مأزق ترامب في إيران: إما التراجع أو إلى حرب عبثية

العلم الزائف "False flag": "ضربني وبكى سبقني واشتكى"
أضرارٌ جسيمة تلحق يومياً بهيبة الولايات المتحدة الأميركية نتيجة إصرارها على المضيّ في عمليات "العلم الزّائف" دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات العالمية، خاصة منذ احتلالها للعراق وخيباتها فيه. ويُخْتَصرُ تعريف عملية "العلم الزّائف" بأنها حدث مُروع ومُنظّم - يُلقى باللوم فيه على عدو سياسي - ويُستخدم كذريعة لبدء حرب أو لسن قوانين قاسية باسم الأمن القومي. ويقول الكاتب الأميركي لاري شين: "إن جميع الحروب تقريباً تبدأ بعمليات زائفة". في نيسان 2019 وفي محاضرة له بجامعة "آي إند إم" في ولاية تكساس، أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركية الحالي والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية بصريح العبارة: "كنت مدير وكالة المخابرات المركزية. لقد كذبنا وخَدعنا وسَرقنا. كان ذلك يشمل دورات تدريبية كاملة، تذكّركم بمجد التجربة الأميركية".

يرى الباحث الاقتصادي والجيوسياسي الكندي رودريغ تريمبلي أن التاريخ اليوم يعيد نفسه: "في الواقع، إن أولئك الذين يعتاشون من الحرب هم داخلها مرة أخرى". ويضيف: "إن جريمتهم تتمثّل ببدء حرب غير قانونية من خلال شن هجمات "العلم الزّائف" وإلقاء اللوم على البلدان الأخرى عن أفعالهم الإجرامية. وبذلك، فإن الثنائي ترامب - بولتون يشبه الثنائي بوش الإبن - تشيني. إنه من المدهش أن لا يزال هذا الأمر مستمراً في زمن الأخبار المتدفّقة على مدار الساعة".
"الديمقراطية الغربية" نحو الاحتضار
ويذكّر تريمبلي كيف أن الثنائي الأخير، شقّ طريقه في 2002-2003 نحو حرب عدوانية ضد العراق تحت غطاء من الكذب حول امتلاك صدام حسين مخزون ضخم من "أسلحة الدمار الشامل" واستعداده لمهاجمة منشآت أميركية. كما يعيد إلى الذاكرة تخويف بوش الإبن الأميركيين بخدع زائفة كلياً وكيف التحق به "الكونغرس الأميركي الساذج" وواكبته جوقة الإعلام الاحتكاري وصولاً إلى "ابتلاع الطعم" من قبل الجمهور الأميركي. ويستنتج تريمبلي: "نعيش في عصر يستطيع فيه أشخاص ذوو أخلاق متدنّية، يمتلكون الكثير من المال، السيطرة على السلطة وإلحاق الكثير من الضرر". ويستنتج:" كيف يمكن لديمقراطيتنا البقاء على قيد الحياة في مثل هذا السياق، السؤال يبقى مفتوحاً"(1).
لقد اختبرت شعوبنا العربية وشعوب منطقتنا عامة، مراراً وعلى مدى عقود من الزمن، عمليات "العلم الزائف"، من خلال الاعتداءات الإمبريالية – الصهيونية المتواصلة، وهي ما زالت تختبرها يومياً. وها هي إدارة ترامب تعتقد بكل بساطة، بأنها تستطيع الانسحاب من اتفاقية مرعيّة من الأمم المتحدة بينما تتهم إيران بخرق المواثيق الدولية، وبأنها تستطيع أن تفرض حصاراَ تجويعياً محكماً عليها وتحمّلها المسؤولية، وأن ترسل أساطيلها الحربية لتطويقها وتهديدها دون اعتبار ذلك خرقاً للأعراف الدولية، وأخيراً إرسال طائراتها التجسسية الى أجوائها، وإلقاء تبعية العواقب عليها. أي تزييف للحقائق يضاهي هذا التزييف؟ وأي فعل "بلطجة" يضاهي هذه الأفعال؟
إفلاس نظرية "العلم الزائف"
تجزم الباحثة والناشطة القانونية، مارجوري كوهن بأن "لإيران الحق القانوني في السيطرة على مجالها الجوي"، بينما يعلن الطيار السابق في سلاح الجو وضابط المخابرات الأميركي بروس فرانكلين من خلال صفحته في فيسبوك: لا يجوز إنكار حق إيران في طلب هوية أية طائرة تحلّق بالقرب من أراضيها، مضيفاً بأن مناطق تعريف الدفاع الجوي للولايات المتحدة تمتدّ الى ما بعد 200 ميل من الحدود الأميركية، وأن "أية طائرة بدون طيار، مجهولة الهوية" تحلّق بالقرب من الولايات المتحدة "من المرجّح أن تسقط"(2).

الإدارة الأميركية ماضية في إرسال الرسائل والإشارات المتضاربة حول خطواتها اللاحقة في المنطقة، رسائل تتراوح بين دعوة طهران إلى التفاوض من موقع الإذعان، والتهديد بشنّ العدوان العسكري، في ظلّ استعراض قوتها الفعلية وأجواء تنذر بحرب جديّة. يجري ذلك في حين تؤكد العديد من المصادر الدبلوماسية أن "السّحر انقلب على السّاحر" الأميركي مرّة أخرى، بسبب تمادي إدارة ترامب في غطرستها و"حشر" إيران في زاوية لم تعد تجديها فيها غير لغة الردّ الحازم على الاستفزاز. ووفقاً لتلك المصادر، بحسب المراسل البارز والمطّلع على شؤون المنطقة، إلايجا ماغنير، رفضت إيران اقتراحًا قدمته المخابرات الأميركية – بواسطة طرف ثالث - بأن يُسمح لترامب بقصف هدف أو عدّة أهداف واضحة وخالية، تختارها إيران، بما يحفظ ماء وجهه. وبحسب المصادر نفسها، رفضت إيران بشكل قاطع العرض وكان ردّها: حتى الهجوم على شاطئ رملي فارغ في إيران سيؤدي إلى إطلاق الصواريخ ضد أهداف أميركية (3).
تتعرّض إيران لعدوان إقتصادي غير مسبوق وتهديد عسكريّ فعليّ. إدارة ترامب التي لا تستطيع العثور بين حلفائها على من هم مستعدون لـ"رشق الحجارة" غير مَنْ "بيوتهم من زجاج" من أدواتها في المنطقة، تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: التراجع عن حصارها الاقتصادي - العسكري أو حرب مدمّرة لأدواتها قبل غيرهم.
_____________________________________
هوامش:
(1) https://www.globalresearch.ca/trump-bolton-duo-like-bush-cheney-duo
warmongers-using-lies-start-illegal-wars/5680929
(2) http://www.informationclearinghouse.info/51815.htm
(3) http://www.informationclearinghouse.info/51814.htm

 

 

 

  • العدد رقم: 360
`


حبيب فارس