من الثورة الى الانقلاب

 19 كانون الأول/  ديسمبر عام 2018: بدأت الاحتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتدهور قيمة العملة، وقوبلت بقمع لتتحول التظاهرات إلى أعمال عنف وشغب. وقد استخدمت القوى الامنية الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية، وارتفع منسوب العنف في ايام الاعتصام التالية، فلجأت الشرطة الى استخدام الرصاص المطاطي والحيّ وكذلك الغاز المسيل للدموع.

رىء في الخارطوم وحظر التجوال من السادسة مساءًا وحتى السادسة صباحًا في بعض الولايات، وعلق التعليم في الجامعات والمرحلتين الاساسية والثانوية في المدارس في ولاية الخرطوم،

اتهمت السلطات المتظاهرين بحرف التحركات عن مسارها، بفعل تدخل بعض "المندسين" واستهداف الممتلكات العامة، في وقت أدى عنف القوى الامنية الى قتل ثمانية متظاهرين.

مع بداية الاسبوع الرابع للتظاهرات، امتدت رقعة الاعتراض الى عدد اكبر من المدن، ومعها ارتفع منسوب القمع، وقد قتل الجيش قرابة 10 متظاهرين، في وقت عمد المحتجون الى حرق مقر الحزب الحاكم في مجموعة من المدن.

اعتقلت السلطات عدد من قادة المعارضة، متهمةً المعارضة بالتعامل مع "إسرائيل".

بعد شهر من اندلاع التظاهرات، تشكل "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي نظم  التظاهرات نشر بيانات ثورية على وجداول لأماكن ومواقيت التظاهرات عبر صفحته على موقع "فايسبوك".

حافظت التظاهرات على وتيرتها، وقوبلت بالعنف من قبل السلطة، وأدت الى مقتل طبيب وطفل ورجل في الستين من عمره برصاص قوات الأمن. وكان التشييع نقطة انطلاق لاحتجاجات جديدة، تطالب باسقاط النظام. في المقابل رفض البشير التنحي معتبراً أن انتخابات التي كانت مقررة عام 2020 ستعطي الحق للسودانيين باختيار رئيسهم.

بعد اعلان حالة الطوارئ، اصدرت السلطات اربعة مراسيم تقضي بحظر التجمعات والمواكب والتجمهر وتعطيل المرافق العامة، وفرضت تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامات ماليّة. الا ان الشعب السوداني تحدى القرار وواصل التظاهرات.

تجمّع مئات السودانيين المهاجرين في دول أوروبية أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل للمطالبة بالضغط على نظام عمر البشير من أجل التنحي.

في 6 نيسان/ ابريل، تظاهر مئات الآلاف في ذكرى الانتفاضة التي اطاحت بحكم الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، حيث عقدوا اعتصاماً، وحاولت قوى الامن تفريقهم بالقوة مما ادى الى مقتل خمسة متظاهرين بالرصاص الحيّ.

واصلَ المتظاهرون اعتصامهم المفتوح أمام مقر القيادة العامة مطالبين بتنحي البشير وإسقاط النظام، وسطَ توترات حصلت بعدَ تدخل قوات الأمن مُجددًا لتفريق الاعتصام.

صباح يوم 11 نيسان/ ابريل، اعلنت القوات المسلحة عن اعتقال الرئيس عمر البشير وتشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة أحمد عوض بن عوف لقيادة البلاد لمدة عامين، وفرضت حالة الطوارئ لمدة 3 شهور، وعلقت العملَ بالدستور، وحلّ مجلس الوزراء، وحكومات الولايات، والمجالس التشريعية، وفرصت حظر التجوال لمدة شهر في عموم البلاد.

رفض المحتجون الحكم العسكري، مطالبين بتشكيل حكومة انتقاليّة مدنية. عند منتصف الليل، اعلن بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس الانتقالي وعيّنَ المفتش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان خلفاً له.

24 نيسان/ ابريل: ارتفع منسوب الاحتجاج، ونظم عددٌ منَ القضاةِ مسيرة خارج المحكمة العليا مطالبن بمحاسبة السلطة العسكرية الحاكمة عن المشاكل التي تعاني منها البلاد.

حاولَ المجلس العسكري عقدَ اجتماعات معَ قادة المحتجين واتفقَ الاثنان على تشكيل لجنة مشتركة مهمتها وضع خارطة طريق لمستقبل البلاد. الا ان المعارضة بقيت على مطالبتها بحكومة مدنية، ذلك مع  استمرار الاعتصامات من أجل حماية الثورة.

تجمّع العشرات منَ السودانيين يوم الخميس 25 نيسان/أبريل أمام القنصلية المصرية، لمطالبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدم التدخل في الشأن السوداني، وذلكَ بعدما استضافت القاهِرة قمّة لقادة أفارقة دعوا إلى المزيد من الوقت لتحقيق مطلب الحكومة المدنية.

في الأوّل من أيار/مايو، اعلن تحالف قوى الحرية والتغيير عن "مليونية السلطة المدنية"، وقد تمت في اليوم التالي حيث توافدَ الآلاف من السودانيين من مُختلف المدن والمناطق إلى وسطِ العاصمة الخرطوم.

واصلَت قوى الحريّة والتغيير الدخول في نقاشات ومفاوضات معَ المجلس العسكري الانتقالي من أجلِ الوصول لصيغة مشتركةٍ حولَ تقاسم السلطة في البلد، وقد رفض المجلس العسكري التخلي عن السلطة، وباشر عملهُ كسلطة قائمة وبدأَ في التواصل مع دول المنطقة كما تلقّى دعوات من منظمات عربية وإسلاميّة أخرى للمُشاركة في اجتماعاتها.

أودعت السعودية 250 مليون دولار في المصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات كانت قد تعهّدت بها المملكة، ذلك بعد تدهور الاقتصاد السوداني، وفي 23 ايار/ مايو، قامَ نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع حميدتي بأوّل زيارة خارجيّة له، وكانت الى السعودية ليلتقي  وليّ العهد محمد بن سلمان آل سعود، معلناً بقاء قوات بلاده ضمنَ التحالف العسكري في اليمن بقيادة الرياض بعدما كان المتظاهرون قد طالبوا بسحبها من هناك.

اما رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان فكانت اول زيارو له خارح البلاد الى مصر، حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي اعلن مكتبه عن اولوية دعم الإرادة الحرة للشعب السوداني واختياراته. في اليوم التالي توجه برهان الى الامارات والتقى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

في 3 حزيران/ يونيو حاولت قوات الامن فض اعتصام بقتل 13 شخصاً وجرح العشرات، ثمّ ارتفعَ هذا العدد إلى 30 قتيلًا واكثر من 116 جريحاً. واصلَ المجلس العسكري محاولاته في فض الاعتصام، فيما عمدت قواته الى فتحَ النار داخل أحد المستشفيات التي كانت تستقبل المصابين، ومنع المتطوعين من الوصول إلى آخر. وقد دعت قوى إعلان الحرية والتغيير إلى إقامة متاريس في كل الشوارع بالعاصمة والأقاليم، والخروج في مسيرات سلمية ومواكب بالأحياء والمدن والقرى.

صعد المتظاهرون تحركاتهم من اجل إسقاط المجلس العسكري عبرَ الثورة السلمية، كما أعلن قادة المعارضة عن الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل والمفتوح اعتبارًا من يوم تنفيذ المجزرة حتّى إسقاط النظام.

اعلن رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، مساء يوم المجزرة، توقف التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير، داعياً إلى انتخابات عامة خلال 9 أشهر. وفي وقتٍ متأخر من اليوم نفسه، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية عن ارتفاع عدد قتلى فض اعتصام القيادة العامّة إلى 128 شخصاً.

عاد الحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والعدالة، تشكلت حكومة بديلة في نيسان/ ابريل 2019، بقيادة "حمدوك"، ذلك وفقاً لـ  "الوثيقة الدستورية" التي نصت على أن يحكم العسكريين لمدة سنة ونصف، يلي ذلك الحكم للمدنيين، في عملية للانتقال نحو الديمقراطية والدولة المدنية.

عملاً بالوثيقة الوطنية، حان الوقت لانتقال الحكم الى المدنيين، الامر الذي يرفضه العسكر، وعمد مجلس السيادة العسكري بإحداث انقلاب عسكري بحجة تصيح مسار الثورة ومنع وقوع حربٍ أهلية، معتبراً أن الحكومة عاجزة عن الانتقال الديمقراطي.