الضبع والمواطن والهوية المشتركة

شهدت الفترة الماضية أحداث عدّة على الصعيد المحلّي من الموازنة العامة الى أوّل عاصفة ثلجية فعلية، ثم التبديل التكتيكي في صفوف قيادة آلـ "الحريري" وغيرها من أحداث هيمنت على مواقع التواصل الإجتماعي، نشرات الأخبار والصحف.

من بين هذه الأخبار برز خبر بيئي مفاده مقتل "ضبع" في عين كفرزبد، مما أثار موجات من الغضب والتضامن مع الصيّاد أو مع البيئة ورمز لبنان في ثروته الحيوانية: الضبع. فهذا الحيوان قليل من يعرف أنه لبناني، مثله مثل أرزة العلم، لكن بسبب الخرافات، أخبار الأجداد وعدم ذكره في أغاني تعطيه قيمته وحقّه الحقيقي، أصبح عدوّ المواطن اللبناني.

قبل الخوض في حكاية الضبع,،لا بدّ من تعريف هذا الكائن، أو أقلّه وصفه: هو كائن ينتمي إلى عائلة الثديات، يعيش بين الـ 10 والـ 12 عاما في الطبيعة، بين الشرق الأوسط وأفريقيا في المناطق الحارّة. رأسه مثلّث، عيونه داكنة، أنفه أسود سميك، أذناه مدبّبتان وسوداء اللون، وحلقه أسود. جسمه أصفر ذهبي أو رمادي اللون، ويملىء جسده ورجليه خطوطاً سوداء، لهذا سميّ بالـ "الضبع المخطط". رجلاه الأمامية أطول من الخلفية مما يسمح له بالتنقل والركض بشكل سريع خلال مطاردته لفريسته، أو عندما يشعر بالخطر مما أعطاه ميزة "أذكى المخلوقات في مملكة الحيوانات". تسكن هذه الحيوانات ضمن مجموعات صغيرة تتألّف من أنثى واحدة ومجموع ذكور - قد يحكم على هذا الكائن أنه ذكوري - لكنّ الدراسات أكدّت أن هذه المجموعات قادرة على حماية الأنثى خلال حملها، وتأمين لها الغذاء الكامل لها ولصغارها. الملفت في هذا الحيوان أنّه، وحسب الدراسات، يتواصل مع المجموعات عبر صوت، شبهه العلماء للضحك، ممّا جعلهم يسمّوه "ضحك الضباع".

بعيداً عن العلم، للناس مع الضبع المخطط قصصاً مبالغاً فيها، وتأتي من نسج الخيال، مما جعلنا نكبر مقتنعين بهذه الخرافات والحكايات، ومحاربة العدوّ الأول لنا في هذا العالم "الضبع المخطط".

من قصص الخيال المتوارثة من جيل إلى جيل في القرى اللبنانية أنّ الضبع كان يهاجم البيوت في ليالي الشتاء، ويأكل الأطفال الموجودين فيها، حتّى وإن تفرّس أكثر، يأكل العائلة كلها "وما بقي مين يخبّر". تبقى هذه الأكاذيب حقيقة حتّى تبحث عن الضبع المخطط في المجلات العلمية والمواقع العلمية، أو تكتشف بنفسك أنّ الضبع حيوان جبان وخجول في وجود الإنسان، وإنّ لم تهاجمه او تعتدي عليه فهو مسالم، ويهرب عندما يسمع أصوات قد تشكّل خطراً عليه، على عكس الضبع في البريّة حيث "يكشّر عن أنيابه" ويكون مقاتلاً شرساً من أجل البقاء، وعلى عكس ما يشاع، لا يتغذّى الضبع من الثديات الأخرى كالماعز والخنازير، بل من بعض أنواع الخضار والفاكهة كالشمام، الخيار وفاكهته المفضلّة الدرّاق، إضافة إلى بعض الأنواع من الزواحف الصغيرة، والحشرات والخنافس.

ومن الخرافات أيضاً أنّ الشاب القوي في القرى اللبنانية يضرب به مثل "ما بخاف من شي أكل قلب الضبع"، وهذا دليل أنّ لا شيئ يوقفه. فالبطولة هنا مربوطة أولاً وأخيراُ بأنّ الضبع كان وسيلة نقل الجنّيات والساحرات التي إعتمدت على الضبع ليكون "التاكسي" الخاص بها.

صوّر فلم الكرتون الشهير "ليون كينغ" الضباع ككائنات سيئة وشريرة، هدفها أذية الأسود وتحويل العالم إلى عالم سيء. كرهت تلك المخلوقات وقتها، لكنّ اليوم أندم على كلّ دمعة زرفتها وأنا أشاهد هذا الفيلم.

لكن، ومن أجل المصداقية في الكلام والأحداث، لطالما شهد المجتمع صراعات بين الرعيان والضباع لا معركة إنسان – ضبع، بل معركة حماية قطيع الماعز من الضبع الذي يستطيع أن ينهش تلك الكائنات ويفترسها وحتى يأكل عظامها.

الضبع المخطط حيوان مهدد بالإنقراض، بحسب الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وبات يحدد في المنطقة الحمراء فاليوم هناك 14 الف ضبعاُ في العالم، و10 الاف منهم ناضجة قادرة على التكاثر. فلنتخيل أنّنا قررنا خوض المعركة في وجه هذا الحيوان وقضينا علىه، لكنّا محوّنا هويتنا الوطنية ورمز ثروتنا الحيوانية. من الضروري اليوم إنشاء محميات قادرة على الحفاظ عليه. هذا الحيوان الودود، يحبّ الضحك. الإشاعات والأساطير التي لا تمّت له بصلة، شوهت صورته وجعلته عدوّ وهمي للإنسان. كأيّ مواطن لبناني في لبنان. لذا وبالختام تشابه اللبناني والضبع في الهوي والظلم ومقاتلة العدوّ الوهمي.