حياتنا على خطى تقشفيّة

وعدتني حبيبتي، خلال شهر شباط، برسالة عاطفية مرفق معها الشوكولا الأحبّ على قلبي . twirl ثمّ مكثنا في البيوت لمدّة ثلاثة أشهر خوفاً من وباء الكورونا. حلّت الكورونا لتفصل بين الشتاء والربيع، وكأنّها فصل بحدّ ذاته.

التقشّف بدأ هنا، تحديداً خلال الكورونا: بتنا نفكّر بنصف فكرة، نكتب نصف مقطع، نغنُي نصف أغنية، نخرج من البيت بنصف خوف. أصبح "النصف" الفكرة الممتلئة. كانت كورونا تمريناً لما هو آتٍ من بعدها. حياة عشناها بالحدّ الأدنى فيما الحدّ الأدنى للأجور تهاوى. تهاوت معه قدرتنا على التخطيط للغدّ. كلّ الأمور أصبحت مؤجلة الى أجلٍّ غير مسمّى. إستفقنا من مرحلة الحجر المنزليّ لنواكب الحياة تدريجياً وكأنها عودة بالتقسيط. كنّا نقسّط كلَّ شيء للمصرف فيما الآن توقّف المصرف وتوقّف عدّاد حياتنا. عدنا بالتقسيط المريح وأصبحنا نعيش حياتنا بالتقسيط. تخيّلوا فيما لو دخلنا إلى عالم جديد من دون الكورونا. هذا الأخير كان تمريناً لنا وكأنّه الأداة الانتقالية لنمط العيش الجديد. عادت الحياة إلى مجراها الّلاطبيعي. هنا كمنت المفارقة. في الأصل، لم تكن حياتنا " طبيعية ". كانت خليطاً من واقع ممجوج بكلّ أسباب القلق. خرجنا من بيوتنا إلى سياراتنا التي ركنّاها ثلاثة أشهر متتالية. زادت أعطالها. سابقاً، كنّا نؤجّل تصليح أعطال السيارة ونقول لأنفسنا " معنا وقت ". أمّا اليوم فإذا تعطّل شيءٌ ما داخل السيارة، نسارع إلى تصلحيها فوراً لأننا أصبحنا في سباق مع الدولار والأخير في سباق مع الوقت، والوقت سباق مع الحياة، والحياة سباق أبديّ. هكذا نحن نظلّ نسير، كأنّنا عدّاءون في مدينة ما. ونحن في طور الدخول إلى حياتنا الجديدة، ذهبتُ لأحتسي الجعّة في حانة أحبّها. سألني النادل أي بيرة بالتحديد؟ أجبت: "الكورونا" أكيد. ضحك النادل وضحكنا سوياً في البدء. وعند طلب الفاتورة صعقت بأنّ ثمن الكورونا بات ١٤ ألف ليرة لبنانية. كان بإمكاني أن أشرب الـ draft beer ولكن أنهيت " درافت " المقال أثناء احتسائي الجعّة. ثمّ فكرّت بحبيبتي قليلاً. بعثت لها النصّ. ضحكت على كلّ ما ورد. قلت لها: " ما بقى بدّي الشوكولا" ذلك لأنّ سعره زاد من ألف ليرة لبنانية إلى أربعة آلاف دفعةً واحدةً. بات لزاماً علينا تقنين ما في جيوبنا مع تقنين عاطفي قاسٍ نوعاً ما. وعلى الرّغم من أنّي أُتقن رياضة السباحة، إلاّ أن "موجة ارتفاع الأسعار" هذه لا قدرة لي على مواجهتها. سأقاومها، بل الأصحّ أننا سنقاومها جميعاً هذا وعد ١٧ تشرين.