على صحّته وصحّة أجياله القادمة، واستقرار ورفاه عيشه.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضد تجاهلكم وممارساتكم، التي تدير الظهر إلى الالتزام بالقوانين والتشريعات البيئية النافذة. أنتم تخالفون بصلافة عن عمد وقصد وتصميم قانون حماية البيئة رقم 444 للعام 2002. فيتولّد عن مخالفاتكم جرائم بيئية موصوفة يدفع ثمنها الشعب اللبناني، بجيله الحالي وأجياله القادمة، عبر تبديد موارده الطبيعية وتخريبها، هواءً وبحراً وشاطئاً ومياهاً سطحية وجوفية وتربة وغابات وجمال جباله وهضابه ووديانه وسهله وساحله، دون أن يرفَّ لكم جفنٌ أو يؤرقكم وخزٌ من ضمير.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ تجاهلكم لمرسوم أصول تقييم الأثر البيئي رقم 8633 للعام 2012، والسير بمشاريعكم دون الالتزام بهذا المرسوم، لا شكلاً ولا مضموناً، وتتصرّفون كأنّه لم يكن. هكذا تصرّفتم في مشروع سدّ جنة، ومشروع المطامر الشاطئية في الكوستابرافا وبرج حمود – الجديدة، وتتجاهلون الثغرات الكبيرة في مشروع سد بسري، وتثبتون كل يوم بقراراتكم الارتجالية والاعتباطية في “تربل” كما في “سرار” و“مجدل عنجر”، وفي كل قراراتكم ردّات الفعل على الأزمات، التي تسبّبنوها لشعبكم نتيجة سياساتكم، التي لا تلبّي الحدّ الأدنى من المصلحة العامة المُستدامة، بل تستجيب بالكامل لمصالحكم ومصالح أعوانكم في كل قطاعات الأعمال.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ تجاهلكم ومماطلتكم المديدة في تطبيق أحكام مرسوم الالتزام البيئي للمنشآت رقم 8471 للعام 2012، الذي لو تابعتم تطبيقه لما كنا اليوم أمام هذا المستوى من التلوث من مصادر صناعية في الهواء والبحر ونهر الليطاني وبحيرة القرعون.
كنّا ولا زلنا وسنبقى ضدّ تجاهلكم لتنفيذ أحكام مرسوم التقييم البيئي الاستراتيجي لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام رقم 8213 للعام 2012، ونراكم تغرقون البلد في سياسات واستراتيجيات غير مدروسة، وغير خاضعة لتقييم بيئي استراتيجي، لا في سياسات المياه ولا في إدارة النفايات ولا في قطاع المقالع والكسارات ولا في أي قطاع آخر. الارتجال يسود في قراراتكم واستراتيجيّاتكم وخططكم وبرامجكم. هل أخضعت خطّتكم للصرف الصحي لتقييم بيئي استراتيجي؟ طبعاً لا، ولا نراكم تفكرون للحظة واحدة القيام بذلك، لأنّ تقييماً من هذا النوع سيودّي بسياستكم، التي أوصلت البلد وبيئيّته إلى وضع كارثي بكل مقاييس ومعايير التلوث.
كنّا ولازلنا وسنبقى ضدّ تجاهلكم وتلكؤكم عن التطبيق والمتابعة الجدية لتنفيذ مرسوم تحديد أنواع نفايات المؤسّسات الصحية وكيفية تصريفها رقم 13389 للعام 2004، حيث يسود قطاع إدارة النفايات الطبيّة فوضى تكون ضحيّتها بيئة لبنان وصحّة شعبنا في كلّ المناطق.
هذا غيضٌ من فيض، حيث نراكم تحكمون البلد باعتباطيّة تودي بمواردنا الطبيعية والبيئية وتهدّد صحة شعبنا بأكبر المخاطر، وتترافق بنهب وتبذير وهدر المال العام، بمختلف الطرق والوسائل، دون تحقيق أيّ من أهداف التنمية المستدامة، في تطوير الخدمات وفي تحسين حياة الناس، التي انحدرت إلى مستوياتٍ دنيا من الجودة والرفاه وإلى ارتفاعٍ كبيرٍ في مستوى التعرّض للمخاطر.
أيّ صنف من رجال الدولة أنتم؟ تتفلّتون من كل منظومات القوانين والتشريعات، وضوابط العقل السليم في إدارة البلد وشؤونه، وتعبثون بموارده الطبيعية، وتتسبّبون بتدهور حياة شعبه، وإعاقة نموّه وتطوّره وتقدّمه.

 

  • العدد رقم: 363
`


ناجي قديح